اتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي خطوة حاسمة لإنهاء أطول إغلاق حكومي في التاريخ بعد 40 يومًا من الجمود، عندما انشقت مجموعة صغيرة من الديمقراطيين عن حزبهم وصوتت مع الجمهوريين بنتيجة 60 مقابل 40 صوتًا، في هذا الصدد كشفت صحيفة نيويورك تايمز، عن عدد من الدروس المهمة من هذا الاتفاق الذي سيكون له تداعيات سياسية بعيدة المدى.
انهيار الوحدة الديمقراطية
نجح السيناتور تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية، في الحفاظ على وحدة حزبه طوال 40 يومًا، لكن هذا التماسك انهار دون تحقيق المطلب الرئيسي، تمديد إعانات التأمين الصحي المقررة الانتهاء نهاية العام.
وبرر أعضاء مجلس الشيوخ الذين انشقوا عن حزبهم قرارهم بأنهم لم يعودوا قادرين على الصمود بينما يعاني الأمريكيون من عواقب الإغلاق، مستندين إلى وعد من السيناتور جون ثون، الزعيم الجمهوري عن ولاية داكوتا الجنوبية، بالتصويت على الإعانات الضريبية، ديسمبر المقبل.
وأوضح السيناتور ريتشارد دوربين، النائب الثاني للديمقراطيين عن ولاية إلينوي، أن "مشروع القانون يتخذ خطوات مهمة لتقليل أضرار الإغلاق"، رغم أن وعد التصويت لا يضمن تمرير التشريع في ظل سيطرة جمهورية على الكونجرس وهجمات ترامب المتكررة على قانون الرعاية الصحية، وفق الصحيفة.
وأظهر الاتفاق انقسامًا مريرًا داخل الحزب الديمقراطي، إذ رفض شومر التصويت لصالح مشروع القانون وانتقده علنًا في مجلس الشيوخ، بينما هاجم النائب حاكيم جيفريز الاتفاق واصفًا إياه بغير الكافي.
وذهب النائب عن ولاية كاليفورينا رو خانا، أبعد من ذلك مطالبًا باستبدال شومر، قائلًا: "إذا لم تستطع قيادة المعركة لوقف ارتفاع أقساط الرعاية الصحية، فلأي شيء ستناضل؟".
ومن الدلائل البارزة على أهمية معركة الرعاية الصحية مستقبلًا، أن كل سيناتور ديمقراطي يخوض انتخابات إعادة العام المقبل، عارض الاتفاق، بينما الثمانية الذين دعموه يشملون اثنين متقاعدين هما دوربين وجين شاهين، وثلاثة لن يخوضوا انتخابات حتى 2028، والثلاثة المتبقون لن يواجهوا الناخبين حتى 2030.
الرعاية الصحية تتصدر
منذ أن أقر الجمهوريون حزمة سياسات محلية في وقت سابق من العام الجاري، تضمنت تخفيضات حادة في برنامج "ميديكيد"، ركز الديمقراطيون هجماتهم على قضية الرعاية الصحية، تمهيدًا لانتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
ورغم فشلهم في انتزاع تنازلات بشأن الرعاية الصحية في اتفاق الإغلاق، فإن أقساط التأمين الصحي في طريقها للارتفاع في وقت يعرب فيه الأمريكيون عن قلقهم من تكاليف الرعاية الطبية.
لكن الجانب الإيجابي سياسيًا للديمقراطيين، وفقًا لـ"نيويورك تايمز"، أن الجمهوريين باتوا تحت ضغط إما لتبني إجراءات تخفض هذه التكاليف أو مواجهة ناخبين تظهر استطلاعات الرأي أنهم يؤيدون ذلك بأغلبية ساحقة.
وأكد شومر في مجلس الشيوخ: "سنقاتل تشريعيًا وفي الولايات والمحاكم، تكاليف الرعاية الصحية أثرت بشكل كبير على انتخابات 2025، وستؤثر أكثر على انتخابات 2026".
نجاح تكتيكات الضغط
لأسابيع طويلة، كان الزعيم الجمهوري السيناتور ثون يطرح عرضًا على الديمقراطيين بإجراء تصويت حول تمديد دعم الرعاية الصحية، إلا أن الديمقراطيين ظلوا متمسكين برفضهم حتى تحولت الأزمة إلى كارثة إنسانية حقيقية بفعل سياسات إدارة ترامب، في حين لخص السيناتور الديموقراطي عن ولاية مين أنجوس كينج، الذي لعب دورًا محوريًا في المفاوضات مع الجمهوريين، لخص الموقف بقوله إن حجم المعاناة المتصاعدة هو ما دفع الديمقراطيين للتراجع عن موقفهم.
تحوّلت الأزمة من مشكلة تخص موظفي الحكومة الفيدرالية فقط إلى كابوس يومي لملايين الأمريكيين، إذ إن مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين حُرموا من رواتبهم لأسابيع متتالية، بينما لجأت إدارة ترامب إلى المحاكم محاولة وقف صرف مساعدات برنامج الغذاء "سناب"، ما وضع عشرات الملايين من الأسر الأمريكية أمام شبح الجوع.
الأسوأ من ذلك جاء مع قرار الإدارة بتقليص حركة الطيران المدني، الأمر الذي تسبب في فوضى عارمة بالمطارات وإلغاء آلاف الرحلات الجوية، خلال عطلة نهاية الأسبوع.
المفارقة أن معظم استطلاعات الرأي حمّلت الجمهوريين مسؤولية الأزمة، وهو ما اعترف به ترامب نفسه الأسبوع الماضي، إلا أن ذلك لم يمنع مجموعة من الديمقراطيين من كسر الصف والموافقة على الاتفاق.
غياب ترامب
خالف الرئيس ترامب التقليد المتبع، إذ لم يدعُ القادة الديمقراطيين للبيت الأبيض مرة واحدة، خلال الإغلاق للتفاوض، ولم يزر الكونجرس لإظهار قيادته نحو حل.
على العكس تمامًا، كان ترامب يصب الزيت على النار من خلال تغريداته المتواصلة التي يشد فيها أزر الجمهوريين ويطالبهم بعدم التراجع، بينما كان يهاجم الديمقراطيين واصفًا إياهم بالتعنت والإصرار على تعطيل مصالح البلاد، بل وصل الأمر إلى حد دعوته الجمهوريين لاستخدام كل الوسائل المتاحة لكسر الجمود، بما في ذلك إلغاء قاعدة الفيليبستر التي تسمح للأقلية بتعطيل التشريعات.
وبينما كان الاتفاق يتشكل مساء أمس الأحد، كان ترامب في مباراة كرة قدم بولاية ماريلاند، وكان تعليقه الوحيد عند عودته للبيت الأبيض: "يبدو أننا نقترب كثيرًا من إنهاء الإغلاق"، إلا أن السيناتور عن ولاية أوكلاهوما ماركواين مولين أكد أن البيت الأبيض بارك الاتفاق.
وقاد رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الجمهوريين لتمرير إجراء مؤقت لتمويل الحكومة، 19 سبتمبر الماضي، ثم أرسله لمجلس الشيوخ وطلب من مشرعيه العودة لدوائرهم، وبقوا هناك لأسابيع بينما أصر جونسون على عدم وجود سبب للتفاوض لأن مجلس النواب أنجز مهمته، ما همّش دوره ودور مجلسه.
مكاسب ديمقراطية
رغم أن الرعاية الصحية كانت تركيزهم الأساسي، انتزع ديمقراطيو مجلس الشيوخ بعض التنازلات في معركتهم ضد جهود إدارة ترامب لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية وتقليصها.
كان أكبر إنجازاتهم نصوصًا تعيد وظائف آلاف الموظفين الفيدراليين المسرحين خلال الإغلاق، وتمنع مزيدًا من التسريحات حتى 30 يناير المقبل، مع ضمان الرواتب المتأخرة لمئات الآلاف من الموظفين المجازين كما يتطلب القانون.
كما حمت مجموعة السيناتورات مكتب المساءلة الحكومية في إطار الصفقة، الوكالة التي تساعد الكونجرس على تتبع الإنفاق الفيدرالي، إذ أثار المكتب غضب ترامب وحلفائه بعد أن خلص مرتين العام الجاري، إلى أن الرئيس انتهك قواعد تمنعه من إلغاء التمويل من جانب واحد.
وبينما اقترح إجراء مجلس النواب تخفيض تمويل المكتب للنصف، حافظ إجراء مجلس الشيوخ على تمويله دون تغيير، كما أزال نصًا كان يمنع الوكالة من مقاضاة البيت الأبيض لإطلاق أموال محتجزة بشكل غير قانوني، حسبما ذكرت الصحيفة الأمريكية.