في الأول من نوفمبر 2025 افتتحت الدولة المصرية المتحف المصري الكبير، هذا الصرح الحضاري الذي جذب اهتمام العالم بأثره، ولم يكن هذا الإنجاز حضاريًا فحسب، لكن له العديد من العوائد الاقتصادية على مصر، خاصةً في قطاع السياحة؛ لأن العائد على الاستثمار في هذا المجال مرتفع بدرجة ملحوظة، كما أن آثاره الخارجية الإيجابية تمتد إلى باقي قطاعات الدولة بشكل غير مباشر، ما يدعم تحقيق التنمية المستدامة.
وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على العوائد الاقتصادية من افتتاح المتحف المصري الكبير.
نظرة عامة
إن افتتاح المتحف المصري الكبير تتضمن العديد من الفوائد للاقتصاد المصري، على النحو التالي:
(-) الالتفات العالمي لمصر: توجد علاقة موجبة بين نظرة العالم للدولة وبين مُستقبلها الاقتصادي، وفي ظل متابعة أكثر من مليار شخص حول العالم لحدث افتتاح المتحف المصري الكبير، تبين أن التسويق الجيد للإنجازات التي تحدث داخل مصر قد تم بشكل كُفء للغاية، فالمتحف مشروع اقتصادي وثقافي ضخم.
(-) إتاحة الفرص الاستثمارية: شهد افتتاح المتحف المصري الكبير حضور 79 وفدًا من مختلف الدول، وانطلاقًا من أن الدول المختلفة تستفيد من هذه الأحداث، لدراسة الفرص الاستثمارية مُنخفضة المخاطر، فالترويج لمصر كوجهة آمنة ومستقرة يعكس قدرة الدولة على تنفيذ مزيد من المشروعات الكبرى بجودة عالمية، كما أن اطلاع الوافدين على موقع المتحف في غرب القاهرة وبالقرب من الأهرامات يسمح للعديد من شركات التطوير العقاري العالمية للدخول في السوق المصرية.
(-) توطين اقتصاديات المتاحف: تُعد اقتصاديات المتاحف من المجالات الاقتصادية المُهمة، التي لا بد من التركيز عليها في تحقيق التنمية المستدامة، لأنه مجال يُحلل الكفاءة الداخلية للمتحف "المدخلات مقابل المخرجات"، وتأثيره على الاقتصاد الأوسع "من خلال خلق فرص عمل وتنشيط السياحة ومساهمات الناتج المحلي الإجمالي"، ومن هنا فافتتاح المتحف سيُسهم في تطوير هذه الاقتصاديات داخل الدولة المصرية، الأمر الذي يُحقق مكاسب كبيرة داخل الاقتصاد.
انعكاسات مستقبلية
يترتب على افتتاح المتحف المصري الكبير العديد من الانعكاسات الاقتصادية، التي تتمثل في الآتي:
(-) إنعاش قطاع السياحة: يُعد قطاع السياحة الرابح الأول من افتتاح المتحف المصري الكبير، فالدولة المصرية تضع خطة نحو جذب 30 مليون سائح سنويًا، خلال السنوات المُقبلة، وفي سبيل تحقيقها لذلك تعمل الدولة على تطوير عنصر الجذب السياحي للمتاحف والمناطق الأثرية، فمع افتتاح المتحف سيشهد قطاع السياحة طفرة كبيرة، خلال الفترة المقبلة.
وكما يوضح الشكل (1) ارتفعت إيرادات قطاع السياحة في مصر من 5.9 مليار دولار في عام 2013 إلى 14.4 مليار دولار عام 2024، أي ارتفعت بنسبة 144.07%، وفي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 فقط حقق هذا القطاع 12.5 مليار دولار، وهو الأمر الذي يُشير إلى أن قطاع السياحة في مصر يُعتمد عليه بشكل كبير في تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي، فهو يسهم بنحو 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي هذا النطاق يُمكن الاستنتاج أنه مع افتتاح المتحف المصري الكبير سترتفع إيرادات قطاع السياحة المصري بشكل كبير، فتوقعات مؤسسة فيتش تسير في هذا الاتجاه، إذ تتوقع أن يرتفع عدد السياح في مصر إلى 18.8 مليون سائح، عام 2028، كما تتوقع أن تقفز إيرادات السياحة إلى 17.4 مليار دولار في 2026، وإلى 19.8 مليار دولار أمريكي عام 2028.
وتأتي هذه التوقعات مدفوعة بارتفاع الطلب من الأسواق الأوروبية والأمريكية، وزيادة الاستثمارات في توسيع البنية التحتية للفنادق وطاقتها الاستيعابية، التي من المتوقع أن تصل نحو 1.8 ألف عقار بحلول عام 2028.
(-) تعزيز النشاط الاقتصادي المحلي: من المتوقع أن يُحدث المتحف المصري الكبير تأثير مُضاعف في الاقتصاد، بمعنى أن كل دولار ينفقه الزائر لا يقتصر فقط على تذكرة الدخول، بل يمتد إلى الإقامة والنقل والمطاعم والتسوق، الأمر الذي يُعزز الوظائف ويُحفز الصناعات المحلية، ومن ناحية أخرى سينشط الاستثمار العقاري في مصر حول المناطق الأثرية التي يتم تطويرها، الأمر الذي يوضح أن الوفورات الخارجية الإيجابية للمتحف المصري الكبير ستمس الاقتصاد المصري برمته.
(-) زيادة إيرادات الدولة: الإقبال الكبير المتوقع من السائحين الدوليين على المتاحف والمناطق الأثرية في مصر بعد افتتاح المتحف، سيؤدي إلى ارتفاع إيرادات الدولة من العملة الصعبة، إذ تذهب التقديرات إلى أن المتحف سيجذب نحو 5 ملايين سائح سنويًا، وبالتالي يُمكن تقدير الإيرادات وفق الجدول (1)، على افتراض أن مدة زيارة السائح ستكون 7 أيام، وبناءً على أن بيانات البنك المركزي المصري تُقدر متوسط إنفاق الزائر في مصر بنحو 93 دولارًا في النصف الأول من عام 2025.
وفي إطار أن سعر تذكرة دخول الأجانب للمتحف تُقدر بنحو 25 دولارًا، فإجمالي إيرادات تذاكر المتحف ستُقدر بنحو 125 مليون دولار، إضافة إلى إجمالي إيرادات إنفاق الإقامة والمعيشة، الذي يُقدر بنحو 3.26 مليار دولار، وبالتالي ستكون الإيرادات المتوقعة من المتحف نحو 3.38 مليار دولار سنويًا، الأمر الذي سينعكس على تحقيق فائض في ميزان المدفوعات المصري، ما يدعم الخزانة العامة للدولة والعملة المحلية.
(-) جذب الاستثمارات: يترتب على التدفق الكبير للسياح داخل الدولة، جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، إذ إن هذا التدفق يدل على وجود سوق قوية ومتنامية داخل الدولة، ما يُقلل المخاطر المتوقعة للمستثمرين المُحتملين، إذ إنه ينشأ عن التدفق المستمر للسياح طلبًا واضحًا على خدمات السياحة والضيافة، ما يُحفز المستثمرين على تمويل تطوير الفنادق والمطاعم والمعالم السياحية، ومن هنا فالتدفق السياحي الدولي يرتبط بصفقات رأس مال استثماري ضخم في القطاعات المرتبطة بالسياحة، مثل تكنولوجيا السفر.
(-) زيادة فرص العمل: يترتب على زيادة النشاط الاقتصادي من جراء افتتاح المتحف المصري الكبير، توليد العديد من فرص العمل في العديد من المجالات، فخدمة أعداد السياح المُتزايدة يحتاج إلى توظيف العديد من العمالة في مجال الإرشاد السياحي والأمن وتكنولوجيا المعلومات، كما أن الاستثمارات التي ستنجذب إلى الاقتصاد المصري ستحتاج إلى تعيين المزيد من العمالة، ما يُخفض من معدلات البطالة.
في النهاية يُمكن القول إن افتتاح المتحف المصري الكبير خطوة إستراتيجية نحو تعظيم العوائد الاقتصادية والثقافية في مصر، إذ لا يقتصر دوره على كونه صرحًا حضاريًا يُبرز عظمة التاريخ المصري، بل يُعد محفزًا قويًا للنشاط السياحي والاستثماري، فمن خلال جذب ملايين الزوار سنويًا، وتنشيط القطاعات المرتبطة بالسياحة مثل النقل والفنادق والخدمات، يسهم المتحف في زيادة إيرادات الدولة وخلق فرص عمل جديدة.
وفي ضوء ذلك يتضح أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع أثري، بل هو مشروع تنموي شامل يربط بين الماضي العريق والمستقبل الواعد للاقتصاد المصري.