قال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، إن المتحف المصري الكبير يُعد تعبيرًا حيًا عن تاريخ الحضارة المصرية القديمة، ووصفه بأنه أحد أروع الإنجازات في القرن الحادي والعشرين.
وأضاف "أفورقي" خلال لقاء خاص مع الإعلامي تامر حنفي، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن "المتحف المصري الكبير يُعد تحفة معمارية وثقافية عالمية، والأداء الفني في الافتتاح كان رائعًا على كل المستويات، واستمتع كل من حضر هذه الاحتفالية المبهرة، وأنا شخصيًا كنت مندهشًا من التنظيم والإبداع الذي شهدته، ولم أكن أتصور أن تُنفذ بهذا المستوى من الدقة والقدرات الفنية المذهلة".
وتوقع رئيس إريتريا أن تشهد مصر ترويجًا عالميًا واسعًا للمتحف، خلال الفترة المقبلة، بما يعكس رسالتها الحضارية للعالم، واصفًا ما رآه في الافتتاح بأنه "مفاجأة مبهجة" تبرز قدرات مصر الثقافية والفنية والتنظيمية.
العلاقات التاريخية بين مصر وإريتريا
وتطرق "أفورقي" إلى العلاقات التاريخية بين مصر وإريتريا، مشيرًا إلى أنها تقوم على أسس راسخة من التعاون والتفاهم، وتمتد جذورها لعقود طويلة، وأن المرحلة الراهنة تفرض مسؤوليات كبيرة على البلدين، في إطار المنطقة التي تضم حوض النيل والقرن الإفريقي والبحر الأحمر والخليج العربي.
وأوضح أن التعاون بين دول هذه المنطقة ضروري لتحقيق النمو والاستقرار، لافتًا إلى أن العلاقات بين مصر وإريتريا تُعد إستراتيجية وخاصة، وتهدف إلى التكامل من أجل مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.
وقال: "حساسية الموقع الجيوسياسي للقرن الإفريقي والبحر الأحمر تفرض على قادتنا مسؤوليات جسيمة تتجاوز التصورات التقليدية، ومهمتنا أكبر مما يتصوره الإنسان".
وعن طبيعة الأوضاع في القرن الإفريقي، أوضح "أفورقي" أن هذه المنطقة -التي تضم الصومال وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان وإريتريا وجيبوتي- ذات أهمية جيوسياسية بالغة منذ القدم.
وأشار إلى أن الصومال، رغم امتلاكه شاطئًا بطول 3300 كيلومتر في موقع إستراتيجي، يعاني من عدم الاستقرار، الذي يجعل مشكلاته تتجاوز الحدود المحلية. أما إثيوبيا فتعاني تحت وطأة الانقسامات العرقية التي تتحول إلى أزمات إقليمية، في حين ما زالت جنوب السودان تواجه تبعات الحروب الأهلية بعد انفصاله عن السودان، لافتًا إلى أن التدخلات الخارجية تزيد هذه الأزمات تعقيدًا.
وأكد الرئيس الإريتري أن دول المنطقة تسعى لتقليص أي تدخلات خارجية والعمل على حلول قائمة على الجهود المحلية، وكذلك أن الحلول يجب أن تنبع من الداخل، وأن دول المنطقة قادرة على معالجة قضاياها بنفسها إذا تُرك لها المجال ووضعت مناهج رشيدة لإدارة الخلافات دون انقسامات أو تبعية.
البحر الأحمر
وفيما يخص البحر الأحمر، أوضح الرئيس الإريتري أنه بوصفه ممرًا مائيًا دوليًا، يُمثل مصلحة للعالم كله، وليس فقط للمنطقة، مشددًا على أن دول المنطقة نفسها تتحمل المسؤولية الأولى لضمان سلامته، وأن حماية هذا الممر ليست خيارًا لأي حكومة منفردة، بل ضرورة تاريخية وإقليمية ودولية، ويجب على جميع الدول المطلة على البحر الأحمر المساهمة في تأمينه.
وأشار إلى أن التكامل بين هذه الدول يتطلب وضع آليات مشتركة لتعزيز التعاون، مؤكدًا قدرة الصومال على حماية شواطئه التي تمتد لـ3300 كلم، إضافة إلى قدرة إريتريا واليمن وجيبوتي والسودان على حماية سواحلهم، دون الاعتماد على القوات الأجنبية، وأن تعقيدات المنطقة تنبع من اللجوء إلى بدائل خارجية بدلًا من تعزيز الجهود المحلية.
وشدد "أفورقي" على أن السماح بوجود قواعد عسكرية في منطقة البحر الأحمر يمثل ذريعة لعدم الاستقرار، وأن شعوب المنطقة نفسها، وليس أي قوة خارجية، المسؤولة عن تأمين الملاحة في هذا الممر المائي الدولي الحيوي.
وأضاف أن إريتريا ليست لديها أي مشكلة في موقعها الجغرافي، وأن مياهها وشواطئها وأجواءها تُمثل مسؤولية الدولة السيادية، ونفس الأمر ينطبق على الصومال والسودان، مشددًا على أن التكامل والتعاون بين دول المنطقة ما يعزز دور كل بلد ويخلق المناخ الملائم لاستقرار المنطقة وتأمين الممر المائي الدولي.
وأكد "أفورقي" أن أهمية البحر الأحمر الجيوسياسية لا تُبرر أي تدخلات خارجية، وأن الاستعمار مرفوض، مشيرًا إلى أن هذه الرؤية الإريترية تتطابق تمامًا مع رؤية مصر، إذ إن الآراء المتقاربة بين الدول ليست خيار حكومات أو رؤساء أو أحزاب سياسية، بل تعكس مصالح شعوب المنطقة مضيفًا أن كل حكومة يجب أن تمتلك تصورًا واضحًا لقدراتها على حماية هذا المبدأ الأساسي والمساهمة في تعزيز التعاون الإقليمي.
أزمة السودان
وانتقل "أفورقي" للحديث عن الأزمة السودانية، معتبرًا أن ما يحدث في مدينة الفاشر ليس جوهر المشكلة، بل إن السودان بأكمله مستهدف من قوى إقليمية ودولية تعمل على تعقيد وضعه الإستراتيجي. وأكد أن على دول المنطقة واجبًا في دعم الشعب السوداني للتخلص من التدخلات الخارجية والبدء في إعادة بناء الدولة، مشيرًا إلى أن استقرار السودان شرط أساسي لاستقرار البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
وأضاف أن التدخلات الخارجية، سواء الإقليمية أو الدولية، تسعى إلى فرض نفوذها على حساب سيادة الدول، وأن الموقف الإريتري من الأزمة السودانية ليس خيارًا سياسيًا بل ضرورة واقعية، داعيًا إلى إخراج أيادي التدخل الخارجي أولًا قبل التوجه إلى حلول حقيقية.
وأشار "أفورقي" إلى أن وعي الشعب السوداني أصبح أعلى وأقوى، وأن دول المنطقة بدأت تدرك خطورة استمرار الأوضاع الحالية، ما يعزز التوجه نحو التكامل والعمل الإقليمي المشترك لمعالجة الأزمات.
وفي ختام حديثه، انتقد الرئيس الإريتري أداء الاتحاد الإفريقي، قائلًا إنه أخفق في أداء دوره خلال العقود الماضية، رغم تأسيسه قبل 60 عامًا بهدف توحيد الجهود الإفريقية بعد الاستعمار، وإن الاتحاد فشل في تحقيق مصالح الشعوب، بسبب مزيج من الإخفاقات المحلية والتدخلات الخارجية.