الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الموتى جيران الأحياء.. المقابر ملاذات غير آمنة للفلسطينيين في غزة

  • مشاركة :
post-title
العائلات الفلسطينية تتخذ من المقابر ملاذًا للنجاة في غزة

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تحولت المقابر في قطاع غزة إلى مساكن للأحياء بعد أن فقدوا كل شيء، إذ باتت شواهد القبور مقاعد وطاولات، والرمال المحيطة بها ملاعب للأطفال نهارًا ومصدر رعب ليلًا، في مشهد يختصر عمق المأساة الإنسانية، التي يعيشها النازحون الفلسطينيون.

ملجأ اضطراري

في مقبرة مدينة خان يونس جنوب القطاع، تقيم نحو 30 عائلة فلسطينية بينهم ميسا بريكة، التي تعيش مع أطفالها منذ 5 أشهر تحت لفح الشمس وبين القبور المغبرة، كما أفادت صحيفة واشنطن بوست.

تنتشر الخيام بين المدافن، وتتدلى سجادة الصلاة على حبل غسيل، بينما يدفع طفل عربة مياه بين القبور، ويتصاعد الدخان من نار الطهي، في مشهد يمزج الحياة بالموت بطريقة لم يتخيلها أحد.

وتجاور بريكة وعائلتها قبر أحمد أبو سعيد، الذي توفي عام 1991 عن عمر 18 عامًا، حسب النقش على قبره الذي يبدأ بآيات من القرآن.

وتقول بريكة إن منزل أسرتها في خان يونس دُمر بالكامل، والقوات الإسرائيلية تحتل حيهم، ما يجعل العودة مستحيلة، فلم يكن أمامهم سوى هذا المكان رغم ما يحمله من شعور بعدم الراحة وانعدام الاحترام للموتى.

الخوف من الظلام

تتحول الحياة في المقابر إلى كابوس مع غروب الشمس، إذ تروي بريكة أن أطفالها الأربعة الصغار يرفضون الخروج من الخيمة ليلًا، خوفًا من الكلاب الضالة والقبور المحيطة بهم.

ويشاركها محمد شمة، الذي يعيش في المقبرة منذ 3 أشهر بعد تدمير منزله، نفس المعاناة قائلًا: "أنا بالغ، لكنني ما زلت أخاف من القبور ليلًا وأختبئ في خيمتي".

أما حنان شمة، زوجة محمد، فتصف حياتهم بأنها "مليئة بالخوف والرهبة والقلق، ولا نستطيع النوم بالإضافة إلى التوتر المستمر".

وبينما تغسل الأطباق بعناية في وعاء صغير بحجم صينية الفطيرة مُحافظة على كل قطرة ماء ثمينة، تؤكد أن عدم توفر المال لإيجاد مأوى آخر السبب الرئيسي لبقاء العائلات محاصرة بين القبور.

نزوح جماعي

أجبرت الحرب التي استمرت عامين بين حماس وإسرائيل غالبية سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة على النزوح.

ومع بدء وقف إطلاق النار، 10 أكتوبر الماضي، برعاية مصرية قطرية أمريكية، عاد البعض إلى ما تبقى من منازلهم المدمرة، بينما لا يزال آخرون محشورين في شريط ضيق من الأراضي التي لا تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن سكان هذه المقابر ليسوا جميعًا من خان يونس، فبعضهم نزح من شمال غزة ويعيشون بعيدًا عن الأرض التي دُفن فيها أحباؤهم.

يتذكر محمد شمة أنه لم يكن معه سوى 200 شيكل "نحو 60 دولارًا" عندما ساعده صديق على إحضار عائلته إلى المقبرة، جالسًا على شاهد قبر محطم ومحدقًا تحت أشعة الشمس الحارقة.

لا أمان حتى بين الأموات

لا توفر المقابر أي ضمان للحماية رغم قدسيتها، إذ قصفت القوات الإسرائيلية مقابر خلال الحرب، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومراقبين دوليين، بينما اتهمت إسرائيل حماس باستخدام بعض المقابر كغطاء عسكري، متعللة أن هذه المواقع تفقد حمايتها القانونية عند استخدامها لأغراض عسكرية.

خلال الحرب، دُفنت الجثث في أي مكان ممكن بما في ذلك ساحات المستشفيات، ما يخالف العادات الفلسطينية التي تقضي بدفن أفراد العائلة بالقرب من أحبائهم، لكن القتال عطل ذلك تمامًا.

ومع بدء وقف إطلاق النار، بدأ البحث المحموم عن الموتى والشهداء، إذ تضغط إسرائيل على حماس لتسليم رفات المحتجزين، بينما ينشر مسؤولو الصحة الفلسطينيون صورًا مروعة لجثث أعادتها إسرائيل أملًا في التعرف عليها، فيما يبحث آخرون تحت أنقاض غزة الواسعة عن جثث لم يتمكنوا من انتشالها طوال أشهر القتال.

أرقام مفزعة وأمل معدوم

بلغ عدد الشهداء في غزة أكثر من 68.800 شخص، وارتفع هذا الرقم بمئات الضحايا منذ بدء وقف إطلاق النار فقط، بسبب استخراج الجثث من تحت الأنقاض.

وتشهد العائلات المقيمة في مقبرة خان يونس وصول شهداء جدد يُدفنون غالبًا ليس تحت شواهد رخامية بل تحت الرمال، مع وضع أحجار لتحديد مواقعهم.

ويختم محمد شمة حديثه بمرارة عميقة: "بعد وقف إطلاق النار، حياتي كما هي داخل المقبرة، أي أنني لم أكسب شيئًا"، فالتعافي وإعادة الإعمار والعودة إلى الحياة الطبيعية، كلها تبدو أحلامًا صعبة لعائلات محاصرة بين عالم الأحياء وعالم الأموات، في انتظار مستقبل مجهول.