لم يعد التاريخ في المتاحف المصرية صامتًا، ولم تعد الآثار مجرد شواهد من حجر تنتظر من يقرأ نقوشها، بل أصبحت تتحدث وتتحرك وتروي حكاياتها بنفسها، واليوم 1 نوفمبر 2025 مع افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا أمام العالم، تدخل مصر عصرًا جديدًا من عرض تراثها، إذ تتحد التكنولوجيا مع الآثار في مشهد غير مسبوق، يضع الحضارة المصرية القديمة في قلب الثورة الرقمية.
إنه لقاء بين ذكاء المصريين القدماء وذكاء العصر الحديث، بين ما نُقِش على جدران المعابد قبل آلاف السنين، وما يبرمج اليوم على الشاشات الرقمية، لتصبح الزيارة تجربة حسية تجمع بين الدهشة والمعرفة، وبين الماضي والمستقبل.
حين تتحدث التماثيل بلغات العالم
في تجربة تفاعلية تعيد تعريف مفهوم المتحف، يقف الزائر أمام تمثال في البهو العظيم، وفجأة يُسمَع صوته، فبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان التماثيل أن تحكي قصصها بلغات متعددة، فيتحدث كل تمثال عن نفسه وعن زمنه وعن الفن الذي صنعه وعن الملوك الذين حكموا في عهده.
تحلل الأنظمة الرقمية شكل القطعة الأثرية ونقوشها، وتستنتج منها سردًا صوتيًا مخصصًا يناسب كل فئة عمرية، وكأن الحجر يستعيد ذاكرته بعد آلاف السنين من الصمت.
رحلة تاريخية بالواقع المعزز
لم يعد المشهد الأثري حكرًا على القاعات الزجاجية، فبفضل الواقع المعزز يمكن للزائر أن يعيش الحدث نفسه، من خلال هاتفه أو نظاراته الذكية، يرى مشهد بناء الأهرامات وكأنه يحدث أمامه الآن، يشاهد الملك توت عنخ آمون وهو يتفقد معبده، أو الكهنة وهم يؤدون طقوس التحنيط وسط الأضواء والرموز.
ولأن التقنية تخاطب كل الأعمار، فأصبحت جسرًا رائعًا بين الأطفال والتاريخ، تفتح لهم أبواب المعرفة عبر اللعب والاكتشاف، وتجعل من زيارة المتحف تجربة ممتعة لا تنسى.
عودة الملوك
لم تعد رؤية الملك رمسيس الثاني أو الملك توت عنخ آمون حلمًا من الماضي، بل حقيقة رقمية يعيشها الزوار في المتحف المصرى الكبير، بواسطة تقنية الهولوجرام، تعرض مشاهد ثلاثية الأبعاد تجسد ملوك مصر وكهنتها في طقوسهم القديمة بدقة مذهلة، اعتمادًا على بيانات أثرية حقيقية ونقوش أصلية.
إنها ليست مجرد استعراض بصري، بل عودة رمزية للملوك في صورة ضوء، تتيح للزائر أن يشاهد الماضي كما لو كان يحدث الآن، دون أن يمس بقدسيته أو هيبته.
التكنولوجيا... لغة جديدة للحضارة المصرية القديمة
في زمن تتنافس فيه الشاشات على خطف انتباه الأجيال، جاءت تلك التجارب التفاعلية لتعيد رابط الشباب بتاريخهم، وتمنح المتاحف روحًا جديدة، فلم تعد التكنولوجيا ترفًا أو عنصرًا تجميليًا، بل أصبحت وسيلة بقاء للذاكرة الثقافية، وأداة تعليمية تسهّل الفهم وتثري التجربة.
كما يرى بعض الأثريين، فإن هذه الوسائل الحديثة لا تخدم العرض فقط، بل تحمي القطع الأثرية أيضًا بتقليل اللمس المباشر والزحام، ما يضمن الحفاظ عليها للأجيال القادمة.