حذَّر خبراء من أن توجيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستئناف التجارب النووية، ينذر بمخاطر بيئية وصحية جمة، وفق ما نقلت عنهم شبكة "إيه بي سي" الإخبارية الأمريكية.
وأمر ترامب، الأربعاء الماضي، وزارة الحرب (البنتاجون) باستئناف التجارب النووية، ما ترك الخبراء يتساءلون عمَّا قد يستلزمه هذا الاختبار، وكيف سيتم تنفيذه.
وفي منشور على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، كتب ترامب: "بسبب برامج الاختبار التي تجريها دول أخرى، أصدرت تعليماتي لوزارة الحرب بالبدء في اختبار أسلحتنا النووية على قدم المساواة، وستبدأ هذه العملية على الفور".
وأمس الجمعة، عندما سُئل ترامب عن خطته لاستئناف التجارب النووية، قال للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: "ستعرفون قريبًا جدًا، لكننا سنجري بعض الاختبارات، نعم.. دول أخرى تفعل ذلك.. إذا كانوا سيفعلون ذلك، فسنفعله".
عواقب وخيمة
يقول الخبراء إنه من غير الواضح نوع الاختبارات التي يشير إليها ترامب. وصرحت تارا دروزدينكو، مديرة برنامج الأمن العالمي في اتحاد العلماء المعنيين، لشبكة "إيه بي سي نيوز": "ربما يفكر في تجارب الصواريخ، وهو ما تجريه الولايات المتحدة بانتظام.. إذا كان يشير إلى تجارب نووية تفجيرية، فهذا أمر أكثر إثارة للقلق".
قالت دروزدينكو، إن استئناف التجارب النووية سيكون بمثابة "بيان سياسي ذي عواقب وخيمة"، وترى أنه قد يحفز قوى نووية أخرى، مثل روسيا والصين، على استئناف برامجها الخاصة بالتجارب النووية.
وحاليًا، كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي لا تلتزم بتجميد التجارب النووية.
وإذا استأنفت الولايات المتحدة تجاربها النووية، فليس من الواضح كيف سيكون شكلها.
أكثر من 1000 تجربة نووية
ووفقًا للأمم المتحدة، أجرت الولايات المتحدة أكثر من ألف تجربة نووية بين عامي 1945 و1992، عندما أعلن الرئيس جورج بوش الأب وقفًا من جانب واحد لتجارب الأسلحة النووية، وأُجريت هذه التجارب في بيئات مختلفة، بما في ذلك الغلاف الجوي، وتحت الأرض وتحت الماء.
قال نورمان كليمان، الأستاذ المشارك في علوم الصحة البيئية بجامعة كولومبيا، إن التجارب النووية قد تتراوح بين غير المشعة، المعروفة بـ"دون الحرجة"، والإشعاعية للغاية، مضيفًا أن المخاوف بشأن تأثير التجارب النووية التفجيرية على الصحة والبيئة لعبت دورًا -ولو جزئيًا- في إنهائها.
أضاف كيلمان: "لا أظنه يتحدث عن تجارب فوق الأرض. سيكون هذا ضربًا من الجنون.. أعتقد أن النهج الأكثر واقعية -إن كان هذا حقيقيًا- هو إجراء تجارب غير قابلة للانفجار أو الانشطار".
عند وقوع انفجار نووي، تنتشر الجسيمات التي تحتوي على مواد مشعة على مساحة واسعة، ربما لأميال، ثم تلامس هذه الجسيمات المشعة البشر والحيوانات والبيئة، وقال كليمان: "إنه اعتمادًا على الاختبار، يمكن أن تقتصر التأثيرات على منطقة صغيرة أو أن يكون لها تأثيرات إقليمية أوسع".
حال تعرض الناس لمخلفات إشعاعية ناتجة عن تجربة نووية، فإنهم معرضون لخطر الإصابة بأمراض خطيرة على المدى القصير، ويزداد احتمال إصابتهم بالسرطان لاحقًا.
أضرار بالحمض النووي البشري
ويقول كليمان إن الإشعاع يلحق الضرر بالحمض النووي البشري، ويسبب طفرات مرتبطة بتطور السرطان.
أوضح كليمان: "لذا فإن الخطر الأكبر للإشعاع هو على الجنين من حيث الحجم، والخطر على الجنين أكبر بكثير من أي خطر آخر، لأن لديك العديد من الخلايا التي تتطور وتنقسم، والأمور يمكن أن تسوء بسرعة كبيرة".
هناك أيضًا احتمال لتأثير بيئي طويل المدى، ووفقًا لدراسة أُجريت عام 2014، كان للتجارب النووية في النصف الثاني من القرن العشرين "عواقب بيئية واجتماعية وخيمة"، إذ وجد معد الدراسة أدلة على التلوث الإشعاعي طويل الأمد للأرض والهواء والماء في جميع أنحاء الكوكب، مع وجود بؤر تلوث ساخنة في مواقع الاختبار الرئيسية.
في حين أنه من غير المرجح أن تستأنف الولايات المتحدة التجارب الجوية، إلا أن التجارب السابقة كانت مسؤولة عن انتشار الغبار المشع، ووفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، فإن "تفجير الأسلحة النووية فوق الأرض يرسل مواد مشعة إلى ارتفاع يصل إلى 80 كيلومترًا في الغلاف الجوي، وتسقط الجسيمات الكبيرة على الأرض بالقرب من موقع الانفجار، بينما تنتقل الجسيمات والغازات الأخف إلى الغلاف الجوي العلوي".
تقول الوكالة إن الجسيمات المشعَّة يمكن أن تنجرف إلى الغلاف الجوي وتسقط عائدة إلى الأرض على شكل غبار نووي، ووفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية: "يمكن للجسيمات الأعلى ارتفاعًا أن تدور حول العالم لسنوات حتى تسقط تدريجيًا على الأرض، أو تعود إلى السطح بفعل الأمطار".
كارثة إشعاعية
تقول الأمم المتحدة إن التجارب الجوية كانت مسؤولة عن كارثة إشعاعية في جزر مارشال عام 1954، فبعد اختبار قنبلة هيدروجينية في جزيرة بيكيني أتول، وصلت جزيئات مشعة إلى جزر مأهولة وقارب صيد وأفراد من الجيش الأمريكي، ولا تزال بعض جزر مارشال مشعة حتى يومنا هذا.
الاختبار تحت الماء هو عملية انفجار تحت الماء، وفي هذا النوع من الاختبارات يمكن للانفجار أن يشتت الماء والبخار المشعين، ما يلوث الحياة البحرية والسفن القريبة.
قال كليمان: "لنبدأ بأسوأ السيناريوهات.. إنه يجري بالفعل تجارب تحت الأرض.. ماذا سيحدث لو تم تفجير قنبلة نووية في أحد هذه الأنفاق؟ ستخلف نواتج تحلل إشعاعي، ما قد يلوث البيئة".
تتضمن التجارب تحت الأرض انفجارًا يحدث تحت سطح الأرض، ويمكن أن يكون هذا النوع من التجارب أكثر أمانًا إذا تم احتواء الانفجار، لكن الأمم المتحدة تحذِّر من أنه إذا انبعثت التجارب النووية تحت الأرض إلى السطح، فقد تنتج حطامًا إشعاعيًا كبيرًا.
وأضاف كليمان: "التجارب تحت الأرض أفضل من التجارب فوقها، لكنها لا تزال غير جيدة.. هناك طرق أخرى لاختبار الأسلحة النووية.. يمكن اختبار المكون المشع للسلاح النووي دون تفجيره فعليًا".
العالم لا يزال يتعافى
تقول دروزدينكو إن الاختبارات التفجيرية تحت الأرض قد تؤدي إلى "خروقات كارثية" قد تضر بعمال الموقع، مضيفة: "حتى التسريبات الصغيرة قد تلوث المياه الجوفية والنظم البيئية، ما قد يشكِّل تعرضًا طويل الأمد ومخاطر صحية".
وأشارت إلى أن "العالم لا يزال يتعافى من التجارب النووية التي أُجريت في حقبة الحرب الباردة، وتأثيرها على العاملين في البرامج النووية، وعلى من يعيشون بالقرب من مواقع التجارب النووية".
وقالت إن "استئناف الاختبارات التفجيرية سيكون بمثابة صفعة على وجه المجتمعات المتضررة من التجارب النووية الجوية التي أُجريت في حقبة الحرب الباردة، والتي لا يزال الكثير منها ينتظر تعويضات من الولايات المتحدة".