الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رغم انتهاء الحرب.. إسرائيل تواجه انهيارا داخليا ورفضا أمريكيا

  • مشاركة :
post-title
تظاهرات في شوارع إسرائيل ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

مع إعلان التوصل لاتفاق بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس لإنهاء حرب غزة وإعادة المحتجزين بعد عامين من القتال، يواجه المجتمع الإسرائيلي ثلاثة تحديات جوهرية ستُعيد تشكيل مستقبله بطرق أعمق من تأثير الحرب ذاتها، وفقًا لتحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

تشهد إسرائيل أزمة ثقة غير مسبوقة بين المواطنين والقيادة السياسية، إذ ذكرت المجلة أن حكومة بنيامين نتنياهو، التي كانت في السلطة منذ أكثر من تسعة أشهر قبل أحداث 7 أكتوبر 2023، تسجل أدنى مستويات الشعبية في تاريخ إسرائيل، كما يحمّل معظم الإسرائيليين الحكومة مسؤولية الفشل في منع الهجوم الذي أسفر عن اختطاف أكثر من 250 آخرين.

واستغل نتنياهو وجود المحتجزين في غزة كذريعة لتأجيل أي محاسبة أو انتخابات، رغم خروج مئات الآلاف للتظاهر قبل وبعد أكتوبر 2023، إلا أنه مع تنفيذ الاتفاق، تتوقع المجلة أن تنهار هذه الحجة، وأن يطالب الإسرائيليون باستقالة الحكومة، خاصة مع احتمال انسحاب أعضاء الائتلاف اليميني المتطرف الذين يرون الاتفاق استسلامًا لحماس.

كما أبرز التحليل أن فشل الحكومة في أداء وظائفها الأساسية بعد الهجوم دفع المجتمع المدني لملء الفراغ عبر إعادة بناء المجتمعات وتأمين الملاجئ وتقديم المساعدات الطارئة وتنظيم جهود دبلوماسية مدنية لعائلات المحتجزين.

ويشير التحليل إلى أن الحكومة المقبلة ستواجه مهمة شاقة في استعادة الثقة وإدارة ملفات غزة وإصلاح العلاقات المتدهورة مع الدول الأوروبية والعربية، إضافة لمواجهة هجمات اليمين الإسرائيلي باتهامها بالاستسلام للإرهاب.

العلاقة مع الفلسطينيين

يُمثل التعامل مع الفلسطينيين معضلة معقدة، إذ أوضحت المجلة أن الاستطلاعات الإسرائيلية تظهر أن المواقف تجاه الفلسطينيين بلغت أدنى مستوياتها بدافع عداء غير مسبوق.

وعلى النقيض، تدعو خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -المكونة من 20 نقطة- إسرائيل للتعاون مع الفلسطينيين في إدارة غزة ما بعد الحرب، وتطوير "مسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة"، مع التزام واشنطن بعقد محادثات لأفق سياسي للسلام، أي استئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

كما ستضطر إسرائيل للدخول في مرحلة جديدة مع الفلسطينيين وسط انعدام ثقة وغضب شديد، حسب التحليل.

وستكون هناك إدارة فلسطينية جديدة في غزة، إضافة للسلطة الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية، وملايين الفلسطينيين الذين يريدون استئناف حياتهم، ما يتطلب تفاعلًا يوميًا مع الإسرائيليين وحكومتهم.

وحذّرت المجلة من أن تقديم أي أفق سياسي لدولة فلسطينية سيُنظر إليه داخليًا كمكافأة على أحداث أكتوبر، ما يخلق معارضة سياسية محلية هائلة.

وفي المقابل، إذا رفضت إسرائيل العمل مع أي كيان فلسطيني واستمرت بتجريد الفلسطينيين من أراضيهم في الضفة، فستواجه بيئة دولية معادية متزايدة تشمل حظر أسلحة ومقاطعة تجارية ومضايقة السياح الإسرائيليين في الخارج، ما يقود لاقتصاد منعزل كما تحدث عنه نتنياهو أخيرًا.

تحوّل جذري

كشفت المجلة عن تحوّل في علاقة الأمريكيين بإسرائيل خلال حرب غزة، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الناخبين الأمريكيين يعارضون الآن الدعم العسكري لإسرائيل، فيما يتعاطف عدد أكبر مع الفلسطينيين ويعتقدون أن إسرائيل تقتل المدنيين عمدًا.

وبين الديمقراطيين، أصبحت الدعوة لفرض قيود على المساعدات الأمنية لإسرائيل موقفًا سائدًا، بينما أصوات مؤثرة في تيار "ماجا" مثل تاكر كارلسون وستيف بانون وكانديس أوينز يصفون إسرائيل بمصطلحات قاتمة كاستنزاف للموارد الأمريكية.

وبينما كان المسؤولون الإسرائيليون يعتقدون خلال الحرب أن تدهور صورتهم في أمريكا مجرد انطباع مؤقت نتيجة تغطية إعلامية سلبية، وأن الأوضاع ستعود لطبيعتها بعد توقف القتال، يشير التحليل إلى أن هذا التفكير خاطئ، إذ إن القناعات السلبية التي تكونت لدى ملايين الأمريكيين على مدار عامين من الحرب أصبحت راسخة ولن تختفي بمجرد إسكات المدافع.

كما ستحتاج إسرائيل لطرق جديدة لشرح واقعها للأمريكيين، وحجج حول أهميتها كحليف، وإستراتيجيات جديدة للعمل في عالم لم يعد فيه الدعم الأمريكي تلقائيًا أو كاملًا، وفقًا للمجلة.

قد تنجح إسرائيل في إقناع بعض المشككين الأمريكيين بأهميتها الإستراتيجية من خلال حجتين، أولهما أن تحسين علاقاتها مع دول المنطقة سيخفف العبء العسكري على واشنطن ويسمح بتقليص انتشارها في الشرق الأوسط، وهو ما تريده إدارة دونالد ترامب، والثانية تقديم نفسها كحليف أساسي في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي، بنفس الطريقة التي كانت روسيا تُمثل بها التهديد الرئيسي خلال الحرب الباردة.

المجلة حذّرت من صعوبة إقناع المشككين بشأن القيم الديمقراطية والمشاركة في النظام القائم على القواعد، وسط اتهامات بالإبادة الجماعية ومذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة إسرائيليين، ومساعي اليمين الإسرائيلي المستمرة لضم الضفة والترحيل.

كما خلصت المجلة إلى أن الإسرائيليين سيقضون الأيام والأسابيع المقبلة منشغلين بعودة المحتجزين من غزة وحداد على من لن يعودوا أحياء، لكن سيتعين عليهم سريعًا الالتفات للتحديات الجديدة وتوجيه بلدهم في اتجاهات جديدة للتعامل مع التيارات الهائلة، التي أطلقتها أحداث أكتوبر 2023.