أثارت الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة أمس الأحد قلقًا واسعًا في الأوساط السياسية الأمريكية، إذ اعتبرت وسائل إعلام بارزة أن ما يجري يعد "أخطر تصعيد" بين إسرائيل وحماس منذ دخول اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، وسط مساعٍ حثيثة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، للحفاظ على الاتفاق الذي تعتبره أحد أبرز إنجازاتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
بعد أيام قليلة من التوقيع على وثيقة السلام، عمدت إسرائيل إلى خرق وقف إطلاق النار، إذ شنّت غارات جوية جنوب قطاع غزة، بزعم أن قواتها تحركت بعد استهداف جنودها بصواريخ مضادة للدبابات ونيران من عناصر حماس، التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 30 فلسطينيًا، وقررت تل أبيب أيضًا إغلاق جميع المعابر المؤدية إلى غزة ووقف إيصال المساعدات الإنسانية.
أخطر تصعيد منذ الهدنة
وقال موقع "أكسيوس" الأمريكي، إن الاشتباكات الأخيرة تُعد "أخطر تصعيد منذ بدء الهدنة"، مشيرًا إلى أن إدارة ترامب "تسعى جاهدة لمنع انهيار الاتفاق".
ونقل الموقع عن مسؤول كبير في الإدارة قوله: "كنا نعلم أن هذا الأمر كان يلوح في الأفق، وكلما سمح للطرفين بمهاجمة بعضهما البعض لفترة أطول، زادت احتمالات توسع القتال".
وبحسب الموقع، فأبلغت إسرائيل، واشنطن مسبقًا بنيتها شن ضربات عبر مركز القيادة الأمريكي المشرف على وقف إطلاق النار. كما أجرى مبعوثا ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، اتصالات مكثفة مع وزير الأمن الإسرائيلي رون ديرمر ومسؤولين آخرين، لمناقشة الخطوات التالية وضمان التنسيق بين الجانبين.
ونقل "أكسيوس" عن مسؤول أمريكي قوله، إن واشنطن حثت إسرائيل على الرد "بشكل متناسب ولكن بضبط النفس"، مؤكدة أن الأولوية يجب أن تكون لعزل حركة حماس بسبب انتهاكاتها، مع الدفع نحو إيجاد بديل سياسي لها في غزة بدلًا من استئناف الحرب.
وأضاف التقرير أن البيت الأبيض يرى في اتفاق إنهاء الحرب بغزة إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا للرئيس ترامب، إلا أن الإدارة تعتبر الوضع "هشًا للغاية" ويحتاج إلى "رقابة صارمة لضمان استمرار السلام الهش".
وأكد مسؤولون أمريكيون أن إدارة ترامب ستعزز إشرافها المباشر على تنفيذ الاتفاق، معتبرًا أحدهم أن "الأيام الـ30 المقبلة ستكون حاسمة"، مضيفًا: "نحن مسؤولون عما يجري في غزة، وسنكون من يحدد القرارات".
وأشار الموقع إلى أن نائب الرئيس جيه دي فانس، بجانب ويتكوف وكوشنر، سيزورون إسرائيل هذا الأسبوع، لدفع تنفيذ المرحلة التالية من الاتفاق، التي تركز على تثبيت وقف إطلاق النار، واستمرار إعادة جثامين المحتجزين، وتنظيم إيصال المساعدات الإنسانية ومنع وصولها إلى حماس، فضلًا عن إنشاء قوة استقرار دولية لحفظ الأمن في غزة.
وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى لأكسيوس: "الآن يبدأ العمل الحقيقي"، موضحًا أن التحدي يكمن في إعادة إعمار غزة المدمرة وتشغيل المرافق الأساسية، مع ضمان ألا تستغل مواد البناء في "أنفاق حماس"، على حد تعبيره.
نجحنا في اجتياز أول اختبار
أما شبكة "سي إن إن"، فترى أن وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة "نجح في اجتياز أول اختبار رئيسي له"، بعدما أكدت إسرائيل وحماس التزامهما بالاتفاق عقب مقتل جنديين إسرائيليين في غزة، أمس الأحد، تلاه رد جوي إسرائيلي واسع أسفر عن استشهاد أكثر من 30 فلسطينيًا.
وأضافت الشبكة الأمريكية أن الالتزام المتجدد بوقف النار يتزامن مع وصول ويتكوف وكوشنر إلى المنطقة، في وقت تتحرك فيه إدارة ترامب نحو تنفيذ المرحلة التالية من الاتفاق، فيما يستعد نائب الرئيس فانس لقيادة وفد أمريكي رفيع إلى إسرائيل.
فيما يسعى مبعوثا ترامب إلى بدء مناقشة المرحلة الثانية من اتفاق غزة التي طرحها ترامب الشهر الماضي.
بينما لا تزال إسرائيل تطالب حماس بتسليم جثث المحتجزين المتبقين الـ16 وفق ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية.
ونقلت "سي إن إن" عن مسؤول أمريكي قوله، إن الإدارة "تركز على تنفيذ اتفاق السلام وتعمل مع الشركاء لتحقيق ذلك"، رافضًا الكشف عن تفاصيل المحادثات الدبلوماسية الجارية.
كما أكد مسؤول إسرائيلي للشبكة الأمريكية، أن تسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة سيستمر رغم الحوادث الأخيرة، مشيرًا إلى أن قرار استئنافها "بعد ساعات فقط من إعلان وقف النار" دليل على أن العمليات لم تتأثر.
وتتوقع "سي إن إن" أن تكون الأيام المقبلة اختبارًا حقيقيًا لقدرة واشنطن على الحفاظ على التوازن بين دعم إسرائيل وضمان استقرار غزة، في ظل التحديات الأمنية والإنسانية المتصاعدة.