الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تؤسس قمة شرم الشيخ لاستئناف مسار السلام الإقليمي؟

  • مشاركة :
post-title
قمة شرم الشيخ للسلام

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

شهدت شرم الشيخ فعاليات قمة السلام في 13 أكتوبر 2025 بمشاركة قادة وممثلي 31 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، إلى جانب الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والأمريكي دونالد ترامب اللذين ترأسا أعمال القمة. كما شهدت القمة حضور رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو.

ويعكس الزخم الدولي المصاحب للقمة والإعلان عن اتفاق وقف الحرب، بالتزامن مع تبادل المحتجزين والأسرى بين فصائل المقاومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، حرص الوسطاء على تحصين اتفاق وقف الحرب بإرادة دولية واسعة من أجل استئناف مسار السلام العادل والدائم، الذي عبّر عنه "إعلان نيويورك" في ختام مؤتمر حل الدولتين، وتأييد الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل قوى رئيسية في أوروبا والغرب.

وتأسيسًا على ما سبق، يتناول التحليل التالي قراءة في أبعاد الحضور الدولي الواسع في قمة شرم الشيخ للسلام وتداعياته على استحقاقات إعادة إعمار غزة وإطلاق مرحلة جديدة من عملية السلام.

أبعاد محورية

عكس مستوى الحضور اهتمامًا بالغًا بإنهاء المعاناة الإنسانية في قطاع غزة. وإلى جانب مصر والولايات المتحدة والأمينين العامين للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ورئيس المجلس الأوروبي، شاركت 28 دولة في وقائع المؤتمر، من بينها 24 دولة على مستوى القادة، الذين تنوعوا بين الملوك والرؤساء ونوابهم ورؤساء الوزراء، بينما اقتصر مستوى التمثيل على وفود وزارية من ثلاث دول هي: المملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، والهند، فيما شاركت اليابان ممثلة بسفيرها لدى القاهرة. كما حضر القمة رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم.

(*) تثبيت وقف الحرب:

يمثل الحضور الدولي الواسع والمتنوع محاولة جادة من مصر والولايات المتحدة لتعزيز شرعية الاتفاق، في ضوء التزام الأطراف الوسيطة والضامنة بإنهاء الحرب ومنع أي عودة للقتال مرة أخرى في المرحلة الراهنة، واستعادة الهدوء المستدام في المنطقة.

وعلى رأس تلك الضمانات الانسحاب الإسرائيلي ووقف الحرب ونشر قوات دولية مدعومة أمميًا وأمريكيًا في غزة، إلى جانب دعم جهود استعادة الأمن في القطاع من خلال نشر قوات شرطة فلسطينية تعمل مصر والأردن على تدريبها تمهيدًا لنشرها، وهو ما أشار إليه الرئيس المصري خلال لقائه بعدد من قادة الدول الخليجية والغربية قبيل انطلاق القمة، بضرورة مساهمة الدول الأوروبية في تثبيت الاتفاق من خلال تشجيع أطراف الأزمة على الالتزام به ودعم جهود مصر والأردن لمواصلة تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية وتوسيع نطاق التدريب تمهيدًا لنشرهم في القطاع. كما يمثل ضمان النفاذ الآمن والكامل والمستدام للمساعدات الإنسانية إلى غزة عبر مختلف المعابر والنقاط الحدودية، والعمل على استعادة الحياة وإزالة الركام، أولوية رئيسية للوسطاء.

(*) التأسيس لمرحلة ما بعد الحرب:

ترسخ القاهرة بقمة شرم الشيخ للسلام حضورها في مشهد اليوم التالي للحرب، من خلال تعزيز الانخراط الدولي في حلحلة التعقيدات الأمنية والاقتصادية والسياسية لاتفاق غزة. إن بناء دينامية متعددة الأطراف لمرحلة ما بعد الحرب يعمل على جسر الهوة بين مخاوف غياب الشرعية عن أي ترتيب أمريكي أو غربي مدعوم إسرائيليًا قد ينتقص من الحقوق الفلسطينية من جانب، والتأسيس لمرحلة جديدة تلبي تطلعات الدول العربية والإسلامية بدعم أمريكي مع ضمان ألا تتحمل الأخيرة أعباءً عسكرية ومالية بصورة منفردة من جانب آخر.

وعلى الرغم مما تتضمنه الوثيقة الموقعة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، من مبادئ عامة لمواجهة التطرف والإرهاب في المنطقة وتحقيق السلام والازدهار للجميع ونبذ الممارسات العنصرية، إلا أن قمة شرم الشيخ أسست لعملية شاملة من الاستحقاقات الإنسانية والاقتصادية والأمنية، التي تنتهي بعودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع، في إطار ما تضمنته خطة ترامب للسلام المكونة من 20 بندًا. وسعى الرئيس المصري لإعطاء زخم مماثل لمؤتمر إعادة الإعمار والتعافي المبكر، الذي تستضيفه القاهرة في نوفمبر المقبل كأحد مراحل تلك الخطة.

وتبدو الخطوة الحاسمة في ذلك المسار توفير ضمانة أمنية دولية طرحتها القاهرة في أكثر من منصة خلال الفترة الأخيرة، وأبرزها مطالبة الرئيس السيسي بنشر قوة سلام دولية في قطاع غزة، على أن يحظى اتفاق وقف الحرب بدعم مجلس الأمن الدولي، وذلك خلال اتصال هاتفي مع الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس في 11 أكتوبر 2025.

(*) إعادة إطلاق مسار السلام:

كان واضحًا من خطابات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الآونة الأخيرة نداءاته المتكررة لإحلال السلام بين الشعوب لوقف آلة الحرب الإسرائيلية واستئناف مسار السلام والتعايش بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وللمرة الثانية خلال شهر واحد، يوجه الرئيس المصري رسالة للشعب الإسرائيلي؛ جاءت أولاها في القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة منتصف سبتمبر 2025 قائلًا: "إن ما يجري حاليًا يقوض مستقبل السلام، ويهدد أمنكم، وأمن جميع شعوب المنطقة، ويضع العراقيل أمام فرص أي اتفاقيات سلام جديدة، بل ويجهض اتفاقات السلام القائمة مع دول المنطقة". وجاءت قمة شرم الشيخ برسالة جديدة للشعب الإسرائيلي بالقول: "مدوا أيديكم لنتعاون في تحقيق السلام العادل والدائم لجميع شعوب المنطقة".

يأتي على رأس تلك الشواغل التزام الرئيس الأمريكي بإنهاء حروب الشرق الأوسط واستئناف مشروعه للسلام والاندماج الإقليمي، وإظهار التزام شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا بمسار حل الدولتين، من أجل حث الرئيس الأمريكي على تبني ذلك المسار ضمن خطته للسلام.

وعلى هذا المنوال، جاءت قمة شرم الشيخ استكمالًا لمسار دبلوماسي استهدف إيجاد أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية، يبني على مكتسبات الضغط الدبلوماسي والقانوني الدولي من أجل إدانة حرب الإبادة الإسرائيلية، وإطلاق الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية، وهو ما يُسفر في النهاية عن حضور الدولة الفلسطينية في مقدمة جدول الأعمال لأي مسار سلام إقليمي مستقبلي بمنطقة الشرق الأوسط.

وإجمالًا، قدمت قمة شرم الشيخ التزامًا عربيًا ودوليًا بدعم اتفاق إنهاء الحرب في غزة، واستشراف صفحة جديدة من تاريخ المنطقة في إطار عملية دولية مركبة تشمل مجموعة من الشركاء العرب والمسلمين والدوليين، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار، ودعم المراحل اللاحقة لانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، ونشر قوة دولية في القطاع، وإعادة عجلة الحياة فيه عبر تدفق المساعدات، ودعم جهود تدريب ونشر عناصر الشرطة الفلسطينية، وإطلاق مرحلة إعادة الإعمار. وتتجاوز الدعوة المصرية لتلك الدول البُعد الرمزي لحضور توقيع الاتفاق، إلى المساهمة بصورة فعالة في تحمّل مسؤولياتهم في ضمان أمن واستقرار المنطقة، وتلبية تطلعات الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.