حذّر خبراء في شؤون الدفاع من أن التوسع السريع للصين في قدراتها النووية وتنوع ترسانتها الاستراتيجية يثير مخاوف متزايدة من احتمال لجوء بكين إلى "الابتزاز النووي" أو حتى إلى استخدام الأسلحة النووية في حال تدخلت الدول الغربية في صراع محتمل حول تايوان، في سيناريو يذكّر بتحذيرات الكرملين خلال عمليته العسكرية الخاصة على أوكرانيا.
ووفقًا لتقرير وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2024 حول القدرات العسكرية الصينية، تمتلك بكين أكثر من 600 رأس نووي فعّال، ومن المتوقع أن يتجاوز العدد 1000 رأس بحلول عام 2030.
"ثالوث نووي" يثير القلق
في العرض العسكري الذي أقيم بميدان تيان آن من في بكين في الثالث من سبتمبر الماضي، عرضت الصين ثلاثة صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وهي الصاروخ الجوي JL-1، والصاروخ العابر للقارات JL-3 الذي يُطلق من الغواصات، والصاروخ DF-61 أرض-أرض.
ويرى محللون أن هذا العرض يجسّد ملامح "الثالوث النووي" الصيني –أي القدرة على إطلاق الأسلحة النووية من الجو والبر والبحر– وهو تطور يضع القوى الانفصالية التايوانية في حالة تأهب، خاصة أن الصين كانت تفتقر سابقًا إلى القدرة على شن هجمات نووية جوية.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير بتاريخ 29 سبتمبر الماضي، نقلًا عن الباحث البارز في مركز "ستيمسون" كيلي جريكو، أن أي صراع في مضيق تايوان "سيحمل بُعدًا نوويًا"، لا سيما في حال تدخلت الولايات المتحدة عسكريًا أو لوّحت باستخدام القوة.
وأشار التقرير إلى أن الصين زادت من منصات إطلاق الصواريخ في قاعدة اللواء 611 التابع لقوة الصواريخ في مقاطعة آنهوي، حيث تم نشر صواريخ "دونجفنج-26" القادرة على حمل رؤوس نووية، بمدى يصل إلى 5000 كيلومتر، ما يجعلها قادرة على استهداف القواعد الأمريكية في جوام ومواقع أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
جاهزية كاملة
وقال الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إريك هيجينبوثام، إن امتلاك الصين أسلحة نووية تكتيكية متقدمة مثل DF-26 يمنحها "رادعًا أكثر واقعية" من ترسانتها الاستراتيجية التقليدية، مشيرًا إلى أن هذه القدرات تعزز قدرة بكين على الرد بالمثل في حال استخدام واشنطن أسلحة نووية تكتيكية.
وأوضح "هيجينبوثام" أن الرد النووي الصيني في السابق كان سيُعتبر "انتحاريًا"، لأنه سيؤدي إلى ضربة أمريكية مدمرة، أما اليوم فالصين باتت قادرة على خوض حرب تقليدية ضد تايوان "بمخاطر أقل" من رد نووي أمريكي مباشر.
من جانبه، قال شو هسياو هوانج، الباحث في معهد أبحاث الدفاع الوطني والأمن في تايوان، إنه لا يمكن استبعاد احتمال أن تغيّر الصين سياستها النووية التقليدية القائمة على مبدأ "عدم البدء بالاستخدام" في حال شعرت بأنها محاصرة أو إذا استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة النووية أولاً.
وأضاف أن توسيع الصين لترسانتها وتطوير قدراتها الهجومية يمنح قادتها خيارات أوسع في حال اندلاع نزاع، ما قد يدفعهم لتعديل عقيدتهم النووية الراسخة منذ عام 1964.
الموقف الأمريكي من تايوان
وفي السياق، حذّر يانج تاي يوان، رئيس شركة تأمين تايوانية، من أن تصاعد التهديد النووي الصيني قد يجعل واشنطن أكثر ترددًا في إرسال قواتها للدفاع عن تايوان في حال وقوع غزو.
وقال يانج إن "يبدو أن الحزب الشيوعي الصيني استلهم أسلوب الابتزاز النووي من روسيا"، وقد يستخدم الأسلحة النووية التكتيكية لردع القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، عن التدخل في النزاعات الإقليمية مثل مضيق تايوان.
وأضاف أن أي تهديد من هذا النوع قد يدفع واشنطن إلى الاكتفاء بخيارات دبلوماسية رمزية مثل إصدار بيانات تضامن عبر الأمم المتحدة، لتجنّب مواجهة مباشرة مع الصين.