مع مرور 52 عامًا على نصر أكتوبر العظيم، الذي حققته القوات المسلحة المصرية يوم السادس من أكتوبر 1973 على العدو الإسرائيلي، لم تكن مجرد معركة عسكرية حاسمة أعادت لمصر كرامتها وأرضها، بل كانت ملحمة كبرى شارك في صناعتها جنود اتسموا بالشجاعة وقادة عظام، وامتدت لتشمل المبدعين والمثقفين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية توثيق النصر وصون الذاكرة.
وبرهنت تلك الحرب على أن الانتصار لا يولد من فوهة المدفع فقط بل من قلم يكتب ويشهد ويحفظ للتاريخ ملاحم الرجال، هنا نعرض بعض النماذج الاستثنائية من كُتاب وأدباء مصريين خاضوا المعركة بالسلاح ثم خاضوا معركة الوعي بالكلمة بعد ذلك، ليجسدوا صورة نادرة من وحدة الفكر والسلاح.
جلال عامر.. الضابط الذي صار ضمير السخرية
الكاتب والصحفي الساخر جلال عامر (1952–2012) تخرج في الكلية الحربية، خاض 3 حروب مصرية، وكان أحد ضباط حرب أكتوبر، لم يكتفِ بالقتال على الجبهة، بل حمل لاحقًا قلمه ليصبح من أبرز كُتاب السخرية في مصر والعالم العربي، مانحًا قضاياه الاجتماعية والسياسية عمقًا إنسانيًا وابتسامة مُرّة.
جمال الغيطاني.. شاهد النار والكلمة
الأديب الكبير جمال الغيطاني (1945–2015) لم يكن مجرد روائي، بل كان مراسلًا عسكريًا على الجبهة، يكتب من قلب المعركة، في كتابه الشهير "على خط النار يوميات حرب أكتوبر" وثق تفاصيل الحرب كما رآها، جامعًا بين صوت الرصاص وصوت الصحافة، من خلال تقاريره ورسائله بين 1969 و1974، أرسى الغيطاني سجلًا أدبيًا عسكريًا فريدًا، صار مرجعًا للأجيال.
أحمد رجائي عطية.. أسطورة العمليات الخاصة
اللواء أحمد رجائي عطية (1938–2021)، أحد أبطال المجموعة 39 قتال، خاض معارك الاستنزاف وصولًا إلى نصر أكتوبر، مُنفذًا أكثر من 42 عملية خلف خطوط العدو ببسالة نادرة، لكنه لم يكن مجرد ضابط، بل أيضًا شاعر وأديب، جمع بين البطولة العسكرية والخيال الإبداعي، ليبقى رمزًا للشجاعة والوعي في آن واحد.
حجاج أدول.. صوت النوبة في معركة الكرامة
الأديب النوبي حجاج أدول (مواليد 1944)، شارك في حرب الاستنزاف وأكتوبر، قبل أن يتفرغ للأدب ويصبح أحد أبرز الأصوات المدافعة عن الهوية النوبية في أعماله القصصية والروائية، التي نال عنها جوائز كبرى مثل جائزة الدولة التشجيعية (1990)، ظل "أدول" وفيًا لذاكرة الحرب ولروح مصر المتعددة.
محمود الورداني.. قاص يعبر الجبهة
محمود الورداني (مواليد 1950)، خريج معهد الخدمة الاجتماعية، شارك في حرب أكتوبر مجندًا شابًا، ليعود بعدها إلى الأدب والصحافة، أسهم في تأسيس صحيفة أخبار الأدب، وترك بصمة واضحة في الرواية والقصة القصيرة، التي ترجمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية والفرنسية.
محسن زايد.. دراما ما بعد المعركة
الأديب والسيناريست محسن زايد (1944–2003)، شارك في حرب أكتوبر ثم اتجه إلى الكتابة الدرامية، ليصبح واحدًا من أبرز مؤلفي السينما والتلفزيون في مصر، فقد نقل من خلال أعماله نبض المجتمع وتفاصيل التحولات بعد الحرب، مضيفًا لبنة جديدة في الذاكرة الثقافية التي أعقبت النصر.
حرب أكتوبر المجيدة صنعت انتصارًا عسكريًا خالدًا، لكنها أيضًا صنعت جيلًا من المثقفين حملوا الذاكرة على أكتافهم، ليثبتوا أن المعركة لم تكن بالسلاح وحده بل بالكلمة التي تخلد البطولة وتحميها من النسيان.