الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

نصر أكتوبر 1973.. اثنان وخمسون عاما على استعادة الأرض والكرامة

  • مشاركة :
post-title
حرب أكتوبر 1973

القاهرة الإخبارية - محمد أبو عوف

تمر اليوم اثنان وخمسون عامًا على نصر أكتوبر العظيم الذي حققته القوات المسلحة المصرية يوم السادس من أكتوبر عام 1973 على العدو الإسرائيلي؛ لتسترد الأرض والكرامة، وتنهي أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وتعلي راية السلام والتنمية للبشرية من أرض الكنانة.

وفي ذكرى النصر المجيد نؤكد مرارًا أن حرب أكتوبر 1973 كانت وستظل أحد أهم وأعظم الأحداث التاريخية في العصر الحديث، بعدما غيَّرت العديد من المفاهيم والأفكار والتحولات السياسية والاستراتيجية والعسكرية، وامتدت آثارها إلى العديد من مناطق الصراع حول العالم، وجاءت نتائجها عكس كل التوقعات الاستراتيجية التي كانت تُرجّح التفوق الإسرائيلي.

البداية كانت بعد هزيمة 1967 بعام تقريبًا، بعدما صدرت الأوامر من الرئيس جمال عبد الناصر بالبدء في التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام قناة السويس وتحرير سيناء، وقبلها كانت حرب الاستنزاف التي استمرت قرابة ست سنوات، اكتسب خلالها الجيش المصري خبرات قتالية كبيرة، بينما قامت إسرائيل ببناء خط بارليف.

العبقرية المصرية

وفي مقال منشور للخبير العسكري اللواء سمير فرج على موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في وقت سابق، كشف عن قدرة المخطط المصري لمواجهة تحديات هندسية وعسكرية ضخمة جرى حلها بابتكارات استراتيجية:

هدم الساتر الترابي: جاءت فكرة المهندس العسكري المقدم باقي يوسف زكي باستخدام المضخات المائية، التي كانت تُستخدم في بناء السد العالي، لهدم الساتر الترابي على الضفة الشرقية للقناة.

تخطي أنابيب النابالم: تم التخطيط لتقدم مجموعات من الصاعقة المصرية قبل بدء الهجوم لسد أنابيب النابالم أو تفجير خزاناتها.

اقتحام خط بارليف: تم تكوين مجموعات قتال خاصة لمهاجمة كل نقطة دفاعية من نقاط خط بارليف الحصينة.

حرب غيرت المفاهيم

وبحسب اللواء سمير فرج، فقد قال "إن حرب أكتوبر أفرزت عاملًا جديدًا لم يظهر من قبل في حسابات القوى، وهو الجندي المصري، ذلك الجندي الذي دفع الجنرال شارون في مناظرة، معي شخصيًا، عن حرب أكتوبر 1973، أذاعها التليفزيون البريطاني، عند سؤاله عما يراه مفاجأة حرب أكتوبر.. وإذا ما كان يعتبرها توقيت الهجوم في الثانية ظهرًا؟ أم اختيار موعد الهجوم في يوم عيد الغفران في إسرائيل؟ أم كانت المفاجأة في الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية في وقت واحد؟.. وجاءت إجابة الجنرال شارون، بأن المفاجأة الحقيقية في حرب أكتوبر 1973، كانت "الجندي المصري الذي وجدته يحارب أمامي في عام 1973، لم يكن نفس الجندي المصري الذي حاربته في عام 1967، أو حتى عام 1956".

ويتابع اللواء سمير فرج: "ازددت فخرًا بانتمائي للمؤسسة العسكرية وأنا أسمع هذا الرد، فالجندي المصري عام 1973 اختلف بالفعل وأصبح من حاملي الشهادات العليا، وروحه المعنوية في السماء، وإيمانه بالنصر كان أقوى من كل الحسابات والتوقعات، واستطرد الجنرال شارون، ضاربًا مثالًا لما شهده بنفسه أثناء قيادته لسرية مكونة من 10 دبابات في اتجاه الإسماعيلية؛ بهدف الهجوم على منطقة الدفرسوار، وظهر أمامه فجأة سبعة "كوماندوز" مصريين (يقصد من قوات الصاعقة)، وهو ما يعني هلاكهم بكل المقاييس العسكرية، إلا أن هؤلاء الأبطال تأكدوا من تحطيم سرية الدبابات الإسرائيلية قبل أن ينالوا شهادتهم".

ويرجع الفضل للمقاتل المصري وما حققه في حرب 1973 في أن قامت معاهد الدراسات الاستراتيجية، والمعاهد العسكرية، بالفعل، بإضافة بند جديد لحسابات القوى ومقارنة القوات، وهو حساب "النوعية القتالية"، ويُقصد بها الفرد المقاتل، وهو العامل الذي كان غائبًا من قبل عن كل الحسابات والتقديرات، بما أدى إلى نتائج مغلوطة عن تفوق جيش الدفاع الإسرائيلي.

النتائج والتداعيات الاستراتيجية

على المستوى الإسرائيلي

وبحسب تقرير نشرته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، على موقعها الرسمي، انكسرت النظرية الأمنية الإسرائيلية القائمة على التفوق النوعي، وضعف القرار العربي، ما أحدث صدمة غير مسبوقة.

وتفكك القيادة السياسية والعسكرية، وسقوط أساطير إسرائيلية، وتوقف عجلة الإنتاج الإسرائيلي جراء استدعاء الاحتياطي العام.

على المستوى العربي

أعادت الحرب الثقة للشارع العربي والمصري بعد إحباط 1967، وإظهار وعود بعصر عربي جديد من التوافق والتكامل، واستخدام سلاح البترول لأول مرة كأداة ضغط استراتيجية، فضلًا عن دخول فكرة المفاوضات المباشرة لأول مرة في الصراع.

الدوافع والأهداف الاستراتيجية للحرب

تمركزت أسباب الحرب حول إنهاء حالة الاحتلال والجمود السياسي، واستعادة الكرامة العسكرية:

إنهاء الاحتلال: تحرير الأراضي العربية (سيناء والجولان) المحتلة عام 1967 وتكريس سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية.

كسر الجمود السياسي: إنهاء حالة "اللا حرب واللا سلم" التي فُرضت تحت رعاية القوى العظمى (أمريكا والاتحاد السوفيتي).

استعادة الكرامة: رد كرامة الجندي المصري والعربي وتغيير النظرة السائدة لعدم قدرة الجيوش العربية على القتال.

تحطيم التفوق الإسرائيلي: إنهاء التفوق العسكري والتقني الإسرائيلي الناتج عن الإمدادات الأمريكية، وكسر التفوق الاستراتيجي الناتج عن احتلال الحواجز الطبيعية (الجولان، قناة السويس).

تحرير القرار العربي: تحرير الموقف الأمريكي من الرهن للسياسة الإسرائيلية، خصوصًا بعد التعهد الأمريكي بعدم التقدم بأي مبادرة سياسية قبل مناقشتها مع إسرائيل (مذكرة 1972).

تجهيز الجبهة الداخلية

على المستوى الداخلي، كان من الضروري العمل ضمن خطة الخداع الاستراتيجي على مسارين أساسيين:

الأول: تجهيز الجبهة الداخلية للإيفاء بمتطلبات بدء العمليات الهجومية في الجبهة.

الثاني: دعم الجوانب الأخرى المتضمنة في خطة الخداع الاستراتيجي.

كان من الضروري إخلاء عدد من المستشفيات وإعدادها لاستقبال الجرحى الذين سيتوافدون مع بداية المعركة، وهذا يعتبر من أهم مبادئ الإعداد للحرب، ولما كان إجراء بمثل هذه الضخامة سيثير بالتأكيد شك المخابرات الإسرائيلية، كان لزامًا على المخطط العسكري المصري أن يوجد حلًا يسمح بإخلاء عدد المستشفيات المطلوب بدون إثارة أدنى شك.

لتحقيق ذلك، تم إعداد خطة محكمة تم بموجبها تسريح أحد الضباط المجندين في السلاح الطبي، وإعادته إلى وظيفته السابقة في مستشفى الدمرداش التابع لجامعة عين شمس التي وقع عليها الاختيار لكبر حجمها لتكون في أول قائمة المستشفيات.

حسب الخطة، اكتشف الطبيب بعد وصوله إلى المستشفى أن ميكروب التيتانوس يلوث العنابر الرئيسية للمرضى، ولأن هذا الطبيب كان قلقًا من هذا الميكروب الذي يهدد حياة المرضى، أرسل عددًا من الرسائل لوزارة الصحة، وعليه أمرت وزارة الصحة بإخلاء المستشفى من المرضى تمامًا وتطهيره، وتم تكليف الطبيب بالمرور على بقية المستشفيات لاستكشاف درجة تلوثها، وقد قامت الصحف بنشر التحقيقات الصحفية حول المستشفيات الملوثة ونشر الصور وعمال التطهير وهم يرشون المبيدات الخاصة بالتطهير في عنابر المستشفيات.

وأدت هذه الخطة، إلى إخلاء العدد اللازم من المستشفيات نهائيًا بحلول أول أيام شهر أكتوبر، وباتت على أتم استعداد لاستقبال الجرحى والمصابين كإجراء احتياطي مهم وحيوي للعمليات العسكرية المقبلة.

كان توفير السلع التموينية أيضًا من التحديات المهمة فيما يتعلق بعملية الاستعداد للحرب، خاصة وأن توفر مخزونات كافية من المواد الاستراتيجية، كالقمح والسكر والأرز، لا يقل أهمية عن توفر الذخائر والأسلحة للقوات المسلحة، لذا كان من الضروري استيراد وتخزين كميات كافية من هذه المواد –خاصة القمح- لصعوبة استيراده في حالة بدء العمليات العسكرية، بشرط أن تتم عمليات الاستيراد هذه، بشكل لا تقرأه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، على أنه مؤشر لقرب بدء العمليات العسكرية.

لتحقيق هذا الأمر، سرّب جهاز المخابرات العامة معلومات بأن أضرارًا بالغة قد أصابت مخزونات القمح المحلية، نتيجة لعدة عوامل من بينها؛ غمر أمطار الشتاء بعض صوامع القمح، ونشوب عدة حرائق في صوامع أخرى، بجانب إصابة كميات من القمح المخزن بنوع من أنواع الفطريات، وقد حُول الأمر لفضيحة تداولتها وسائل الإعلام، واستوردت مصر على أثرها الكميات المطلوبة من القمح دون إثارة أي شبهة.

يضاف إلى ما سبق، طائفة أخرى من الإجراءات التي استهدفت دعم العمليات العسكرية، وتنفيذ خطة الخداع الاستراتيجي، من بينها توفير مضخات المياه التي سيستخدمها سلاح المهندسين لفتح الثغرات في الساتر الترابي، حيث روعي أن تتم عملية استيراد هذه المضخات بشكل لا يثير ريبة إسرائيل، فسافر مجموعة من مهندسي الزراعة والري، وضباط تابعين للدفاع المدني بشكل منفصل إلى كل من ألمانيا وبريطانيا لشراء مضخات المياه الثقيلة ومدافع إطلاق المياه الخاصة بالمطافئ، بحجة أن مصر تسعى لتأمين وسائل الري اللازمة لتنفيذ مشروع أُعلن عنه عام 1972، لزراعة 900 ألف فدان بالخضروات خلال 5 سنوات.