في أجواء من الوفاء والاحتفاء، واصل مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط فعاليات دورته الحادية والأربعين، التي حملت الكثير من المشاعر الإنسانية والفنية في آن واحد، حيث شهد اليوم الثالث من المهرجان ثلاث ندوات تكريمية استثنائية، احتفى خلالها المهرجان بكل من مدير التصوير سامح سليم، والمخرج هاني لاشين، إلى جانب ندوة مؤثرة استعادت فيها إيمان بدر الدين جمجوم ملامح من حياة والدتها الفنانة الراحلة فيروز، الطفلة المعجزة التي صنعت بصمة خالدة في ذاكرة السينما المصرية.
سامح سليم: أرفض الجمع بين الإخراج والتصوير
بدأ مدير التصوير المصري سامح سليم حديثه بنبرة امتنان لمسيرته الطويلة، قائلًا إنه لم يكن يدرك في بداياته أن طريق التصوير السينمائي سيكون بوابته إلى النجاح، لكنه وجد فيه ساحة لاختبار موهبته وإثبات ذاته رغم صعوبة المهنة.
وأشار إلى أن انطلاقته جاءت مع فيلم "شورت وفانلة وكاب"، قبل أن يحقق حضورًا لافتًا من خلال أعمال بارزة مثل "مافيا" و"إبراهيم الأبيض"، الذي اعتبره محطة فارقة في مسيرته، موضحًا أن فريق العمل قام ببناء حي كامل داخل استوديو مصر لتصوير مشاهده.
واستعاد "سليم" إحدى المقولات التي أثّرت في رؤيته البصرية، إذ نقل عن سعاد حسني قولها إن "الجمال أمام الكاميرا ليس هو الهدف، بل الصدق في التعبير"، مؤكدًا أن هذه المقولة تعكس جوهر الفن الحقيقي، في مقابل بعض النجمات اللاتي يركزن على الصورة أكثر من المضمون.
وأضاف أن الفنانة الراحلة فاتن حمامة كانت من القلائل اللاتي حرصن على الصورة الراقية والمضمون معًا، ولذلك كانت تصر دومًا على التعاون مع مدير التصوير وحيد فريد.
ورفض سليم فكرة الجمع بين الإخراج والتصوير، معتبرًا أن ذلك يشتت المبدع ويؤثر على التركيز، قائلًا إن المونتير أحيانًا يكون بمثابة المخرج الحقيقي لأنه يمتلك الرؤية النهائية للفيلم.
حوادث خلف العدسة
روى سامح سليم مواقف صعبة واجهها في مشواره، منها تعرضه لإصابة أثناء تصوير فيلم "تيتو" بعد اصطدام سيارة المشهد بسيارة أخرى حقيقية، إضافة إلى لحظات الخطر أثناء تصوير "أفريكانو" حين كانت الأسود طليقة في موقع التصوير، مشددًا على أن مهنة مدير التصوير في مصر تفتقر إلى التأمين المهني، وقال ممازحًا: "ربنا هو اللي بيستر".
واختتم حديثه مؤكدًا أنه لا يمتلك موهبة التمثيل، لكنه شارك في بعض المشاهد بدافع الفضول، ليكتشف أن مكانه الحقيقي سيبقى دائمًا خلف الكاميرا، حيث يعبّر بالضوء والظل عن رؤيته للعالم.
هاني لاشين: تعلمت على يد عمالقة الفن
وفي ندوة أخرى، بدأ المخرج هاني لاشين، حديثه باعتزاز كبير بأساتذته الذين شكّلوا وعيه السينمائي، قائلًا: "أدين بالفضل للأستاذ محمد عبد العزيز الذي علّمني أبجدية الصورة، وتعلمت على يد عمالقة مثل محمود مرسي وصلاح أبو سيف ورفيق الصبّان وعواطف عبد الكريم ورتيبة الحفني وسعيد الشيخ وعلي الزرقاني، وكل منهم يمثل هرمًا من أهرامات الفن".
وأوضح "لاشين" أنه كان دائم الاطلاع على أعمال كبار الكتّاب إلى أن شاهد فيلم "السقا مات"، فقرر التعاون مع كاتبه محسن زايد ليكتب له فيلم "أيوب"، الذي اعتبره من محطاته المهمة.
ووصف الإخراج بأنه "أبو الفنون" رغم صعوبته، قائلًا: "الإخراج مهنة تأكل من الفنان لكنها تمنحه الخلود، إنها مهنة شاقة لكنها رسالتي الحقيقية".
شهادات رفقاء المشوار
تحدث المخرج عمر عبد العزيز عن صديقه لاشين قائلًا إنه كان زميل دفعتهم، وبدأ حياته كممثل قبل أن يرشحه هو للمخرج محمد عبد العزيز الذي أسند إليه أول أدواره، وأضاف أن هاني يتميز بهدوئه واتزانه وأن صداقتهما امتدت عبر رحلة طويلة من الفن والإبداع.
أما المخرج الكبير محمد عبد العزيز فأعرب عن سعادته البالغة بتكريم تلميذه، قائلًا إن هاني لاشين "يستحق هذا التكريم منذ زمن"، مشيرًا إلى أنه كان يتمتع بموهبة فنية فريدة تؤهله لأن يكون نجمًا أمام الكاميرا، لكنه اختار البقاء خلفها.
واختتم الفنان خالد زكي الندوة بكلمات مؤثرة قال فيها: "حين نتحدث عن الرقي والفن والعلم والاحترام، فنحن نتحدث عن هاني لاشين".
ذكريات الطفلة المعجزة
في ندوة مليئة بالعاطفة والحنين، فتحت إيمان بدر الدين جمجوم، ابنة الفنانة الراحلة فيروز، صندوق الذكريات، كاشفة عن محطات نادرة من حياة والدتها التي لقّبت بـ"الطفلة المعجزة".
قالت "إيمان" إن ملامح الموهبة بدت على والدتها منذ طفولتها، إذ كانت فنانة بالفطرة تمتلك صوتًا جميلًا ورثته من عائلة فنية. وبدأت الحكاية حين اكتشف موهبتها الفنان إلياس مؤدب، الذي اصطحبها لإحدى الحفلات بحضور الملك فاروق، وهناك فازت بجائزة مالية كبيرة، وكان من بين الحضور الفنان أنور وجدي الذي انبهر بموهبتها وقرر تبنيها فنيًا.
وأضافت أن أنور وجدي أبرم مع فيروز عقد احتكار واهتم بتعليمها على أيدي كبار الأساتذة، بينما رفض الموسيقار محمد عبد الوهاب في البداية مشاركته إنتاج فيلمها الأول قائلًا: "لن أغامر بطفلة صغيرة"، لكنه بعد نجاح الفيلم الساحق عاد ليطلب المشاركة في العمل التالي، فردّ وجدي قائلًا: "فرصتك راحت".
وأشارت إلى أن والدتها كانت تعتبر فيلم "دهب" أحب أفلامها لأنه شهد نضوج موهبتها، موضحة أنها اعتزلت الفن بقرار واعٍ وهادئ بعدما شعرت بأن مرحلة ما بعد أنور وجدي ستكون مختلفة.
وأكدت أن والدتها كانت تردد دائمًا: "أنا عشت حلو"، وقدّمت خلال مسيرتها أحد عشر فيلمًا، من بينها أعمال لم تحظَ بالانتشار الكافي مثل "صورة الزفاف" مع زهرة العلا، و"بفكر في اللي ناسيني"، و"إسماعيل يس للبيع"، وكانت تعتبر الفنان إسماعيل يس ثاني أهم محطة في حياتها الفنية بعد أنور وجدي.