منذ ما يقارب العامين تُهيمن صور الفلسطينيين الفارين من الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي للأمريكيين، إذ ظهر الآلاف وهم يحفرون بين ركام المباني المدمرة بحثًا عن أحبائهم. لكن في الأشهر الأخيرة، أخذت هذه الصور منحى أكثر قسوة، إذ ازدادت مقاطع الفيديو المنتشرة على منصات مثل تيك توك وإنستجرام وإكس، لتوثق أطفالًا نحيفين يتوسلون الطعام ويبحثون عن مياه نظيفة وسط مجاعة متفاقمة في القطاع.
ويتزامن هذا التحول في المشهد الرقمي مع تبدل لافت في مواقف الأمريكيين من الحرب. وفقًا لاستطلاع رأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع جامعة "سيينا"، مال عدد أكبر من الأمريكيين للمرة الأولى منذ 1998 إلى التعاطف مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين.
دعم الديمقراطيين يتراجع
وأظهر الاستطلاع أن هذا التغيير كان مدفوعًا بانخفاض حاد في دعم الناخبين الديمقراطيين لإسرائيل. وبينما احتفظ الجمهوريون بمستويات عالية من التأييد، رصد استطلاع الرأي تراجعًا طفيفًا أيضًا في مواقفهم.
ويقول خبراء الإنترنت إن وسائل التواصل الاجتماعي كانت المحرك الأبرز لهذا التحول. ويشرح إيمرسون بروكينج، مدير الاستراتيجية في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي، أن "الموقف التقليدي لإسرائيل كدولة تخوض حربًا دفاعية وتتجنب استهداف المدنيين يتآكل يومًا بعد يوم أمام الكم المتزايد من الأدلة البصرية المنشورة عبر الإنترنت".
معركة على الرأي العام
منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة مواجهة موازية. استخدمت إسرائيل حسابات وهمية للتأثير على مشرعين أمريكيين، فيما روجت حماس للقطات من الهجمات وسعت إلى نشر الرعب عبر السيطرة على حسابات المحتجزين.
وفي البداية، انحاز الرأي العام الأمريكي بشكل كبير إلى إسرائيل، إذ قال 47% إنهم يؤيدونها مقابل 20% للفلسطينيين. لكن مع مرور الوقت، بدأت مقاطع الفيديو والصور التي ينشرها مصورون فلسطينيون وصحفيون محليون تكسب مساحة أكبر على المنصات، ما غير تدريجيًا مواقف الكثير من المواطنين الأمريكيين.
ورغم المخاطر الهائلة واستشهاد مئات الصحفيين، ما تزال شبكة من المصورين الفلسطينيين توثق يوميات غزة، أبرزهم وسام نصار، الذي ما زال في القطاع، ومعتز عزايزة، الذي غادر لكنه يواصل نشر صور لعائلته وأصدقائه. ويحظى الاثنان بمتابعة واسعة على إنستجرام، إذ تُشكل منشوراتهما مصدرًا مؤثرًا للرواية الفلسطينية.
وأخيرًا نشر الاثنان تعازيهما في استشهاد المصور الفلسطيني يحيى برزق في غارة إسرائيلية استهدفت مقهى بقطاع غزة.
اتهامات متبادلة
وتحظى منصات مثل "تيك توك" بشعبية خاصة بين الشباب الأمريكيين، الذين يظهرون في الاستطلاعات كأكثر الفئات معارضة لتقديم مساعدات اقتصادية أو عسكرية إضافية لإسرائيل. واتهم بعض المشرعين الأمريكيين والإسرائيليين تيك توك بالترويج المتعمد لمحتوى مؤيد للفلسطينيين، وهو ما نفته الشركة مؤكدة حيادها.
في المقابل، فشلت الحملات الإسرائيلية في اختراق المشهد الرقمي الأمريكي، بحسب بروكينج، الذي يرى أن تل أبيب فضلت محاولات حجب المحتوى الفلسطيني عبر ضرب شبكات الإنترنت وأبراج الاتصالات بغزة بدلًا من الاستثمار في الإقناع الرقمي.
وأظهر الاستطلاع الأخير أن 35% من الأمريكيين أصبحوا يتعاطفون مع الفلسطينيين، مقابل 34% مع الإسرائيليين، فيما قال 31% إنهم محايدون أو يؤيدون الطرفين معًا.
كما عارضت أغلبية الناخبين الأمريكيين إرسال مساعدات إضافية لإسرائيل، خاصة بين من هم دون سن الثلاثين، إذ عبّر 7 من كل 10 عن رفضهم لذلك بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية.