تقف الحكومة الأمريكية على حافة الإغلاق اعتبارًا من منتصف ليل غدًا الأربعاء، في ظل جمود سياسي خانق بين الديمقراطيين والجمهوريين حول تمويل العمليات الحكومية، فيما تحوّلت إعانات الرعاية الصحية لملايين الأمريكيين إلى ورقة ضغط في معركة واشنطن الجديدة.
فشل في البيت الأبيض
خرج اجتماع البيت الأبيض بين الرئيس دونالد ترامب وقادة الكونجرس دون أي اختراق يُذكر، في مشهد يعكس عُمق الانقسام السياسي، في حين لم يتردد نائب الرئيس جي دي فانس في إلقاء اللوم على الديمقراطيين قائلًا: "نحن نتجه نحو الإغلاق لأن الديمقراطيين لن يفعلوا الشيء الصحيح"، واصفًا موقفهم بأنه "ليس أفضل من محتجزي الرهائن الذين يصوبون مسدسًا مجازيًا نحو الشعب الأمريكي"، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الامريكية.
على الجانب الآخر، قال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إن ترامب "بدا وكأنه يفهم للمرة الأولى حجم هذه الأزمة"، لكن الفجوة بين الطرفين ظلت واسعة.
على جانب آخر أكد القادة الجمهوريون عدم استعدادهم للتفاوض على مطالب الديمقراطيين، وحثّوا مجلس الشيوخ للموافقة على خطة جمهورية أقرها مجلس النواب بالفعل لتمديد التمويل الحالي حتى 21 نوفمبر المقبل.
معركة المقترحات المتعارضة
لا يقل المشهد في الكونجرس تعقيدًا، إذ يطرح كل طرف رؤيته الخاصة، فمن جهة يدفع الجمهوريون باتجاه تمديد بسيط للتمويل حتى 21 نوفمبر لكسب وقت إضافي للمفاوضات الثنائية حول مشاريع قوانين الاعتمادات السنوية الكاملة، رافضين إدراج أي تغييرات تتعلق بالرعاية الصحية، كما يشدد زعيم الأغلبية الجمهورية جون ثون على أن مقترحهم "لا يتضمن أي أولويات سياسية مثيرة للجدل"، معتبرًا موقف الديمقراطيين "عملية احتجاز رهائن واختطاف للشعب الأمريكي"، بحسب "واشنطن بوست".
وفي المقابل، يطرح الديمقراطيون اقتراحًا مضادًا يمتد حتى 31 أكتوبر المقبل، ويتضمن حزمة من التغييرات السياسية الجوهرية، منها إضافة بند بتريليون دولار لبرنامج "ميديكيد" عبر عكس التخفيضات التي فرضها القانون الجمهوري للضرائب والإنفاق، وتمديد دائم للإعانات المالية للمواطنين الذين يشترون التأمين الصحي عبر سوق قانون الرعاية الميسّرة، وقيود على سلطة الرئيس في استرداد الأموال التي وافق عليها الكونجرس.
من المتوقع أن يصوّت مجلس الشيوخ على المقترحين، لكن كلاهما يحتاج إلى 60 صوتًا للمرور في ظل القواعد الحالية، بينما يملك الجمهوريون أغلبية 53 مقعدًا فقط مقابل 47 للديمقراطيين، ما يعني أن التوافق الثنائي ضرورة حتمية لم تتحقق بعد.
القلب النابض للأزمة
أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فتشير إلى أن جوهر المعركة الحالية يدور حول إعانات التأمين الصحي المعززة التي أُقرت عام 2021 خلال جائحة كورونا (كوفيد-19)، والمقرر انتهاؤها مع نهاية العام الجاري، إذ إن هذه الإعانات الضريبية كانت بمثابة شريان حياة لملايين الأمريكيين، حيث ساهمت في مضاعفة أعداد المسجلين في برامج قانون الرعاية الميسرة إلى نحو 24 مليون شخص هذا العام، بحسب الصحيفة الأمريكية.
التداعيات المحتملة لعدم تمديد هذا الدعم قاسية، إذ إن ملايين الأمريكيين سيواجهون ارتفاعات حادة في فواتير التأمين الصحي، غالبًا بمئات الدولارات سنويًا أو أكثر.
اللافت أن استطلاعًا أجرته مؤسسة KFF البحثية الصحية غير الربحية كشف عن دعم شعبي واسع لتمديد هذا الدعم بـ63% من الجمهوريين، و80% من المستقلين، و91% من الديمقراطيين يؤيدون الاستمرار في الدعم.
تهديدات بتسريح جماعي
صعّد البيت الأبيض المواجهة عبر توجيه غير مسبوق، إذ أمر مكتب الإدارة والميزانية الوكالات الفيدرالية بالنظر في عمليات تسريح جماعية للموظفين في حال الإغلاق، مع عدم إعادتهم بعد استئناف التمويل، كما حثّت المذكرة الوكالات على إعطاء الأولوية للتسريحات في أي برنامج لا يموله قانون آخر ولا يتماشى مع أولويات ترامب، بحسب "واشنطن بوست".
كان مكتب إدارة شؤون الموظفين أصدر، يوم الأحد الماضي، أكثر من 70 صفحة من التوجيهات الجديدة، تضمنت قسمًا كاملًا مضافًا حول "التخفيضات في القوى العاملة"، يبدأ بتوصية قوية للوكالات بالبدء فورًا في تحديد من سيتم تسريحهم بالتشاور مع محاميهم.
وتنص الوثيقة على أن الموظفين الفيدراليين المُجازين سيُسمح لهم بالدخول إلى بريدهم الإلكتروني الحكومي للتحقق مما إذا كانوا قد فُصلوا.
لكن معظم الوكالات الفيدرالية لم تبدأ فعليًا بالتحضير للتسريحات الجماعية كما أُمرت، إذ إن اتصالات واجتماعات عدة وكالات، بما فيها وزارة الخارجية ووكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية، لم تتضمن نقاشات حول التسريحات، بحسب سجلات حصلت عليها "واشنطن بوست".