كشفت صحيفة واشنطن بوست عن خلافات غير مسبوقة داخل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بين القيادة السياسية والعسكرية، حيث أعرب كبار القادة العسكريين عن قلق بالغ من الاستراتيجية الدفاعية التي يطرحها وزير الدفاع بيت هيجسيث، في ظل إعادة ترتيب جذرية لأولويات الجيش الأمريكي تركز على الأمن الداخلي على حساب الانتشار العالمي.
نقلت الصحيفة الأمريكية عن ثمانية مسؤولين حاليين وسابقين أن الرئيس دونالد ترامب سيحضر اجتماعًا عسكريًا استثنائيًا للجنرالات والأدميرالات في قاعدة كوانتيكو للمارينز بولاية فرجينيا، إذ من المقرر أن يتحدث هيجسيث عن المعايير العسكرية و"روح المحارب".
هذه القمة تأتي وسط مخاوف حقيقية لدى القادة العسكريين من عمليات إقالة واسعة أو إعادة هيكلة جذرية لبنية القيادات العسكرية، خاصة بعد أن أقال هيجسيث بالفعل رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الجنرال تشارلز براون، ورئيسة العمليات البحرية الأدميرال ليزا فرانشيتي، في موجة إقالات طالت بشكل غير متناسب عددًا كبيرًا من النساء في المناصب القيادية.
ويقود هيجسيث عملية تغيير شاملة تتضمن تقليص عدد الجنرالات والأدميرالات البالغ نحو 800 ضابط بنسبة 20%، إلى جانب إعادة رسم خطوط القيادات العسكرية الموحدة حول العالم، وهو ما يثير قلق الحلفاء الأمريكيين، خاصة في أوروبا.
وثيقة الاستراتيجية الدفاعية
يتمحور الخلاف الأساسي حول وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني، التي تمثل الدليل الرئيسي للبنتاجون في توزيع الموارد ونشر القوات حول العالم.
وكشفت واشنطن بوست أن مسؤولين سياسيين مُعينين من قبل ترامب داخل مكتب السياسات في الوزارة، بينهم من انتقدوا سابقًا الالتزامات الأمريكية طويلة الأمد في أوروبا والشرق الأوسط، هم من صاغوا هذه الاستراتيجية التي باتت في مراحلها النهائية.
وحسب ثلاثة مسؤولين مطلعين على الملف، تم تداول مسودة الاستراتيجية بين مختلف المستويات القيادية، من القيادات العسكرية المنتشرة في مناطق العمليات حول العالم، وصولًا إلى قيادة الأركان المشتركة في واشنطن.
وأثارت الوثيقة تساؤلات جدية حول كيفية تطبيق هذه الأولويات الجديدة على قوة عسكرية بُنيت أساسًا للتدخل السريع في مختلف بؤر التوتر العالمية.
كين يواجه هيجسيث
وفي تطور لافت، شارك الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة الحالي، مخاوفه مع القيادة العليا في البنتاجون خلال الأسابيع الأخيرة، حيث قال أحد المصدرين المطلعين على الأمر: "قدَّم كين لهيجسيث ملاحظات صريحة للغاية".
وأشار إلى أن إلبريدج كولبي، رئيس السياسات في البنتاجون، كان حاضرًا أيضًا في النقاش، مضيفًا: "لا أعرف إن كان هيجسيث يدرك حقًا أهمية استراتيجية الدفاع الوطني، لهذا السبب حاول كين بشدة التأثير".
وكشف مصدر ثانٍ أن كين سعى لإبقاء الاستراتيجية مركزة على إعداد الجيش لردع الصين، وإذا لزم الأمر، هزيمتها في أي صراع محتمل.
ويرى عدد من المسؤولين، أن المشكلة تكمن في أن الوثيقة رغم احتوائها على أقسام كبيرة حول الصين، فإنها تركز بشكل أساسي على خطر الهجوم على تايوان، وليس على المنافسة العالمية الشاملة مع أكبر خصم لأمريكا.
نهج جديد
تكمن أبرز الانتقادات في تركيز الاستراتيجية الجديدة على التهديدات للأراضي الأمريكية، بينما تواصل الصين بناءً عسكريًا سريعًا حذر القادة العسكريون من أنه يقلص تفوق واشنطن في المحيط الهادئ.
وقال مسؤول سابق: "هناك قلق من أن الاستراتيجية غير مدروسة بشكل جيد"، فيما وصفها مطلعون على عملية الصياغة بأنها تحمل نظرة ضيقة وربما تصبح غير ذات صلة بالواقع، نظرًا لنهج ترامب الشخصي والمتناقض أحيانًا في السياسة الخارجية.
لهجة الوثيقة أكثر حزبية من الاستراتيجيات السابقة، إذ تتهم إدارة بايدن بالتسبب في تآكل القوة العسكرية الأمريكية، بخطاب مشابه لخطابات هيجسيث، بحسب شخصين مطلعين على الخطة.
وأشارت الاستراتيجية المؤقتة التي كشفت عنها واشنطن بوست لأول مرة في مارس الماضي إلى تركيز مماثل على تايوان والدفاع عن الوطن، وصلت إلى حد حث قادة البنتاجون على "قبول المخاطر" في مناطق أخرى من العالم لتلبية هاتين الأولويتين.
الجيش في الشوارع
يتجلى التحول الاستراتيجي عمليًا في توجيه ترامب للجيش نحو مهام قريبة من الأراضي الأمريكية، إذ نفذ البنتاجون هذا العام ضربات ضد مهربي المخدرات المزعومين في البحر الكاريبي، ونشر قوات وأسلحة على الحدود الجنوبية، وأرسل الحرس الوطني ومشاة البحرية إلى المدن الأمريكية للمساعدة في عمليات الترحيل ومكافحة ما وصفه الرئيس بالجريمة الحضرية "الخارجة عن السيطرة"، وتواجه بعض هذه الانتشارات المحلية طعونًا قضائية حاليًا.
قلق الحلفاء
أشار هيجسيث ومسؤولو السياسات لديه إلى أن البنتاجون سيسحب بعض القوات من أوروبا ويدمج القيادات بطريقة تقلق بعض الحلفاء الأمريكيين، خاصة في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا والانتهاكات الروسية المتكررة للأجواء التابعة لحلف الناتو، فعلى مدى سنوات، كانت استراتيجية البنتاجون تستند إلى فكرة أن أفضل دفاع للأمة يكمن في بناء والحفاظ على تحالفات عسكرية قوية في الخارج.
لكن منتقدي هذا النهج داخل الإدارة يرون أنه أوقع أمريكا في حروب مكلفة على أراضٍ أجنبية، بدلًا من تأمين المصالح المحلية الأمريكية.
وقد ركز نهج ترامب حتى الآن بشكل كبير على دفع الحلفاء للإنفاق أكثر على دفاعهم الخاص، وهو ما أزعج في بعض الأحيان صقور الدفاع الجمهوريين في الكونجرس الذين يطالبون أيضًا بزيادة الإنفاق الدفاعي المحلي.