شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة واحدًا من أكثر المشاهد الدبلوماسية إحراجًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين غادرت غالبية الوفود الدولية القاعة قبل بدء خطابه، ليجد نفسه يتحدث أمام مقاعد فارغة، وخارجها قوبلت كلمته بإدانة واسعة.
واعتبر سياسيون أن الخطاب "لم يكن سوى إعادة إنتاج لمخزون التضليل"، وأن "نتنياهو كان يخاطب نفسه" في دلالة واضحة على العزلة الدولية المتزايدة.
قاعة فارغة تفضح كذب الرواية الإسرائيلية
من جهته، وصف الدكتور عبدالفتاح دولة، المتحدث باسم حركة فتح الفلسطينية، في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية"، المشهد داخل قاعة الأمم المتحدة بأنه "أثبت أنّ هذا الخطاب لم يعد يجد من ينطلي عليه، مضيفًا: "خروج غالبية الوفود وممثلي الدول قبل أن يبدأ نتنياهو كلمته كان بمثابة إدانة صريحة له، ورسالة قوية من المجتمع الدولي مفادها أن مجرمي الحرب لا مكان لهم بين الأمم الحرة".
ومن جهته، قال الدكتور صلاح عبدالعاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، في تصريحاته لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن "القاعة باتت فارغة من كل الوفود وكان نتنياهو يخاطب نفسه وهذا دليل على العزلة الدولية وعلى عدم ثقة العالم بدولة الاحتلال، إضافة إلى أن الدول ملَّت من أكاذيب نتنياهو المتكررة حول ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية".
خطاب مليء بالمغالطات والافتراءات
وانتقد "دولة" محتوى الخطاب قائلًا: "امتلأ بالافتراءات والمغالطات التاريخية، ومحاولات تزوير الحقائق، عبر استدعاء سردية المظلومية التي فقدت أي صدقية أمام العالم، بعدما تكشّف أن الاحتلال هو مصدر المأساة وصانع المظلومية الحقيقية لشعب بأكمله".
فيما شدد "عبدالعاطي" على أن "كم الأكاذيب والمغالطات في هذا الخطاب كان كبيرًا"، مؤكدًا أن نتنياهو "يكذب كما يتنفس"، وأن "جميع هذه الأكاذيب الهدف منها هو تبرير جريمة الإبادة الجماعية، ولم تعد أكاذيبه تنطلي على أحد".
رسائل مختلطة
وأشار "عبدالعاطي" إلى تفصيلة مثيرة حول استعدادات نتنياهو للخطاب، إذ "اشترط قبل سفره على جيش الاحتلال وضع مكبرات صوت أشبه لإسماع سكان غزة خطابه باللغة الإنجليزية، التي لا يعرفها معظم سكانه، في محاولة لإرسال رسائل مختلفة إلى سكان قطاع غزة ومنها إلى الداخل الإسرائيلي".
مزاعم الإرهاب وكشف جرائم الإبادة الجماعية
وفند "عبدالعاطي" بقوة المزاعم الإسرائيلية حول أحداث 7 أكتوبر، مؤكدًا أن "سردية المظلومية هذه كاذبة وهناك تضخيم لمزاعم ارتكاب الفلسطينيين أو المقاومة الفلسطينية أعمال عنف بحق المدنيين"، مضيفًا: "هذا لم يثبت، بل تم دحضها، بل اعترف الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بكذب هذه الأقاويل".
ولفت إلى أن "التحقيقات أظهرت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي هو من قام بضرب السكان المدنيين لديه"، مشيرًا إلى استعداد الفلسطينيين لـ"فتح تحقيق في هذا الأمر لمحاسبة كل من ارتكب أي خطأ ولا مانع في ذلك".
أرقام صادمة تؤكد الإبادة الجماعية
أيضًا، قدم "عبدالعاطي" إحصائيات مروعة تدحض مزاعم نتنياهو، مشيرًا إلى أن "عدد الشهداء المدنيين بشهادة الاحتلال الإسرائيلي وجيشه يزيد على 94% من تركيبة الشهداء وخاصة عن 90% من تركيبة الشهداء ومن الأطفال والنساء بواقع يزيد على 34 ألف طفل وامرأة".
وأضاف أن العدد الإجمالي وصل إلى "أكثر من 80 ألف فلسطيني شهيد -من بينهم 65 ألفًا وصلوا إلى المستشفيات والباقي تحت الركام- خير شاهد على عمق المأساة التي تسببت بها جرائم الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية"، إلى جانب "إصابة قرابة 170 ألفًا من المدنيين الفلسطينيين، وتدمير 90% من منازل وأحياء والبنى التحتية في مدينة غزة وفي مختلف مناطق القطاع".
حق مشروع وليس مكافأة للإرهاب
رد "عبدالعاطي" بحسم على مزاعم نتنياهو حول رفض الدولة الفلسطينية، مؤكدًا أن "هذا استحقاق قانوني وسياسي تأخر كثيرًا لنحو 78 عامًا، وإسرائيل هي من تمنع وجود الدولة الفلسطينية في السابق، فلو كانت إسرائيل راغبة بإيجاد حل للأزمة، لالتزمت بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وهي قرار 242 و383".
من جهته، أكدت "دولة" أن "محاولة نتنياهو استغلال المنابر الدولية لتسويق خطاب يقوم على الكذب والإنكار لا تغيّر من جوهر الحقيقة: فلسطين شعبٌ صاحب حق، يناضل من أجل الحرية والاستقلال، بينما يقف الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة الشرعية الدولية والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة كافة".
وشدد المتحدث باسم حركة فتح على أن " إعلان نيويورك وما تبعه من موجة اعترافات دولية متزايدة بدولة فلسطين، يؤكد أن إرادة الشعوب والمجتمع الدولي تتجه لترسيخ الحق الفلسطيني وتجسيد الدولة المستقلة، فيما يجد الاحتلال نفسه معزولًا بخطابه المتهاوي وجرائمه الموثقة، بلا شرعية ولا مستقبل".
مطالبة دولية بمحاسبة إسرائيل
دعا "عبدالعاطي" إلى "محاسبة إسرائيل ومعاقبتها وفرض العقوبات عليها حتى تنصاع لقواعد القانون الدولي وتنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية وتوقف الإبادة الجماعية"، مشددًا على أن "المطلوب هو محاسبة مجرم حرب مطلوب لمحكمة الجناية الدولية ولا يعقل أن يخطب من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة".
فيما أكد "دولة" أن "العالم بات أكثر وعيًا بالجرائم اليومية التي يرتكبها الاحتلال في غزة والضفة الغربية، ولأن الدم الفلسطيني الطاهر فضح زيف الرواية الإسرائيلية، وأكد أن الاستقرار والسلام لن يتحققا إلا بإنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".