الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الكلام كبير والأفعال الصغيرة.. موقف أوروبا المتناقض من غزة

  • مشاركة :
post-title
تظاهرات شعبية في أوروبا لدعم القضية الفلسطينية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تصطف الدول الأوروبية خلف خطة جماعية للاعتراف بفلسطين كدولة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وسط تصاعد حاد في انتقاد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، إذ بدأ بعض المسؤولين الأوروبيين يصفون ما يحدث بـ"الإبادة الجماعية"، إلا أن هذا الزخم الخطابي المتنامي لم يترجم بعد إلى إجراءات عملية حاسمة قادرة على تغيير مسار الأحداث على الأرض.

مقاومة ألمانية للتحركات

كشف مقال تحليلي في صحيفة "نيويورك تايمز" أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقود حراكًا دبلوماسيًا أوروبيًا واسعًا يهدف إلى زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، إذ أعلنت لوكسمبورج الأسبوع الماضي انضمامها إلى بلجيكا وبريطانيا ومجموعة من الدول الأخرى في هذا التوجه.

وخلصت لجنة أممية تحقق في أوضاع غزة إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وهو اتهام ترفضه تل أبيب بشدة وتصفه بـ"المشوّه والكاذب".

غير أن هذه التحركات تواجه عقبات جدية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، فبرغم اقتراح المفوضية الأوروبية فرض رسوم جمركية أعلى على البضائع الإسرائيلية، تلقى هذه الخطوة مقاومة شديدة من ألمانيا تحديدًا.

وحذر المستشار الألماني فريدريش ميرز الأسبوع الماضي من أن انتقاد إسرائيل أصبح "ذريعة متزايدة لنشر سم معاداة السامية"، مؤكدًا أن حكومته ستحدد موقفها النهائي من محاولات الاتحاد الأوروبي لمعاقبة إسرائيل بحلول مطلع الشهر المقبل.

إجراءات محدودة الأثر

اتخذت بعض الدول الأوروبية إجراءات منفردة أكثر حسمًا من المسار الجماعي المتعثر، إذ تعهّد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بفرض حظر دائم على بيع الأسلحة والذخيرة للحكومة الإسرائيلية، وذلك بعد إلغاء عقد بقيمة 825 مليون دولار كان مخصصًا لشراء قاذفات الصواريخ.

كما أعلنت بلجيكا خططًا طموحة لحظر الواردات من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.

لكن تحليل الخبراء يشير إلى أن هذه الإجراءات الفردية لم تترك تأثيرًا ملموسًا على مسار العمليات العسكرية في غزة، وأن الحاجة تزداد إلحاحًا لتحرك جماعي منسّق على مستوى الاتحاد الأوروبي كاملًا.

أزمة إنسانية معقدة

تكشف قصة المواطن الفلسطيني بهجت مهدي، البالغ من العمر 34 عامًا، من مدينة رفح الفلسطينية جنوب غزة والمقيم في بلجيكا منذ عام 2022، حجم التعقيدات الإنسانية التي تواجه الفلسطينيين المحاصرين في غزة.

يكافح مهدي، الذي حصل على إقامة بلجيكية عام 2024، لإخراج والده من القطاع المحاصر، إذ يتطلب الحصول على تأشيرة إنسانية التقديم شخصيًا في القنصلية البلجيكية بالأراضي المحتلة، وهو إجراء مستحيل عمليًا لمن هو محاصر داخل غزة.

وقال مهدي في تصريحات نقلتها "نيويورك تايمز": "أريد أن أفعل أي شيء من أجل بقاء والدي على قيد الحياة"، مضيفًا أنه يخوض معركة قضائية لقبول طلب تأشيرة والده عن بُعد. ويضطر للقول لنفسه ليلًا: "أبذل قصارى جهدي، لكن هذا ليس كافيًا".

ويعبر مهدي عن إحباطه قائلًا: "أحاول جاهدًا أن أقنع نفسي بأنني فعلت كل ما في وسعي، لكن الواقع أنني أشعر بالعجز".

تشير البيانات إلى أن بلجيكا تستقبل أكبر عدد من طالبي اللجوء الفلسطينيين في أوروبا بسبب سياساتها المرنة نسبيًا في الهجرة ووجود جالية فلسطينية كبيرة، لكن حتى هناك يواجه كثيرون الرفض.

وأغلقت السلطات البلجيكية قائمة الإخلاء التي ضمت حوالي 500 شخص في أبريل الماضي، بعد تجربة مريرة مع تدفق اللاجئين السوريين عام 2015 التي ساهمت في صعود اليمين المتطرف.

ضغوط دبلوماسية متزايدة

عبر أكثر من 200 سفير ودبلوماسي أوروبي سابق عن "خيبة أملهم العميقة" في رسالة وجّهوها للقادة الأوروبيين الشهر الماضي، منتقدين فشل القارة في ممارسة ضغط فعّال على الحكومة الإسرائيلية.

وأعرب وزير الخارجية البلجيكي ماكسيم بريفو عن استغرابه قائلًا: "كثيرون في الرأي العام لا يفهمون لماذا أوروبا خجولة للغاية"، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يشكّل أكبر شريك تجاري لإسرائيل ويمثل 32% من إجمالي تجارتها عام 2024.

تحاول المفوضية الأوروبية الآن اتخاذ أكبر خطوة لها حتى الآن، عبر السعي لتعليق جزء من اتفاقية التجارة مع إسرائيل، مما سيلغي المعاملة التفضيلية لمليارات اليوروهات من التبادل التجاري.

وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين: "ما يحدث في غزة هزّ ضمير العالم".

لكن كايا كالاس، كبيرة دبلوماسيي الاتحاد، أشارت إلى استمرار التحديات قائلة: "المواقف السياسية للدول الأعضاء لم تتغير عما كانت عليه سابقًا".

واعتبرت كريستينا كاوش من مؤسسة صندوق مارشال الألماني الجنوبي أن "الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين فحسب، بل بقدرة الغرب وأوروبا على دعم القانون الدولي والتعددية"، مؤكدة وجود "زخم دولي حقيقي لم نشهد مثله في فترة قصيرة"، لكنها شددت على ضرورة انتظار "الالتزامات الملموسة وليس مجرد الكلمات".