رفضَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الموافقةَ على مساعداتٍ عسكريةٍ لتايوان تتجاوزُ 400 مليونِ دولارٍ هذا الصيف، في الوقتِ الذي يحاول فيه التفاوض على اتفاقٍ تجاريٍّ وعقد قمّةٍ محتملةٍ مع الزعيمِ الصيني شي جين بينج، حسبما ذكرت صحيفةُ واشنطن بوست الأمريكية، نقلًا عن أشخاصٍ مطّلعين على الأمرِ.
قال الأشخاص إن القرارَ، الذي لا يزال من الممكنِ التراجعُ عنه، يُمثّل تحوّلًا في السياسةِ الأمريكية تجاهَ الجزيرةِ التي تتمتّع بالحكمِ الذاتي، وتعتبرها الصينُ جزءًا من أراضيها.
وأفاد شخصان مطّلعان على الأمرِ بأن الحزمةَ تبلغ قيمتَها أكثرَ من 400 مليونِ دولارٍ وكانت "أكثرَ فتكًا" من جولاتِ المساعداتِ السابقةِ لتايوان، بما في ذلك الذخائرُ والطائراتُ بدون طيارٍ.
صرّح مسؤولٌ بالبيتِ الأبيض، في بيانٍ، بأن القرارَ بشأن حزمةِ المساعداتِ لم يُحسَم بعد.
لطالما كرّس الجيشُ الأمريكي مواردَه للدفاعِ عن تايوان، في الوقتِ الذي يُكثّف فيه جيشُ التحريرِ الشعبي الصيني قواتَه بسرعةٍ ويجري تدريباتٍ عسكريةً أكثرَ تطوّرًا حولَ الجزيرةِ.
وأصدرَ الرئيسُ الصيني تعليماتِه لجيشِ التحريرِ الشعبي بأن يكون قادرًا على الاستيلاءِ على تايوان بحلولِ عامَ 2027، وفقًا لمسؤولين عسكريين واستخباراتيين أمريكيين، الذين يؤكّدون أن هذا التاريخَ ليس موعدًا نهائيًّا للغزوِ.
وقال دان بلومنثال، المسؤولُ السابق في البنتاجون، ويعملُ الآن في معهدِ أمريكان إنتربرايز: "هذا سيكون الوقتَ غيرَ مناسبٍ تمامًا للولاياتِ المتحدةِ لرفعِ قدمِها عن دواسةِ الوقود".
خفّفت إدارةُ ترامب بشكلٍ كبيرٍ من حدّةِ المنافسةِ الأمريكية مع الصينَ في محاولةٍ للتوصّلِ إلى اتفاقٍ تجاريٍّ شاملٍ مع بكين، وذلك بتخفيفِ ضوابطِ التصديرِ على أشباهِ الموصلاتِ المتطورةِ، ورفضِ تطبيقِ حظرٍ فرضَه الكونجرس على تطبيقِ التواصلِ الاجتماعي تيك توك.
وأثارت بعضُ هذه التنازلاتِ قلقَ أعضاءِ إدارةِ ترامب الأولى والمشرّعين الجمهوريين، الذين أعربوا أيضًا عن مخاوفَهم إزاءَ عدم كفاية الدعم لدفاعات تايوان المُرهَقة.
أسرعُ طريقةٍ لتعزيزِ جيشِ تايوان هي الشحنُ المباشرُ للأسلحةِ الأمريكية، وهي عمليةٌ تُعرف باسم "سلطةِ الانسحابِ الرئاسية"، وقد وافقت إدارةُ بايدن على ثلاثِ حزمٍ من هذا القبيلِ لتايوان أثناء تولّيها المنصبَ، إلى جانبِ جولةٍ أخرى من المساعداتِ العسكريةِ طويلةِ الأجل، بلغ مجموعُها أكثرَ من ملياري دولارٍ.
وعدَ ترامب بسياسةٍ خارجيةٍ أمريكيةٍ أكثرَ شموليةً، ولا يدعمُ إرسالَ أسلحةٍ دونَ مقابلٍ، وهو النهج نفسه مع أوكرانيا، فبدلًا من الاستمرارِ في تقديمِ المساعداتِ الأمنيةِ لكييف، دفعَ الرئيسُ ببرنامجٍ تشتري بموجبه الدولُ الأوروبيةُ أسلحةً أمريكيةً ثم تتبرّع بها للجيشِ الأوكراني.
يمنحُ الكونجرس الأمريكي الإدارةَ مليارَ دولارٍ سنويًّا كسلطةٍ لإرسالِ مساعداتٍ أمنيةٍ إلى تايوان، وهو مبلغٌ يُعاد تحديدُه بنهايةِ السنةِ الماليةِ في سبتمبر. وقد وافقت إدارةُ الرئيس السابق جو بايدن على حزمةٍ بقيمةِ 571 مليونِ دولارٍ قبل فترةٍ وجيزةٍ من مغادرتِها المنصبَ.
تتمثّل وجهةُ نظرِ إدارةِ ترامب في أن تايوان، ذاتَ الاقتصادِ الكبيرِ والمزدهرِ، يجب أن تشتري أسلحتَها الخاصةَ، على غرارِ الدولِ الأوروبيةِ، وهو رأيٌ يُشاطره بعضُ الديمقراطيين في الكونجرس.
في اجتماعٍ بين مسؤولي الدفاعِ الأمريكيين والتايوانيين في أنكوريج الشهرَ الماضي، اتفق الجانبانِ على صفقةٍ ضخمةٍ لبيعِ الأسلحةِ، وفقًا لما ذكره أشخاصٌ مطّلعون على المحادثاتِ.
وتعتزمُ تايوان دفعَ ثمنِ الجولةِ الجديدةِ من الأسلحةِ، التي قد تصل قيمتُها الإجماليةُ إلى ملياراتِ الدولاراتِ، من خلالِ إقرارِ مشروعِ قانونٍ إضافيٍّ للإنفاقِ الدفاعي قيدَ المناقشةِ حاليًّا في هيئتِها التشريعيةِ.
وأضاف المصدرانِ أن الحزمةَ ستقتصرُ بشكلٍ شبه كاملٍ على معداتٍ "غير متماثلةٍ"، مثل الطائراتِ بدون طيارٍ والصواريخِ وأجهزةِ الاستشعارِ لمراقبةِ ساحلِ الجزيرةِ.
ومع ذلك، قد يستغرق تسليمُ هذه الأسلحةِ من الجيلِ التالي سنواتٍ. تنتظرُ تايبيه بالفعل أسلحةً بملياراتِ الدولاراتِ – بما في ذلك طائراتٌ مقاتلةٌ من طراز F-16 وصواريخُ هاربون المضادةُ للسفنِ.
وتعتزمُ تايوان إنفاقَ 3.3% من ناتجِها المحلي الإجمالي على الدفاعِ العام المقبل، وهو رقمٌ سعت إلى زيادتِه، حيث دعا ترامب إلى تحديدِ نسبةِ 10% كمعيارٍ. صرّح الرئيسُ لاي تشينج تي في أغسطس، أن الجزيرةَ ستنفق 5% من الناتجِ المحلي الإجمالي بحلولِ عامَ 2030.
ولطالما حثّت الحكومةُ الأمريكية تايوان على شراءِ مزيدٍ من الأسلحةِ منخفضةِ التكلفةِ لمواجهةِ التفوّقِ الهائلِ للصينَ في السفنِ والطائراتِ والصواريخِ، إلا أن القيامَ بذلك سيُصعّب أيضًا تحقيقَ مثلِ هذه الزياداتِ الجذريةِ في الإنفاقِ الدفاعي.
في عهدِ إدارةِ ترامب الأولى، وافقت الولاياتُ المتحدةُ على مبيعاتِ أسلحةٍ لتايوان بقيمةٍ تقارب 20 مليارَ دولارٍ، ذهبَ معظمُها إلى منصّاتٍ باهظةِ الثمنِ مثل طائراتِ إف-16 المقاتلةِ ودباباتِ أبرامز.
ومنذ عودتِه إلى منصبِه، أرسلَ ترامب إشاراتٍ متضاربةً تجاهَ الصينَ وتايوان، بدءًا من شنِّ حربٍ تجاريةٍ مفاجئةٍ مع بكين في أبريل، ووصولًا إلى اتّهامِ تايبيه بسرقةِ صناعةِ أشباهِ الموصلاتِ الأمريكيةِ.
ألغت الإدارةُ اجتماعاتٍ بين كبارِ مسؤولي الدفاعِ الأمريكيين والتايوانيين، ومنعت لاي من القيامِ برحلةٍ مخططةٍ إلى نيويورك ودالاس في أغسطس.
وكرّر ترامب مرارًا وتكرارًا أن الصينَ لن تغزو تايوان خلال فترةِ ولايتِه. هذا الأسبوعَ، أبلغت الإدارةُ الكونجرس بشكلٍ غير رسمي باحتمالِ بيعِ أسلحةٍ بقيمةِ 500 مليونِ دولارٍ لتايوان، وفقًا لمساعد في الكونجرس تحدّث شريطةَ عدمِ الكشفِ عن هويتِه لمناقشةِ مسائلَ حساسةٍ، ورفضَ تحديدَ المعداتِ المُشترَاةِ.
في غضونَ ذلك، أجرى كبارُ مسؤولي ترامب مكالماتٍ مع نظرائِهم الصينيين في الأسابيعِ الأخيرةِ، في الوقتِ الذي يستعدُّ فيه الرئيسُ لقمّةٍ محتملةٍ مع شي جين بينج هذا الخريفِ.
وأوضح وزيرُ الدفاعِ الأمريكي بيت هيجسيث، الذي تحدّث هذا الشهرَ مع نظيرِه الصيني، الأدميرال دونج جون، أن "الولاياتَ المتحدةَ لا تسعى إلى صراعٍ مع الصينَ، ولا تسعى إلى تغييرِ النظامِ أو خنقِ جمهوريةِ الصين الشعبيةِ".