على طاولة واحدة طويلة داخل قلعة بريطانية عمرها قرابة ألف عام، جلست نخبة من أغنى وأوسع شخصيات العالم نفوذًا وشبكة علاقات جنبًا إلى جنب، بينما كان ضيف الشرف في منتصف الطاولة، يرتدي ربطة عنق بيضاء، ويبدو في غاية السعادة، حيث كان يُعامل معاملة الملوك – التي يحبها – من قبل ملوك حقيقيين.
بدا العشاء الرسمي الذي أقامه ملك بريطانيا تشارلز الثالث للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الأربعاء في قلعة وندسور، بمثابة "عرض جديد"، كما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز"، التي أشارت إلى أن العشاء كان "عرضًا براقًا للأقوياء الذين يتفوقون على أنفسهم لكسب (أو الحفاظ على) تأييد رئيسٍ اتسمت ولايته الثانية باستعراضاتٍ للقوة الغاشمة".
وقد اتخذت هذه الاستعراضات بشكلٍ متزايد شكلَ انتقامٍ من أعداءٍ مُفترضين في الداخل وتحالفاتٍ مُمزقةٍ في الخارج.
قال تشارلز: "إنّ الرابطة بين بلدينا رائعةٌ حقًا. وإذ نجدد روابطنا الليلة، فإننا نفعل ذلك بثقةٍ راسخةٍ في صداقتنا والتزامنا المشترك بالاستقلال والحرية". وبدا الرئيس مسرورًا للغاية من الأمر برمته؛ بل ولم يبدُ عليه أي انزعاج عندما استخدم الملك خطابه للحث بلطف على دعم القضايا البيئية والحاجة إلى دعم أوكرانيا.
ضيف مهم
عادةً ما تُقام المآدب الملكية الرسمية في قصر باكنجهام بلندن، لكن هذا القصر القديم يخضع حاليًا لأعمال تجديد. علاوةً على ذلك، سبق لترامب أن حضر عشاءً رسميًا هناك في آخر مرة تولى فيها الرئاسة.
وعندما نهض ترامب وقال: "إنه لشرفٌ عظيم أن أكون أول رئيس أمريكي يُستقبل هنا"، تناسى أن رؤساء أمريكيين آخرين استُقبلوا في المكان ذاته، بمن فيهم هو نفسه في ولايته الأولى، وإن لم يكن ذلك في عشاء رسمي.
تلفت "نيويورك تايمز" إلى أن هدف بريطانيا واضح: "لقد كان أفراد العائلة المالكة يعملون جنبًا إلى جنب مع الحكومة البريطانية، حيث أغدقوا الاهتمام والتكريم على الرئيس يوم الأربعاء حتى يكون أكثر مرونة في المفاوضات مع أقدم حليف لأمريكا في اجتماعه الدبلوماسي مع رئيس الوزراء يوم الخميس".
على بقية الطاولة، كان هناك 160 شخصًا يجلسون في قاعة المأدبة، و1452 قطعة من أدوات المائدة تُصدر رنينًا وأصوات احتكاك بين أيدي أقطاب الإعلام والممولين والسياسيين وعمالقة التكنولوجيا. وكان بين أصحاب النفوذ أعضاءٌ من حكومة ترامب وكبار مساعدي البيت الأبيض.
لذلك، كان من المفترض أن يُحفظ جدول الجلوس لعشاء الأربعاء داخل القلعة، وأن يُدرس بعد ألف عام كوثيقة شيقة عن تاريخ الغرب. أو كما قالت الصحيفة الأمريكية: "لم تكن هذه مائدة لمغنيي البوب، أو نجوم السينما، أو المشاهير، أو مشاهير الموضة، الذين لطالما سعى ترامب لضمّهم. لم يكن الأمر متعلقًا بسلطة النجوم، بل بالسلطة الحقيقية".
جلس رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى جانب ستيفن شوارزمان، الخبير المالي والرئيس التنفيذي لشركة "بلاكستون"، المقيم في نيويورك. وجلس على الجانب الآخر من الطاولة برايان موينيهان، الرئيس التنفيذي لـ "بنك أوف أمريكا". وكذلك جلس سام ألتمان، رائد الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون، إلى جانب كيمي بادينوك، زعيمة حزب المحافظين البريطاني.
أيضًا، كان ديميس هاسابيس، مدير "ديب مايند"، مختبر الذكاء الاصطناعي السري في لندن والمملوك لشركة "جوجل"، حاضرًا، وكذلك ساتيا ناديلا، المسؤول التنفيذي الأول في "مايكروسوفت"، ومارك بينيوف، المؤسس المشارك لشركة "سيلزفورس".
حضور خاص
حضر المائدة تيم كوك، رئيس شركة "آبل"، الذي ظهر في المكتب البيضاوي قبل بضعة أسابيع فقط، ليُهدي ترامب أمام عدسات الكاميرات قطعة من زجاج "كورنينج" المصنوع يدويًا في حامل من الذهب عيار 24 قيراطًا.
وكانت هذه الكأس بمثابة تكريم لاستثمار شركته في الولايات المتحدة، ولمساعدته أيضًا في تحسين علاقته بترامب، الذي استاء من قرار المدير التنفيذي لشركة "آبل" عدم الانضمام إلى زملائه من عمالقة التكنولوجيا في الشرق الأوسط في مايو الماضي لزيارة الرئيس إلى المنطقة. وكان ترامب قد لاحظ غياب كوك، وسخر منه علنًا خلال محطتين من رحلته.
هكذا، كان كوك جالسًا بجانب تيفاني ترامب في قاعة المأدبة. وباستثناء السيدة الأولى، ميلانيا ترامب، التي جلست بين الملكة كاميلا والأمير ويليام، كانت تيفاني وزوجها هما أقارب ترامب الوحيدين الحاضرين.
لكن كان هناك ضيف على العشاء بدا وجوده ذا دلالة خاصة. على الجانب الآخر من الطاولة جلس قطب الإعلام روبرت مردوخ، الذي تربطه بالسيد ترامب علاقة طويلة ومتشابكة ومتقطعة.
قبل بضعة أشهر، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، جوهرة تاج إمبراطورية مردوخ الصحفية، قصة عن صداقة ترامب السابقة مع مرتكب الجرائم الجنسية جيفري إبستين، مما دفع الرئيس إلى إنكار القصة ومقاضاة الصحيفة ومالكها.
ورغم أن موقع مردوخ في قاعة المأدبة كان بعيدًا عن الطاولة لدرجة أنه كان خارج نطاق رؤية الرئيس، فإنه كان يُلقي خطابًا عن عظمة ترامب، وهو يجلس بجانب مورجان ماكسويني، رئيس موظفي رئيس الوزراء البريطاني وذراعه اليمنى، الذي يتعرض حاليًا لانتقادات شديدة في وسائل الإعلام، وخاصةً في صحف مردوخ.