الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مدبولي: مصر مستهدفة ضمن محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة

  • مشاركة :
post-title
رئيس الوزراء المصري يلتقي عددًا من رؤساء التحرير الصحف والمواقع المصرية

القاهرة الإخبارية - أحمد منصور

عقد رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، اليوم الثلاثاء، لقاءً مفتوحًا مع عدد من رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية المصرية، بمقر الحكومة في العاصمة الإدارية الجديدة، لمناقشة مجموعة من القضايا والموضوعات المطروحة على الساحتين المحلية والإقليمية في الوقت الراهن، والاستماع إلى آرائهم وأفكارهم حيال تلك القضايا.

وحضر اللقاء كل من المهندس خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، والمهندس عبدالصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وأحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات.

تناول الحديث ملفين مهمين، هما "الملف السياسي، والملف الاقتصادي"، إذ سرد ملخصًا للوضع الراهن والموقف السياسي المصري حيال مختلف القضايا الآنية، كما تحدث عن كل ما يتعلق بالوضع الاقتصادي في مصر، ومختلف المؤشرات المتعلقة بذلك، بما تتضمنه من نمو اقتصادي، ومعدلات التضخم، وسعر الصرف، وغيرها من المؤشرات الأخرى.

فيما يتعلق بالملف السياسي، دار حديث رئيس مجلس الوزراء المصري، عن الأوضاع الراهنة التي يشهدها العالم أجمع، وما تتضمنه من تغيرات جيوسياسية واضحة، وفي القلب منها منطقة الشرق الأوسط، وما تعيشه من أحداث جسام متلاحقة، لا سيّما ما شهدته خلال العامين الأخيرين وحتى الآن، كما تخلل الحديث الوضع السياسي في الدولة المصرية، والموقف الثابت لمصر حيال مختلف القضايا والملفات، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية واجتياح قطاع غزة.

وأشار رئيس مجلس الوزراء المصري، إلى حرص الحكومة على مناقشة مختلف القضايا والموضوعات والتواصل بشأنها مع جميع الجهات المعنية بخلق الوعي والرأي العام في مصر، مشيرًا إلى أن لقاء اليوم يأتي في إطار سلسلة لقاءات تم عقدها مع عدد من المفكرين وقادة الرأي والسياسيين، وكان هناك لقاء مماثل للقاء اليوم منذ عام، معربًا عن ترحيبه برؤساء المجالس والهيئات الإعلامية، مؤكدًا أنه سيحاول خلال اللقاء تبادل الرؤى والأفكار، لافتًا إلى أن آلية التواصل خلقت نوعًا من تقارب الأفكار، خاصة مع منتسبي القطاع الخاص، من خلال اللجان الاستشارية المتخصصة، إذ كان للقاءات التي يتم عقدها معهم مردود إيجابي كبير، إذ أتاحت لنا التعرف أيضًا على المشكلات التي تواجههم مع طرح حلول لها.

الملف السياسي

وبدأ رئيس مجلس الوزراء المصري، حديثه بالشأن السياسي، مشيرًا إلى الوضع الحالي في غزة، وما حدث مؤخرًا من استهداف دولة شقيقة وهي قطر، وقال: "لعلكم تابعتم مخرجات القمة العربية والإسلامية التي عقدت أمس في العاصمة القطرية الدوحة، والكلمة التاريخية التي ألقاها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرسائل القوية التي تضمنتها وأثارت الرأي العام المحلي والعالمي في بعض الرسائل الواضحة للغاية، لا سيّما توجيه الحديث للشعب الإسرائيلي نفسه من أن ما يحدث حاليًا يهدد المكتسبات التي تحققت على مدار العقود الماضية في عملية السلام، ولذا فلا بد أن نكون جميعًا متحسبين كشعوب قبل القيادات لمستقبلنا، إذ نبتغي جميعنا السلم والأمن، لكن ما يحدث لا ينبغي السكوت عليه، لأنه سيجرنا إلى أبعاد أخرى، وهو ما يؤكده دوما الرئيس السيسي منذ أول رسالة قالها من أن هذا الأمر لن يتوقف على غزة، بل من الممكن أن يجر إلى صراعات إقليمية كبيرة، وهو ما حدث بالفعل على مدار العامين الماضيين، إذ وصلت الأوضاع إلى أبعاد لم نكن جميعًا نتخيلها، وهذا الوضع يتزامن معه حدوث تغيرات على المستوى العالمي، ولا يقتصر على المنطقة، إذ اتخذت الصراعات أبعادًا أخرى غير الصراعات العسكرية والسياسية، فهناك حروب بكل ما تعنيه الكلمة (اقتصادية وتجارية) يشهدها العالم.

وفي الإطار نفسه، قال مدبولي، إن الرئيس المصري شرفني بالحضور نيابة عنه في قمتين عالميتين باليابان والصين، وبالفعل كان هناك فرصة جيدة للاستماع إلى رؤساء وقادة عدد كبير جدًا من الدول الكبيرة والمتوسطة والتي تتلاءم مع ظروفنا، لكن كان هناك دول كبيرة كالصين وروسيا والهند وإيران وتركيا، والعديد من دول أوروبا، إذ أكد الجميع في كلماتهم أن العالم يمر بمرحلة مخاض جديد، حيث نشهد تغيرًا كاملًا في شكل الخريطة والتركيبة السياسية، كما يتغير شكل العالم كله في هذه المرحلة، ولا توجد دولة تستطيع وحدها أن تتواكب مع حجم التحديات، فلا بد أن يكون هناك تعاون وتحالفات فيما بينها، وهو ما أكدته أكبر الدول وأكبر الاقتصادات، إذ يؤكد رؤساء تلك الدول هذا الأمر بوضوح من أن العالم يمر بمرحلة شديدة الضبابية، وليس هناك تصور واضح لما يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة.

وأضاف رئيس الوزراء المصري: "هذا الوضع يدعونا للتماسك والتعاون المشترك مع كل الدول لمواجهة تلك التحديات، لأنها مرحلة شديدة الدقة"، منوهًا إلى العملية البرية التي شهدها قطاع غزة، قائلًا: "هذا يدعونا في الفترة المقبلة إلى أن نكون متحسبين دائمًا لإعلاء الأمن القومي المصري والعربي، وهذا ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسي، في كلمته أمس خلال القمة العربية الإسلامية بالعاصمة القطرية الدوحة، وفي كل اللقاءات والمحادثات التي يجريها مع جميع قيادات العالم، فموقف مصر ثابت وهناك احترام شديد من قادة العالم لموقفها في هذه القضية تحديدًا، واحترام لموقفها الثابت والواضح ودعمها.

واستطرد، في ظل ذلك، نعمل كدولة اليوم في خضم عالم ومنطقة شديدة الاضطراب، وهناك تداعيات لتلك الأوضاع بالتأكيد على الداخل المحلي، وهذا يدعونا دائمًا، وهي مهمة الإعلام بصورة كبيرة، أن نعمل على زيادة وعي المواطن المصري تجاه التحديات التي تواجهه وتواجه مصر، وليس الحكومة أو النظام السياسي للدولة وإنما تواجه مصر، ويجب أن نقوم بتحليل الوضع بشكل عام من حولنا.

وقال بوضوح شديد: "مصر مستهدفة ضمن محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة، لذا لا بد أن نكون جميعًا على وعي بأن قوة مصر وعدم القدرة على المساس بها تبدأ من الداخل"، مؤكدًا ضرورة أن يكون هناك دائمًا استمرار في التماسك الداخلي بين كل مفاصل الدولة وعلى رأسها المواطن المصري، وأن يكون واعيًا بحجم التحديات التي تواجه الدولة المصرية ومدركًا أنه كلما كانت الدولة متماسكة وهناك تعاون بين جميع مؤسساتها رغم وجود تحديات وسلبيات نعمل جميعًا على تحسينها، يظل الأمر الوحيد المحوري الذي يجعل الدولة بعيدة عن أي محاولات للنيل منها، هو الاستقرار والتماسك الداخلي.

وأكد أن الفترة الأخيرة شهدت تسارعًا على ضخ استثمارات أجنبية في مصر، فالمستثمر ذاته يؤكد أن مصر تتمتع بالاستقرار، ويؤكدون أنهم مطمئون إلى أن الدولة مستقرة، ورغم تحسن كل المؤشرات، فلا بد أن يشعر المواطن أنه جزء من الحرب التي تدار على هذا البلد، وكذا حجم الشائعات الكبير الذي يتم تناقله على مدار الساعة، بهدف التشكيك في كل ما تقوم به الدولة، ومن أجل نزع الأمل من المواطن في أي يكون هناك مستقبل أفضل، وهي كلها محاولات للنيل من الاستقرار الداخلي، وهذا ما نواجهه اليوم كدولة، المتمثل في الحروب غير التقليدية التي نواجهها وهذه الشائعات تعتبر جزءًا من تلك الحروب.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي: "حاولت إيضاح موقف مصر السياسي الثابت والواضح، فمصر تحافظ على أمنها القومي وعلى أمنها العربي، ونسعى دومًا لأن يكون هناك تنسيق كامل أيضًا مع الدول الإسلامية وإحداث نوع من التكامل فيما بيننا مع جميع التحديات القائمة، ونحن نعمل على ذلك في ضوء الثوابت والسياسة المصرية الراسخة، مؤكدًا "نحن نتيقن خلال متابعتنا للأحداث اليومية في المنطقة من الإدارة الحكيمة والرشيدة للرئيس السيسي، حيال هذه الملفات على وجه التحديد، وأن النهج الذي تتبعه الدولة المصرية هو الذي أسهم في الاستقرار الذي نعيشه اليوم، فمصر قادرة أن تقف بقوة وتضع أولوياتها وتصنع مواقفها رغم كل هذه التحديات التي نشهدها في المنطقة.

الملف الاقتصادي

وانتقل رئيس مجلس الوزراء المصري للملف الاقتصادي، لا سيّما أن الحكومة هي المعنية بهذا الملف، متحدثًا عن الوضع الاقتصادي الحالي للدولة المصرية، الذي يتسم بأنه الأفضل مما كانت عليها خلال سنوات مضت، وقال: "لعل الأرقام المنشورة التي تحمل مؤشرات مهمة عن وضعنا الاقتصادي تؤكد ذلك، لكن يظل التساؤل والتعليقات التي يتم رصدها على مواقع التواصل الاجتماعي متى يشعر المواطن المصري بهذا التحسن، ومتى يجني ثمار تلك المؤشرات التي تنشرها الحكومة بصفة مستمرة؟، خاصة مع ما يتعلق بنمو الاقتصاد بنسبة تتراوح بين 4.2 – 4.3%، مقارنة بـ 2.4%، العام الماضي، وأيضًا مع تراجع معدلات البطالة، وكذلك مع تحسن ميزان المدفوعات، وزيادة صادراتنا للخارج، وهذه الأرقام والمؤشرات لا ندَّعيها ولكن هي بشهادات من مؤسسات دولية معترف بها، تشير إلى أن هناك مؤشرات إيجابية لنمو الاقتصاد المصري، فضلًا عن زيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وأيضًا تحسن سعر الصرف، لافتًا إلى أن ذلك أدى لتحسن أرقام الصادرات المصرية، وهو ما أكده رجال القطاع الخاص في اجتماعي بهم، لا سيّما في اللقاء مع رؤساء ومسؤولي المجالس التصديرية، رغم أنه قد يقال أن سعر الصرف يؤثر في بعض الفترات على زيادة الأسعار ولكن حينما تستقر الأوضاع وخاصة مع تراجع معدلات التضخم، إذ وصل في أحدث الإحصائيات إلى 12%، مذكرًا بأن الحكومة حينما بدأت الاصلاح الاقتصادي منذ عام، قلنا إنه خلال عام 2026 سنشهد تراجعًا للتضخم بأقل من 10%، وشكك البعض في هذه الأرقام، إلا أننا اليوم نجني ثمار الإصلاحات التي أجرتها الدولة، وتحمل المواطنون كثيرًا معنا خلال هذه الفترة.

وأضاف رئيس الوزراء المصري، خلال لقائه برؤساء تحرير الصحف المصرية، أنه على مدار الفترة الماضية شهدت العديد من المجالات تحسنًا كبيرًا، مستشهدًا على ذلك بالتنمية الكبيرة التي شهدها قطاع الإسكان؛ إذ تم القضاء على المناطق غير الآمنة التي كانت "سُبة في جبين المواطن"، وتم نقل 300 ألف أسرة أو مليون ونصف المليون مواطن إلى مناطق تحظى بخدمات ذات مستوى عالٍ.

وتابع: "مصر شهدت تطورًا كبيرة في مشروعات الإسكان الاجتماعي وتطوير العشوائيات والبنية الأساسية، وكذلك مشروعات تغطية الصرف الصحي في الريف والحضر، التي سجلت أرقامًا كبيرة للغاية"، مشيرًا أيضًا لما تم إنجازه على صعيد شبكات الطرق والبنية الأساسية لوسائل النقل الجماعي، التي شهدت طفرة حقيقية.

الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة

كما استعرض رئيس الوزراء المصري ما تم إنجازه في عدد من الملفات المهمة مثل الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة، قائلًا: "على صعيد برامج الحماية الاجتماعية، فإن هناك 7 ملايين أسرة استفادت وتستفيد من برنامج "تكافل وكرامة"، فضلًا عن برامج الحماية الاجتماعية الأخرى".

وأضاف "فيما يتعلق بملف الصحة فإن مصر كانت من أكبر الدول من حيث معدلات الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي "سي" واليوم أصبحنا من أقل دول العالم من حيث الإصابة بهذا الفيروس، ونتيجة ذلك حظيت مصر بإعلان منظمة الصحة العالمية كواحدة من أوائل الدول الخالية من الفيروس أو ذات معدلات أقل للإصابة بهذا المرض".

وفي السياق نفسه، تطرق رئيس الوزراء المصري إلى الحديث عن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار، مشيرًا إلى أنه منذ بدء العمل بهذه المبادرة عام 2018- 2019، استطاع القطاع الطبي في مصر إجراء عمليات زراعة كلى وكبد وعمليات قلب مفتوح وغيرها من التدخلات الجراحية المختلفة لأكثر من 2.8 مليون مواطن مصري.

وقال: "استطعنا تجاوز الأزمة التي خلفها فيروس "كورونا"، كما نجحنا في مبادرات صحية مختلفة مثل 100 مليون صحة والكشف عن الأمراض غير السارية، ولا تزال الدولة المصرية تعمل على هذه المبادرات".

كما تطرق إلى الحديث عن منظومة التأمين الصحي الشامل، قائلًا إنه بحث أمس مع الدكتو خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية، وزير الصحة والسكان، وعدد من المسؤولين سُبل الإسراع في تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل، إذ يتم حاليًا دراسة إدخال محافظة الإسكندرية مع المرحلة الثانية، وخلال العامين المقبلين ستشمل مظلة التأمين الصحي الشامل أكثر من ربع السكان في مصر.

وفي السياق نفسه، أضاف "أدعوكم لمراجعة منظومات التأمين الصحي الشامل على مستوى العالم من حيث الوقت المستغرق للتطبيق، وكذا من حيث تكاليفها المالية"، مشيرًا إلى أن هناك دولًا فشلت في تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل على الرغم من الإمكانات المالية الكبيرة التي تتمتع بها، وكل هذه أمثلة على المجهود المبذول من أجل تحسين جودة الحياة للمواطن المصري.

كما تحدث عن مشروع المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" لتطوير قرى الريف المصري، الذي يعمل على إحداث تغيير جذري في شكل الريف المصري، مشيرًا إلى أنه يتم الانتهاء من المرحلة الأولى والبدء في المرحلة الثانية، والدولة المصرية أنفقت المليارات لتنفيذ المشروع.

وتطرق رئيس الوزراء أيضًا إلى برامج الدعم المقدمة من الحكومة، مشيرًا إلى أن مخصصات الدعم لا تزال هي الأكبر ضمن مخصصات الموازنة.

وجدد رئيس الوزراء المصري، التأكيد أن هناك جهودًا مهمة ومحاولات تبذلها الحكومة من أجل تحسين جودة حياة المواطن المصري، على الرغم من وجود تحديات كبيرة، تتطلب الكثير من الجهد والمزيد من الوقت حتى نشهد مستويات التحسن المأمولة، مشيرًا إلى أن الدولة العملاقة "الصين" التي استغرقت أكثر من 50 سنة لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، ما زالت حتى هذه اللحظة تصر على تعريف نفسها بأنها دولة ناشئة، أو نامية، وخلال الفترة القصيرة الماضية، أعلنت تجاوزها ما يطلق عليه الفقر المدقع، مع حجم الإنجاز والابهار الذي نراه في هذه الدولة، لافتًا إلى أن بناء الدول يتطلب المزيد من الوقت والجهد، مؤكدًا أهمية استمرار هذا الجهد، وليس الارتباط بمرحلة معينة.

وفيما يتعلق بالرؤية الاقتصادية للدولة المصرية، خلال الفترة المقبل، في ظل تواجد العديد من التحديات والتغيرات والظروف والمؤثرات الجيوسياسية، وتداعيات ما يحدث من حرب بقطاع غزة على الاقتصاد المصري، أشار رئيس الوزراء المصري إلى أنه يجب علينا كحكومة أن نتحسب لهذا الأمر على الرغم من عدم تدخلنا في حدوثه، لافتًا إلى الجهود التي تمت في إطار مرحلة الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016، وهو ما مكّن الدولة المصرية خلال الفترة القصيرة الماضية، من ضبط السياسة النقدية، وبدء حدوث العديد من المعدلات والمؤشرات المالية الإيجابية، من الاستثمارات وتحقيق فائض أولي بالموازنة، إلى جانب حوكمة الاستثمارات العامة، وتعزيز دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية.

وفي السياق ذاته، لفت رئيس الوزراء المصري إلى أن القطاع الخاص تجاوز نصيبه من إجمالي الاستثمارات الـ60% خلال العام الأخير، مؤكدًا أن القطاع الخاص الآن يقود مختلف عمليات التنمية والاستثمارات، ونحن كدولة نعمل كمنسق وميسر لهذا القطاع، وأن الدولة ستظل متواجدة في عدد من القطاعات التي تفوق قدرات وإمكانات القطاع الخاص، وأن دور الدولة سيظل مهمًا في الاقتصاد المصري في مجموعة من القطاعات، بالنظر لحجم الدولة المصرية، ومتطلباتها فيما يتعلق بإتاحة المزيد من فرص العمل، ودفع المزيد من الاستثمارات، وهو ما يحتم استمرار الدولة بجانب القطاع الخاص، ولكن مع إعطائه الفرصة والدور الأكبر في هذا الشأن.

وأضاف رئيس الوزراء المصري في الإطار نفسه: "ذلك هو ما دعا الحكومة إلى وضع رؤية واضحة ومتكاملة للاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس المقبلة، ومن هنا تم إطلاق "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية" للحوار المجتمعي مؤخرًا، مشيرًا إلى أن وزارة التخطيط وضعت الملخص التنفيذي والتقرير الكامل لهذه السردية على المنصة الخاصة بهذا الملف؛ لبدء تنفيذ ما تم إعلانه من وجود فترة الشهرين ونصف الشهر أو ثلاثة أشهر لإحداث نوع من الحوار المجتمعي بمشاركة مجموعة من الخبراء والمهتمين والمعنيين بالشأن الاقتصادي، لمساعدة الحكومة في صياغة نهائية لهذه السردية، بحيث يتم الانتهاء إلى خطة اقتصادية واضحة ومتكاملة للدولة المصرية، تتضمن مختلف مناحي الاقتصاد المصري، وما يشمل ذلك من صناعة وسياحة وزراعة، واتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وقطاعات خدمية مختلفة، من شأنها أن تقود الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، لافتًا إلى أن مختلف هذه القطاعات هي قطاعات مستدامة، ليست مرتبطة بالأموال الساخنة، أو القروض، بل هي قطاعات منتجة تضمن استقرار الاقتصاد المصري ودفعه لتحقيق المزيد من المعدلات المرجوة.

كما أكد رئيس الوزراء المصري أن ما نشهده من زخم وجذب لمزيد من الاستثمارات لم يكن ليحدث لولا اهتمام الدولة المصرية بتنفيذ العديد من المشروعات في مجال البنية الأساسية، فلا توجد استثمارات دون طاقة ولا شبكات طرق ولا موانئ ولا مياه ولا خدمات لتحسين الإجراءات الموجودة ولا قطاع مصرفي مستقر، كل ذلك هو ما يجعل فيما بعد القطاع الخاص يبدأ صناعات والأنشطة الاستثمارية تتحرك بقوة وتتسارع، خلال الفترة المقبلة. هذا كله يتم وضعه من خلال الحوار المجتمعي، الذي سيقود الحوار المجتمعي ويكون على رأس كل مجموعة عمل خبير مستقل لا ينتمي إلى الجهاز الحكومي حتى يكون قادرًا على صياغة كل التوصيات ويستمع إلى كل الآراء من مختلف الفئات، ويساعد الدولة أن تنتهي قبل نهاية هذا العام إلى وجود رؤية اقتصادية متكاملة مبنية على كل الجهود التي تمت في رؤية مصر 2030 والإستراتيجيات التي أُعِدّت بمشاركة قطاعات مختلفة في برنامج الحكومة، إذ تكون شيئًا متكاملًا يوجّه الدولة المصرية للمرحلة المقبلة.

وأضاف: "كل ذلك نتاج عمل وجهد وطني مصري وليس جهد أي مؤسسات دولية، لأن هذا الأمر دائمًا ما يُثار، ونتمنى أن تخرج مصر من عباءة صندوق النقد الدولي، ونؤكد مع إنهاء الأزمة الاقتصادية أن مصر أصبحت على المسار السليم ولن تحتاج إلى برنامج جديد في هذا الأمر، ونحن نتحدث على مدار خمس سنوات لضمان استجابة وتسارع نمو الاقتصاد المصري.

كما أوضح أن التحدي الذي نواجهه اليوم يُطلَق عليه العجز التجاري، ونعمل عليه بقوة من خلال تحسين الصادرات المصرية التي ترتفع اليوم بالأرقام من 20 إلى 22%، مقابل أن وارداتنا تزيد بنسبة 3 أو 4%، ونؤكد أن 80% من واردات مصر هي مواد خام ومستلزمات داخلة في الصناعة، وليست سلعًا كمالية وإنما هي جزء من عملية التصنيع.

وقال رئيس الوزراء المصري، إن العمل القائم اليوم من خلال المجموعة الوزارية للتنمية الصناعية والجهات المختصة هو كيفية تكوين ما يُطلَق عليه سلاسل التغذية، إذ تكون المواد الخام جزءًا منها محليًا، وبالتالي كلما قدرنا كدولة نقلل من الاعتماد على استيراد مثل هذه النوعيات. ولكن الأهم حتى نحافظ على أسعار المنتجات والسلع هو أن يأمل المواطن أن تبقى الأسعار ثابتة أو تنخفض تدريجيًا، وهذا ما يتحكم فيه العرض والطلب؛ فكلما كان هناك وفرة في العرض وتبادل مستمر في كل السلع ثبتت الأسعار وانخفضت مع مرور الوقت.

وأضاف: "وقت الأزمة الاقتصادية التي شهدناها كان نتيجة لعدم وفرة المواد اللازمة لمستلزمات الإنتاج، إذ كانت المصانع تعمل بـ20 أو 30% فقط من طاقتها، ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار وظهرت موجات التضخم. أما اليوم فلا يوجد مصنع لا يعمل بنسبة 100% إذا أراد، بما في ذلك مصانع الأسمدة".

وتابع: "من المهم جدًا أن تكون لدى الدولة المصرية بدائل كثيرة لتلبية احتياجاتها من الغاز، وعندما نتحدث عن الدولة فإن هذا يشمل كل قطاعاتها الصناعة والطاقة وكل شيء. نحن في مصر نعتمد في إنتاج الطاقة الكهربائية على الغاز الطبيعي، إذ يُشكل 60% من طاقتنا، وبالتالي فإن جزءًا من خطة الدولة المصرية في المرحلة المقبلة التوسع والتسريع الشديد في وتيرة إدخال الطاقات المتجددة.

ولفت رئيس الوزراء المصري، إلى أنه من 20 إلى 25% من الطاقات التي يتم توليدها في مصر هي طاقات جديدة ومتجددة، بدءًا من الطاقة المائية عن طريق السد العالي والقناطر على مستوى الجمهورية، هذا إلى جانب الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بمتوسط يصل اليوم إلى نحو 22%، موضحًا أننا كنا نستهدف الوصول إلى 42% بحلول عام 2030، منوهًا في هذا الصدد إلى توجيهات الرئيس السيسي، بالعمل على تبكير هذا التوقيت، ليس كنوع من الرفاهية أو التماشي مع التغيرات المناخية والطاقة النظيفة، بل لدخول المزيد من الطاقة من هذه المصادر الجديدة والمتجددة، وهو الذي يسهم في تخفيض الاستهلاكات من الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء، وتوجيهه إلى الصناعات أو إلى التصدير، وهذه هي رؤية الدولة لتسريع وتيرة دخول العديد من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، لتوفير الغاز والاستفادة منه في العديد من الصناعات، وجذب المزيد من الشركات العالمية لإقامة مصانع جديدة والتوسع في المصانع القائمة.

استدامة الطاقة والغاز الطبيعي فى مصر

ونوّه رئيس الوزراء المصري في السياق ذاته إلى ما يطلبه المستثمرون من ضرورة تأكيد استدامة الطاقة والغاز الطبيعي، وهو ما يمكنهم من ضخ المزيد من الاستثمارات في العديد من القطاعات، وأن ذلك يأتي ضمن رؤية الدولة المصرية للإسراع في تنفيذ المشروعات الخاصة بالطاقة الجديدة والمتجددة، مع زيادة وعودة إنتاجية الحقول المصرية من الغاز والبترول.

وفيما يتعلق بسداد مستحقات الشركاء الأجانب في قطاع البترول، أشار رئيس الوزراء إلى أن هذه المستحقات انخفضت إلى النصف، ونستهدف المزيد من السداد مع نهاية هذا العام الجاري، منوهًا في هذا الصدد إلى أنه مع انتظام هذا القطاع المهم نجحت الدولة المصرية في اجتذاب العديد من الشركاء الأجانب للقيام بمزيد من عمليات البحث والاستكشاف، ونشهد حاليًا المزيد من إعلان الاستكشافات الجديدة، وهو ما يسهم في تخفيض فاتورة الاستيراد.

وأكد رئيس الوزراء المصري أننا نؤمن بشكل تام احتياجات الدولة المصرية من الغاز ومصادر الطاقة الأخرى، حتى السنوات الخمس المقبلة، من خلال النجاح في استقدام سفن التغييز، وعودة الإنتاج وزيادة انتاج الحقول الطبيعي في مصر، ولدينا تصور واضح للرجوع تدريجيًا للأرقام والمعدلات الكبيرة، خلال الفترة المقبلة.

وأعاد رئيس الوزراء المصري الحديث عن السردية الوطنية لتنمية الاقتصاد المصري، موضحًا أنها تضع رؤية متكاملة لمختلف قطاعات الاقتصاد المصري، وفي الوقت نفسه تنتهي بمستهدفات كمية، سيتم العمل على تحقيقها، وأنه تم وضع ثلاثة سيناريوهات للأوضاع والتغيرات، الأول يتعلق بالوضع الحالي، والثاني سيناريو طموح، والثالث سيناريو متحفظ ويكون مرتبطًا بالظروف الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وهذا السيناريو ليس له أي علاقة بالداخل المصري، مؤكًدا أن الدولة المصرية تستهدف ضمن رؤيتها الاقتصادية ملف الدين الذي يشغل بال المواطن المصري سواء الدين العام أو الدين الخارجي، والعمل على الاتجاه به إلى المسار النزولي، خلال السنوات الخمس المقبلة، والوصول قبل حلول هذه السنوات إلى أقل أرقام ومعدلات شهدتها الدولة المصرية في ملف الدين.

وأضاف: "بدأنا منذ عام ونصف العام بـ96%، وبانتهاء السنة المالية التي انتهت يونيو الماضي، أغلقنا عند 85% ونستهدف بنهاية العام المالي الحالي الانخفاض بالدين إلى حدود الـ80 أو 81% ، كما أنه من المستهدف خلال الأعوام المقبلة الهبوط إلى نسبة مئوية في نطاق السبعينات".

وقال: "هذه المؤشرات تعكس انخفاض مخاطر الدين بالنسبة للاقتصاد المصري"، موضحًا "بالنسبة للدين الخارجي، نستهدف كل عام ما يتراوح بين مليار دولار و2 مليار دولار انخفاضًا في مستويات الدين الخارجي، ويتم متابعة هذه الخطة من خلال لجنة الدين وفقًا لسقف محدد للاقتراض".

واستطرد رئيس الوزراء المصري، "نستهدف أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد المصري 7%، على مدار فترة زمنية مستمرة وليس خلال سنة واحدة، لأن كل تجارب الدول الناجحة حدث فيها هذا الأمر، كما نستهدف ألا تقل مساهمة الصناعة عن 18 إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي، كما نستهدف إحداث طفرات كبيرة في قطاع السياحة وألا يقل عدد السائحين الوافدين عن 30 مليون سائح، والاستفادة من الموارد الأجنبية التي سيجلبها السائحون".

وأشار إلى أن القطاع الخاص يقود حاليًا الاستثمارات التي يتم ضخها في السوق المصرية بما لا يقل عن 65%، وهذا ما كنا نستهدفه على مدار الفترة الماضية، كما نستهدف الوصول بمستوى الصادرات السلعية والخدمية إلى 145 مليار دولار بحلول 2030، ويشمل ذلك صادرات خدمات التعهيد وغيرها من الخدمات الأخرى طبقًا لتعريف المؤسسات الدولية.

وأضاف رئيس الوزراء المصري: "نستهدف خفض مستوى العجز الكلي إلى 3.5% نزولًا من 7% حاليًا، وأن كل هذه الأرقام المستهدفة بجانب استهداف نزول معدلات الدين إلى ما يتراوح بين 73% إلى 70% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، يضع الدولة المصرية في مستوى أفضل تمامًا".

وأكد أن تحقيق كل هذه المستهدفات مرتبط بخطط تنفيذية موضوعة، قائلًا: "نحن نؤمن بعمل المؤسسات، فالتقدم الذي يحدث في الدول يُبنى على التراكم في العمل والجهد والسير على طريق تحقيق المستهدفات، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تحقيق هذه المستهدفات".

وأضاف مدبولي: "لذلك دعونا إلى أن يشارك معنا القطاع الخاص وكل الخبراء المعنيين بالشأن الاقتصادي في مصر، فالتوافق معًا حول هذه المستهدفات سيكون بمثابة دستور لمن سيأتي لاحقًا".