واجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أزمة سياسية خانقة دفعته لتعيين أحد أقرب مستشاريه، سيباستيان لوكورنو، رئيسًا للوزراء ـ السادس منذ بداية ولايته الثانية ـ إذ كشفت صحيفة "بوليتيكو" أن هذه الخطوة تُعتبر "رمية نرد يائسة" لكسر الجمود السياسي، الذي يشل ثاني أكبر اقتصاد أوروبي، إذ يحتاج البلد المديون بـ3.34 تريليون يورو إلى موافقة برلمانية على تقليصات الموازنة بمليارات اليوروهات لتجنب أزمة ديون جديدة.
ثقة ماكرون
يحظى لوكورنو البالغ 39 عامًا بثقة استثنائية من ماكرون، فهو وفقًا لأحد المستشارين الحكوميين "الرجل الذي يتبادل معه الرئيس أصعب القرارات في ساعات الليل المتأخرة" ويقضي معه عطلاته في قلعة بريجانسون الساحلية.
هذه العلاقة الوثيقة تميزه عن أسلافه ميشيل بارنييه وفرانسوا بايرو، اللذين لم يحظيا بنفس درجة القرب من الرئيس، كما اعترف ماكرون أن المهمة المنوطة بـ لوكورنو "غير مسبوقة" رغم إصراره على إمكانية تحقيقها.
خبرة في إدارة الأزمات
أثبت لوكورنو، وزير الدفاع السابق، قدرته على حل الأزمات المعقدة في مناسبات متعددة، وفي عام 2023، تمكن من بناء إجماع برلماني واسع حول زيادة الميزانية العسكرية، إذ نال موافقة أكثر من 400 نائب على خطة إنفاق عسكري مدتها سبع سنوات، وهو إنجاز يقلل منه البعض باعتباره "سهلًا" لكونه يتعلق بزيادة الإنفاق، بينما يؤكد حلفاء الرئيس أن "الأمر لم يكن بتلك السهولة".
كما لعب دورًا محوريًا في إنهاء احتجاجات "السترات الصفراء" بين 2018 و2019، عندما نظم كوزير للأقاليم المحلية حوارًا ناجحًا بين ماكرون وممثلي المناطق في دائرته الانتخابية بنورماندي، ما فتح الطريق أمام جولة وطنية أسهمت في إنهاء الاحتجاجات.
إستراتيجية التوازن السياسي
يراهن ماكرون على قدرة لوكورنو الفريدة في سد الهوة بين اليمين واليسار، فخلفيته المحافظة تمنحه "علاقات جيدة مع حزب الجمهوريون" اليميني وتمثل "استمرارية" مع الحكومات السابقة، بينما "كسب احترام القوى اليسارية" من خلال تعامله الماهر مع إعادة تسليح فرنسا عقب الحرب الأوكرانية.
وعلى عكس الشخصيات السياسية الكبيرة مثل بايرو وبارنييه، قضى لوكورنو السنوات الأخيرة "في الخنادق السياسية" بالجمعية الوطنية والسياسة المحلية، ما يمنحه فهمًا عميقًا لتقلبات البرلمان ومهارات التفاوض المطلوبة.
تحديات جسيمة
رغم هذه المؤهلات، يواجه لوكورنو عقبات هائلة، بدءًا من خيبة أمل الحزب الاشتراكي الذي كان يتطلع لتعيين رئيس وزراء من صفوفه بدلًا من "أحد أقرب حلفاء ماكرون".
وحذّر زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور، من أن حزبه لن يشارك في حكومة لوكورنو، وأنهم "لن يترددوا في إسقاط الحكومة إذا لم يحدث شيء".
وتتسع الفجوة أكثر حول الملفات الاقتصادية الأساسية، إذ يطالب الاشتراكيون بتعليق إصلاح نظام المعاشات، وهو ما يُمثل خطًا أحمر لماكرون، وفرض "ضريبة زوكمان" على الأثرياء، مقترح لفرض ضريبة دنيا بنسبة 2% على من تزيد أصولهم على 100 مليون يورو نسبة للاقتصادي الفرنسي جابرييل زوكمان، كما يرفضها وسطيو ماكرون باعتبارها "اقتراحًا عقيمًا سيشجع الأثرياء على مغادرة فرنسا".
بصيص أمل
مع ذلك، تشير مصادر "بوليتيكو" لوجود مساحة للمناورة، فماكرون أشار لاستعداده "للتراجع عن بعض الأشياء" و"إيجاد تسوية"، وتخلى لوكورنو بالفعل عن خطة سلفه لإلغاء عطلتين رسميتين.
كما قد يتم التخلي عن خطة رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو لتقليص موازنة 2026 بـ43.8 مليار يورو، إذ يُفضل الرئيس ماكرون "الإصلاح الهيكلي على قطع 3 مليارات من الموازنة".
وتلمح مصادر اشتراكية لإمكانية التفاوض: "إذا رفض ضريبة زوكمان لكن رفع الحد الأدنى للأجور، فسننظر في الأمر"، لكن السلاح السري للوكورنو، وهو ثقة ماكرون المطلقة، قد ينقلب ضده، إذ سيتعين عليه انتزاع تنازلات مؤلمة من رئيسه للبقاء في منصبه.