مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من عامها الأول، تتزايد المخاوف من حرب طويلة تستنزف الجميع، على خلفية الدعم العسكري الغربي السخي لكييف، والتهديدات الروسية بالتصعيد.
وفى هذا السياق، كشف المحلل الاستراتيجي الأمريكي "هال براندز"، عن قيام الولايات المتحدة بتحديث استراتيجيتها للحرب بأوكرانيا، من خلال "تصعيد القتال" بهدف إجبار الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" على التفاوض وإنهاء الحرب.
ويقول "براندز" في تحليل نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية للأنباء، إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى مرحلة جديدة، في حين تشهد الاستراتيجية الأمريكية تحولًا مهمًا، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جوبايدن، تكثف دعمها لأوكرانيا، على أمل الوصول إلى حل دبلوماسي للأزمة فيما بعد، اعتمادًا على استراتيجية "التصعيد من أجل التهدئة" التي قد يكون من الصعب تنفيذها.
الغموض يحيط بمسار الحرب
وأضاف أنه بعد مرور نحو عام على بدء الحرب، أصبح الغموض الذي يحيط بمسارها أشد من ذي قبل. في الأشهر الستة الأولى من الحرب، كانت روسيا صاحبة زمام المبادرة، وكانت الأسئلة الرئيسية هي متى وأين وما هو شكل النجاح الذي ستحققه عند الهجوم؟ وخلال الشهور الخمسة التالية استردت أوكرانيا زمام المبادرة، وحاول المحللون التكهن بمكان واحتمالات الهجمات المضادة التالية.
وتابع براندز أنه الآن أصبح من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث، ولا بمن صاحب التقدم. ربما يستعد الجانبان لهجمات جديدة. وكلا الجانبين يتعاملان مع مزيد من خسائر أرض المعركة مع الحصول على قدرات جديدة قد تجعل من الصعب تمييز نقاط القوة النسبية لكل طرف.
الوقت.. حليف بوتين وعدو أوكرانيا
وربما يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الوقت هو أفضل حليف له، وأنه إذا واصل تدمير البنية التحتية الأوكرانية، مع الاحتفاظ بما كسبه من أرض المعركة على الأقل، فقد يتمكن من إيجاد حالة حرب ممتدة يكون تفوق القوة البشرية لروسيا حاسمًا فيها.
في المقابل، تعتبر أوكرانيا الوقت عدوًا لها. ويجب أن تستغل ضعف القوات الروسية وقلة تسليحها حاليا قبل وصول قوات روسية جديدة يجري حشدها إلى أرض المعركة، وقبل زيادة وتيرة الإنتاج العسكري الروسي، وأخيرًا قبل أن يتراجع دعم الحلفاء الغربيين لكييف.
تفاؤل أمريكي حذر
وتبدو إدارة بايدن متفائلة بحذر تجاه الاحتمالات بالنسبة لأوكرانيا. فالمكاسب السهلة على حساب الجيش الروسي المنهك ربما تكون قد تحققت. ولكن عندما تصبح روسيا تدافع عن جبهات أقصر بقوات أكبر، سيكون استخلاص كل بوصة من الأراضي الأوكرانية من يد القوات الروسية أصعب حتى إذا ما تمكن الجيش الأوكراني الملتزم والمبدع من تحقيق أكثر مما حققه حتى الآن.
طرق تحديث الاستراتيجية الأمريكية للحرب الأوكرانية
ويخلص "براندز" في تحليله، إلى أنه بناء على تلك المعطيات، تقوم الإدارة الأمريكية بتحديث استراتيجيتها للحرب الأوكرانية، بثلاثة طرق.
أولا: تحديد الأهداف الأمريكية في الحرب بشكل أفضل. ففي ديسمبر الماضي أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة أوكرانيا في تحرير الأراضي التي فقدتها منذ فبراير 2022، وليس بالضرورة كل شبر من أراضيها المحتلة منذ 2014.
كما أعلن بلينكن أن هدف واشنطن هو بقاء أوكرانيا كدولة قادرة على الدفاع عن نفسها عسكريا ومستقلة سياسيا ومزدهرة اقتصاديا. وهذا لا يتضمن بالضرورة استعادة المناطق التي تصعب استعادتها مثل شرق دونباس أو شبه جزيرة القرم.
ثانيا، تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بإرسال أسلحة أكثر تطورًا إلى أوكرانيا مثل عربات القتال المدرعة وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي باتريوت والدبابات التي تستطيع اختراق الدفاعات الروسية متعددة الطبقات.
ذخائر بعيدة المدى
كما تحركت الولايات المتحدة نحو تقديم ذخائر بعيدة المدى يمكنها الوصول إلى المناطق الخلفية للقوات الروسية. ومن المحتمل أن تتضمن هذه الذخيرة القنابل صغيرة القطر التي يمكن إطلاقها من الأرض ويصل مداها إلى حوالي ضعف مدى راجمات الصواريخ هيمارس التي تستخدمها القوات الأوكرانية حاليا لإلحاق خسائر مدمرة بالقوات الروسية.
ثالثا، رغم أن بايدن قد لا يأمل في تحرير شبه جزيرة القرم بالقوة، فإنه أصبح أكثر تأييدًا لشن هجمات على الأهداف الروسية فيها. لكن - والسؤال لبراندز- هل يمكن أن يؤدي قصف شبه جزيرة القرم التي تعتبر محورية في حديث الرئيس بوتين عن إعادة إحياء روسيا العظمى تحت حكمه إلى تصعيد الحرب في أوكرانيا؟
ويجيب المحلل الأمريكي، بأن هذا ربما يحدث. لكن الرئيس الروسي تراجع أكثر من مرة عن التصعيد الذي هدد به عدة مرات للدرجة التي تجعل تهديداته بلا مصداقية. لذلك فإن التلويح بإمكانية استعادة شبه جزيرة القرم المهمة جدًا بالنسبة له بالقوة قد يكون أفضل طريقة لإجباره على التفاوض بجدية لإنهاء الحرب.
واشنطن لا تريد حربا بلا نهاية
ورغم أن هذه التحولات في السياسة الأمريكية تبدو متعارضة مع بعضها البعض، فإن هناك منطق موحد ورائها. فالولايات المتحدة لا تريد حربا بلا نهاية لأنها تحول أوكرانيا إلى أرض خراب وتمثل عبئا على الغرب اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.
لذلك تسعى إدارة بايدن إلى مساعدة أوكرانيا في تشديد الضغط على القوات الروسية، وربما ترسل لها مزيدًا من المساعدات كوسيلة لفتح الطريق أمام التفاوض بعد انتهاء الجولة القادمة من القتال بين الروس والأوكرانيين.
أخيرا، يقول "براندز" إنه لا يوجد في هذه الاستراتيجية شيء بسيط، كما اتضح من خلال الخلافات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشأن من سيعطي أوكرانيا أي نوع من الدبابات.
ونجحت الولايات المتحدة في إدارة هذه المشكلة ببراعة في النهاية، وتعهدت بإرسال 31 دبابة متطورة من طراز إبرامز بعد شهور من الآن كطريقة لفتح الباب أمام إرسال مئات الدبابات الأوروبية المتطورة إلى أوكرانيا خلال الأسابيع المقبلة. لكن هذا ليس هو التحدي الوحيد.
فإدارة بادين تراهن على الوصول إلى نقطة رائعة يصبح فيها الروس مستعدين للتفاوض وليس للتصعيد، في حين يكون الأوكرانيون في موقف أقوى، لكنهم مستعدون للقبول بما هو متاح وليس بما يرغبونه أو يستحقونه.