تواجه أوكرانيا تحديًا استراتيجيًا خطيرًا يهدد قدرتها على حماية سمائها، إذ تشهد نقصًا متزايدًا في أنظمة الدفاع الجوي وسط تكثيف موسكو لهجماتها الجوية، وفقًا لمسؤولين غربيين وأوكرانيين تحدثوا لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
وتتزايد المخاوف من استنزاف المخزون الدفاعي الأوكراني في ظل تباطؤ الشحنات الأمريكية والحاجة المتنامية لصد الهجمات المتواصلة، بينما تتصاعد النقاشات حول حلول دفاعية مبتكرة تشمل إقامة "درع جوي" أمريكي-أوروبي.
شنّت القوات الروسية، يوم الأحد الماضي، هجومًا جويًا عنيفًا يصنّف الأقوى منذ انطلاق العملية العسكرية الشاملة، إذ أطلقت 805 طائرات مسيّرة هجومية وطائرات خداع، إضافة إلى 13 صاروخًا كروز وباليستيًا، وفق ما أوردته الصحيفة البريطانية.
وأسفر هذا القصف المدمر عن مقتل أربعة أشخاص، كما ضرب مبنى مجلس الوزراء الأوكراني لأول مرة منذ اندلاع الصراع.
وأكدت كاتارينا ماثيرنوفا، السفيرة الأوروبية لدى أوكرانيا، بعد جولتها لمعاينة الأضرار، أن صاروخًا باليستيًا من طراز "إسكندر" ضرب المبنى الحكومي، مشيرة إلى أن "بوتين يعرف تمامًا ما يفعله" وأن الصاروخ استهدف "قلب الحكومة الأوكرانية" عمدًا.
تفاقم الأزمة الدفاعية
كشفت "فاينانشال تايمز" أن مراجعة وزارة الدفاع الأمريكية للمساعدات العسكرية أدت إلى تباطؤ خطير في تسليم الأسلحة الدفاعية الحيوية لأوكرانيا منذ يونيو الماضي.
وحذّر مصدر مطلع على التسليمات الأمريكية إذ قال إنها "مسألة وقت قبل نفاد الذخائر"، مؤكدًا أن وحدات الدفاع الجوي الأوكرانية ستواجه عجزًا حادًا إذا حافظت موسكو على وتيرة هجماتها المتصاعدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن التباطؤ جاء عقب مذكرة كتبها إلبريدج كولبي، كبير مسؤولي السياسات في البنتاجون، لوزير الدفاع بيت هيجسيث في أوائل يونيو.
وحذّر كولبي، الذي يسعى لإعادة تركيز الجيش الأمريكي على مواجهة التهديد الصيني المتنامي، وفقًا لما تشير الصحيفة البريطانية، من أن الطلبات الأوكرانية للأسلحة الأمريكية قد تستنزف مخازن البنتاجون المتضائلة أكثر.
منظومات تحت الضغط
تواجه أوكرانيا تحديات متعددة في تأمين احتياجاتها الدفاعية، إذ أوقف البنتاجون ثم أبطأ شحنات صواريخ "باتريوت" المضادة للطائرات، وعشرات أنظمة "ستينجر" المحمولة، والقذائف المدفعية الموجهة بدقة، وأكثر من 100 صاروخ "هيلفاير" وصواريخ "إيم" التي تطلقها منظومات "ناسامز" الدفاعية ومقاتلات "إف-16"، بحسب مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين تحدثوا للصحيفة.
وتزداد التحديات تعقيدًا مع اقتراب فصلي الخريف والشتاء، حيث تتوقع كييف تكثيف الهجمات الروسية على منشآت الطاقة لإضعاف مقاومة البلاد.
ووفقًا لبيانات سلاح الجو الأوكراني، فإن متوسط إطلاق الطائرات المسيّرة الروسية تجاوز 5200 مسيرة شهريًا هذا الصيف، بينما لا يزال مئات الصواريخ تُطلق شهريًا رغم تراجع أعدادها نسبيًا.
سد الفجوة
في محاولة لمواجهة النقص المتزايد، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي عن توجيه أمين المجلس الأمني والدفاعي رستم أوميروف لتنسيق الجهود مع المسؤولين الأوكرانيين والإدارات الإقليمية وشركات الطاقة لشراء أنظمة دفاع جوي قصيرة ومتوسطة المدى إضافية، مع التركيز على اعتراض المسيرات الإيرانية الصنع.
وبدأت دول الاتحاد الأوروبي أخيرًا شراء أسلحة أمريكية بقيمة مليارين دولار في أغسطس لصالح أوكرانيا، بما يشمل أنظمة دفاع جوي، وذلك عبر اتفاق "اختراق" كما وصفه أندريه يرماك، رئيس ديوان زيلينسكي.
وتستهدف كييف تأمين مليار دولار شهريًا على الأقل من هذه المشتريات الأوروبية لسد الفجوة الدفاعية المتزايدة.
"درع جوي" مشترك
مع تضاؤل احتمالات موافقة روسيا على وقف إطلاق نار تفاوضي، تتصاعد النقاشات حول إقامة "وقف إطلاق نار بحكم الواقع" من خلال "درع جوي" أمريكي لأوكرانيا.
ويتضمن هذا المقترح زيادة كبيرة في أنظمة الدفاع الجوي قادرة على إغلاق السماء أمام المسيرات الروسية، وإن لم تتمكن من صد الصواريخ الباليستية بالكامل.
وتشير المعلومات إلى أن الأوروبيين سيساهمون في هذه الخطة جزئيًا من خلال دعم بحري يمكن أن يساعد في حماية المجال الجوي الأوكراني، مع مناقشات حول نشر حاملات طائرات أوروبية.
ويدرك الأوروبيون ضرورة عدم الاعتماد على الوعود الأمريكية وحدها، لذا يسعون للحصول على موافقة الكونجرس على إجراءات أكثر صرامة ضد روسيا، حيث يلعب السنتور الجمهوري ليندسي جراهام من ولاية كارولينا الجنوبية دورًا محوريًا في هذه الجهود.