قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اليوم الاثنين، إن الوضع في قطاع غزة وصل إلى حد كارثة إنسانية غير مسبوقة، مؤكدًا أن إسرائيل دأبت منذ ما يقرب من عامين على ممارسة أبشع صور القتل مستخدمة التجويع كسلاح ضد المدنيين.
وأضاف الرئيس المصري، خلال مشاركته عبر الوسائل الافتراضية، في القمة الاستثنائية لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء في تجمع "البريكس"، التي انعقدت بدعوة من جمهورية البرازيل، أن إسرائيل مضت في توسيع عملياتها العسكرية إمعانًا في تدمير مقومات الحياة بهدف إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم وتنفيذ مخطط التهجير القسري، مؤكدًا موقف بلاده الثابت والرافض بشكل قاطع لأي سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم تحت أي ذريعة لما يمثله ذلك من محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، ووأد حل الدولتين، وتوسيع رقعة الصراع، وتهديد منظومة السلام في الشرق الأوسط.
وأوضح الرئيس المصري، أن بلاده أعدت خطة شاملة للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، حظيت باعتماد عربي وإسلامي، وتأييد واسع من الشركاء الدوليين، وهي الخطة التي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن إعادة إعمار القطاع ممكنة مع بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
وفيما يلي نص البيان الذي ألقاه الرئيس المصري خلال الاجتماع:
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس/ لولا دا سيلفا..
رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية؛
أصحاب الفخامة.. رؤساء الـدول والحكـومات؛
الحضور الكريم؛
بداية، أتقدم بخالص الشكر والتقدير، لصديقي فخامة الرئيس "لولا دا سيلفا"، على قيادته الحكيمة وجهود بلاده الحثيثة، في رئاسة تجمع البريكس خلال العام الجاري، وتوجت بالنجاح الكبير لقمة "ريو"، التي عقدت يوليو الماضي،
والمخرجات المهمة الصادرة عنها.
كما أود أن أشكر فخامة الرئيس "دا سيلفا"، على دعوته لعقد هذا الاجتماع المهم، لتبادل الرؤى في توقيت دقيق، يشهد فيه العالم صراعات، تهدد العمل الدولي متعدد الأطراف؛ بل ومنظومة الأسس والقواعد والمبادئ، التي يستند إليها
النظام الدولي.. منذ عام 1945.
بات المشهد الدولي اليوم، غارقًا في ازدواجية فاضحة في المعايير، وانتهاك سافر لأحكام القانون الدولي، دون أدنى اكتراث أو مساءلة، في ظل إفلات ممنهج من العقاب، وتصاعد مقلق للنزعات الأحادية والتدابير الحمائية.
إن هذا الانحدار يقوض أسس السلم والأمن الدوليين، ويعيد البشرية إلى أجواء الفوضى واللا قانون، ويكرس استخدام القوة، كوسيلة لفرض الإرادة وتحقيق المآرب على حساب الشرعية والعدالة.
ولم يكن من المستغرب، في ظل هذا التراجع، أن تتفاقم الأزمات وتشتعل الصراعات وتندلع الحروب، وأن ترتكب جرائم مروعة من قتل وتدمير، ستظل وصمة عار لا يمحوها الزمن، تطارد من تلطخت أيديهم بها.
وأضعف هذا الواقع المتردي فاعلية العمل الدولي المشترك، وقيد قدرة الدول والمؤسسات الأممية على التصدي للقضايا الملحة، التي تستوجب أعلى درجات التنسيق والتعاون.
وفي السياق ذاته، يعد وضع مجلس الأمن الدولي مثالًا صارخًا، على ما آل إليه حال المجتمع الدولي من عجز وتراجع وهو ما انعكس سلبًا وبشكل مباشر، على ثقة الدول في منظومة الأمم المتحدة، لا سيّما في أداء مجلس الأمن ذاته.
ودفع هذا التآكل في المصداقية العديد من الدول إلى المطالبة بإصلاح شامل لآليات عمل المجلس، بما في ذلك الدعوة الصريحة إلى إلغاء حق النقض "الفيتو"، الامتياز الذي تحول بمرور الزمن إلى أداة لعزل المجلس عن الواقع الميداني، وجعله عاجزًا عن أداء دوره المحوري في تسوية النزاعات ووقف الحروب، رغم كونه الهيئة الأممية المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين.
إضافة إلى ما تقدم؛ امتدت تداعيات هذا الوضع الدولي المتردي، لتطال مكتسبات النمو الاقتصادي العالمي، مهددة إياها بالانهيار.. إذ يشهد العالم اليوم تباطؤًا ملحوظًا في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجعًا في حركة التجارة الدولية، وتآكلًا في الاهتمام بقضايا التنمية والتمويل الإنمائي، في وقت تتسع فيه الفجوات التنموية والتمويلية والرقمية في الدول النامية، وتتفاقم أعباء ديونها، وتضعف قدرتها على النفاذ إلى مصادر التمويل الميسر.. إلى جانب محدودية تأثير هذه الدول في منظومة عمل المؤسسات المالية الدولية.
ومن هنا؛ تأتي أهمية تجمع البريكس، باعتباره محفلًا دوليًا بازغًا، يشق طريقه بثبات، نحو ترسيخ التعاون البناء بين دوله، انطلاقًا من مبادئ المنفعة والاحترام المتبادل، وتعزيز العمل متعدد الأطراف.
وفي السياق ذاته، يكتسب اجتماعنا اليوم أهمية استثنائية، إذ يُشكل فرصة سانحة للتشاور، وتبادل الرؤى حول سبل تعميق التكامل بين دولنا، وتنسيق الجهود لتخفيف وطأة الأزمات الراهنة، بما يعزز من قدرة دول البريكس، على الإسهام الفاعل في صياغة نظام دولي أكثر توازنًا وإنصافًا.
وفي مواجهة هذا الواقع المقلق، أود أن أشير إلى عدد من الأولويات، التي نرى ضرورة الأخذ بها:
أولًا: تعميق التشاور بين دول التجمع، حول القضايا ذات الاهتمام والأولوية في مختلف المجالات بما يتيح فهمًا أدق، لمواقف كل دولة وشواغلها، ويسهم في تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى أرضية مشتركة، تعزز من فاعلية "البريكس" على الساحة الدولية.
ثانيًا: حتمية توظيف الميزات النسبية التي تزخر بها دولنا في إطلاق مشروعات مشتركة بالقطاعات الحيوية.. وعلى رأسها الطاقة الجديدة والمتجددة، والبنية التحتية، والصناعات التحويلية، والزراعة، والبحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار، والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تعزيز التعاون بين القطاع الخاص في دولنا.
ثالثًا: توسيع آفاق تعاوننا الاقتصادي والمالي، لا سيّما بتسوية المعاملات التجارية والمالية بين دولنا، باستخدام العملات المحلية، ودعم توفير التمويل، من خلال بنك التنمية الجديد بالعملات الوطنية.
رابعًا: تكثيف التنسيق بين دول التجمع حول إصلاح الهيكل المالي العالمي ومعالجة إشكالية الديون، ودعم توفير الحيز المالي للدول النامية ونفاذها للتمويل الميسر، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز تمثيل الدول النامية في حوكمة المؤسسات المالية الدولية، وعملية صنع القرار بها.
خامسًا: دفع التعاون في مواجهة تداعيات تغير المناخ، ورفض السياسات الأحادية التي تتخذها بعض الدول تحت ذرائع بيئية، مع تأكيد ضرورة وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها في تمويل جهود الحفاظ على المناخ، وتوفير أدوات التنفيذ للدول النامية، من تمويل وتكنولوجيا وبناء قدرات، بما يمكنها من تحقيق أهدافها المناخية.
وفي هذا الإطار، نتطلع إلى استضافة البرازيل للدورة الثلاثين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، نوفمبر المقبل، باعتبارها محطة مفصلية، لدفع هذه القضايا الملحة، التي تمس مصالح الدول النامية بشكل مباشر.
أعزائي أصحاب الفخامة،
إن التحديات الاقتصادية التي يشهدها عالمنا اليوم، لا تنفصل عن التوترات الجيوسياسية المتفاقمة، إذ تشهد منطقة الشرق الأوسط أزمات متلاحقة ألقت بظلالها الثقيلة على السلم والاستقرار الدوليين وعرقلت مسارات التنمية المستدامة.
وفي القلب من هذه الأزمات، تستمر الحرب الإسرائيلية الغاشمة على الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، وبالتوازي مع الانتهاكات السافرة التي يرتكبها الاحتلال في الضفة الغربية، بما في ذلك "القدس".. في واحدة من أخطر الصراعات وأكثرها دلالة على ازدواجية المعايير، وانتهاك قواعد القانون الدولي.
ودأبت إسرائيل، منذ ما يقرب من عامين، على ممارسة أبشع صور القتل والترويع، مستخدمة التجويع والحرمان من الخدمات الصحية، كسلاح ضد المدنيين، ما أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، بلغت حد إعلان الأمم المتحدة حالة المجاعة في قطاع غزة.
ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل مضت في توسيع عملياتها العسكرية، إمعانًا في تدمير مقومات الحياة بهدف إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم، وتنفيذ مخطط التهجير القسري وتصفية قضيتهم العادلة.
ومن هذا المنطلق؛ أؤكد مجددًا موقف مصر الثابت، والرافض بشكل قاطع لأي سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، تحت أي ذريعة لما يمثله ذلك من محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، ووأد حل الدولتين، وتوسيع رقعة الصراع، وتهديد منظومة السلام في الشرق الأوسط.
كما أجدد إدانة مصر ورفضها التام، لمحاولات فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وللمخططات الرامية إلى بناء مستوطنات جديدة بهدف تغيير الوضع القانوني والديموغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وفرض أمر واقع يقوض حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
وبذلت مصر ولا تزال جهودًا مُضنية للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، تمهيدًا لبدء ترتيبات اليوم التالي لإدارة القطاع وإعادة إعماره.
وأعدت مصر خطة شاملة للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، حظيت باعتماد عربي وإسلامي، وتأييد واسع من الشركاء الدوليين، وهي الخطة التي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن إعادة إعمار القطاع ممكنة مع بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
كما تعتزم مصر، فور التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، استضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، لحشد الدعم والتمويل اللازمين، لتنفيذ هذه الخطة الطموحة.
ومن هنا؛ أدعوكم إلى دعم الجهود الجارية لإحياء مسار حل الدولتين، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها "القدس الشرقية" بما يرسخ السلم والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم أجمع بصورة عادلة ومستدامة.
السيدات والسادة،
ختامًا؛ فإننى أتطلع لأن يتوج اجتماعنا هذا، بتجديد الالتزام الصادق والراسخ، بتعزيز عملنا الجماعي وتكثيف التنسيق بين دولنا، لمواجهة التحديات الراهنة بكل مسؤولية ووعي، والسير قدمًا نحو تحقيق أولوياتنا المشتركة، وأهدافنا المتفق عليها في إطار هذا التجمع، بما يستجيب لتطلعات شعوبنا في الرخاء والتنمية المستدامة، والعيش الكريم في ظل عالم أكثر عدالة وتوازنًا.
أشكركم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.