مع تعثر طرق التفاوض بشأن نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار الشد والجذب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أصبحت الحرب في أوكرانيا بمثابة مسابقة بين ساعتين رمليتين، واحدة تقيس إلى متى يمكن لجيش أوكرانيا المنهك أن يواصل القتال، والأخرى تقيس إلى متى يمكن للاقتصاد الروسي أن يتحمل العقوبات الغربية.
وكما تشير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، فإن المشكلة التي تواجه مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل تحقيق السلام هي أن "بوتين يراهن على أن ساعة أوكرانيا الرملية سوف تنفد أولًا، ما يسمح له بفرض شروط المنتصر والفوز بمكانة في التاريخ الروسي إلى جانب القياصرة الفاتحين".
وتلفت إلى أنه "لهذا السبب، تجاهل الرئيس الروسي، منذ أشهر، مقترحات ترامب لتجميد القتال، بتسوية إقليمية ظنت الولايات المتحدة أنها ستكون جذابة لموسكو. وبدلًا من ذلك، يتمسك الكرملين بمطالبه التي ستجعل أوكرانيا تابعة له فعليًا، وتغير موازين القوى في أوروبا".
وبعد أن انقضى آخر موعد نهائي حدده ترامب لبوتين لإظهار جديته في محادثات السلام مع كييف، يواصل حلفاء أوكرانيا الأوروبيون مناقشة إرسال قوات حفظ سلام للحفاظ على سلام لا يلوح في الأفق.
التحمل الروسي
رغم العقوبات الغربية، حقق الاقتصاد الروسي نموًا قويًا في عامي 2023 و2024، بفضل صادرات الطاقة والتحفيز المالي الناتج عن الإنفاق العسكري الضخم، لكن الضغوط والنقص في الموارد تفاقمت، والنمو متعثر، وإيرادات النفط والغاز تنخفض انخفاضًا حادًا، وعجز الموازنة الحكومية آخذ في الارتفاع.
كما تشتري الصين والهند الآن الجزء الأكبر من النفط الروسي، وتؤكد الهند أنها ستواصل ذلك رغم الرسوم الجمركية الثانوية الأمريكية التي فرضتها في أغسطس الماضي.
ولم تُبدِ الولايات المتحدة وأوروبا حتى الآن رغبةً تُذكر في معاقبة الصين، التي تملك القدرة على الرد في أي حرب تجارية، على دعمها الاقتصادي الواسع لروسيا.
ويلفت التقرير إلى أنه "حتى لو تدهورت الأوضاع المالية في روسيا بشكل حاد، فإن هذا لا يعني أن بوتين سوف يعطي الاقتصاد الأولوية على أهدافه السياسية. بما في ذلك هوسه التاريخي باستعادة ما يراه المكانة الشرعية لروسيا ومجال نفوذها".
ويلفت إلى أنه "مع تقييد الاقتراض بسبب العقوبات الدولية، قد تقع تخفيضات الميزانية على عاتق الإنفاق المدني لحماية النفقات العسكرية. وقد يتحول التجنيد في الجيش نحو تعبئة أكثر إجبارية إذا نفدت الأموال المخصصة لمكافآت التوقيع السخية".
في سياق متصل، تهدف حملة أوكرانيا المتصاعدة من هجمات الطائرات المسيّرة على مصافي النفط وخطوط الأنابيب الروسية إلى خفض عائدات التصدير الروسية ونشر الاضطرابات الداخلية. وبالفعل، أدت إلى ترشيد استهلاك الوقود في بعض المناطق.
المثابرة الأوكرانية
ترى الصحيفة الأمريكية أنه بناء على الاتجاهات الحالية في ساحة المعركة، فإن عامين أو ثلاثة أعوام أخرى من الحرب قد تدفع المدافعين عن أوكرانيا إلى نقطة الانهيار.
وعلى الرغم من أن الهجوم الكبير الذي شنّته روسيا في شرق أوكرانيا هذا الربيع والصيف لم يحقق سوى مكاسب إقليمية هامشية، فإن الاستنزاف المستمر للرجال يثقل كاهل جيش أوكرانيا، الذي لا يستطيع تعويض خسائره بسهولة مثل روسيا ذات العدد الأكبر من السكان.
أيضًا، تدفع أوكرانيا ثمن ممارسات التجنيد التي ألقت بعبء التجنيد الأكبر على عاتق الرجال في منتصف العمر من المناطق الريفية والريفية الفقيرة، ما وفّر الحماية للطبقة المتوسطة الحضرية والشباب.
علاوةً على ذلك، أدّت العادات الصارمة للقيادة العسكرية الأوكرانية، على غرار التي سادت على النمط السوفيتي، التي يقول العديد من الجنود إنها تسببت في خسائر لا داعي لها، إلى تآكل الثقة في قيادة الجيش، وكذلك في رغبة المواطنين في التطوع.
ويرى التقرير أن هدف موسكو العسكري "ليس الاستيلاء على الأراضي بقدر ما هو استنزاف القوات الأوكرانية، حتى تُجبر كييف على الاستسلام".
يضيف: "من المرجح أن يُخفّض بوتين من أهدافه ويقبل باتفاق لا تقبله أوكرانيا والغرب إلا إذا اعتقد أن أوكرانيا لن تستسلم في ساحة المعركة، في حين تتزايد المخاطر السياسية الداخلية التي قد تُهدده نتيجة استمرار الحرب"
لذلك، سيكون الاستمرار في توريد الأسلحة والذخائر الغربية أمرًا ضروريًا لتوسيع قدرة أوكرانيا على المقاومة، إلى جانب تعزيز الصناعات العسكرية الأوكرانية.
ويُعدّ استقرار نقص القوى العاملة في أوكرانيا أمرًا بالغ الأهمية. ففي منطقة دونيتسك الشرقية، التي تُعدّ بوتقة القتال الرئيسية، أصبح عدد المشاة ضئيلًا لدرجة أن مجموعات صغيرة من الجنود الروس غالبًا ما تتمكن من التسلل عبر الفجوات الواسعة بين مخابئهم. وتعتمد أوكرانيا على الألغام والمدفعية، والأهم من ذلك، على الطائرات المسيّرة لاستهداف الروس.
في المقابل، تواصل كييف تحسين قدراتها في مجال الطائرات المسيّرة لتعويض النقص في المشاة "لكنها لا تستطيع الدفاع عن البلاد بجيش من الروبوتات وحدها".