الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الوكيل السابق للمخابرات المصرية: مصر أمنت الانتقال السلمي للسلطة بعد وفاة عرفات

  • مشاركة :
post-title
جانب من برنامج الجلسة سرية الذي يقدمه الإعلامي سمير عمر

القاهرة الإخبارية - طه العومي

تحدَّث اللواء محمد إبراهيم الدويري، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، عن دور مصر المحوري قبل وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وما بعدها، ثم الانتقال السلس للسلطة الفلسطينية.

وتطرق الدويري، خلال لقاء في برنامج "الجلسة سرية" على قناة "القاهرة الإخبارية"، مع الإعلامي سمير عمر، إلى عدة مراحل حساسة، بدءًا من حصار الرئيس الفلسطيني الراحل، مرورًا بضمان انتقال السلطة، ووصولًا إلى الإشراف على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

وأكد "الدويري" أن حصار ياسر عرفات في رام الله كان "بداية النهاية لحقبته السياسية" في ظل قرار أمريكي إسرائيلي بإنهاء تلك المرحلة.

وعند تدهور حالته الصحية، أرسلت مصر وفدًا طبيًا رفيع المستوى لعلاجه، قبل نقله إلى باريس حيث وافته المنية، وشاركت مصر في مراسم الجنازة، وأصرت على إقامتها بشكل "يعكس عمق العلاقة مع الشعب الفلسطيني".

دور رئيسي

بعد وفاة عرفات، لعبت مصر دورًا رئيسيًا في ضمان انتقال سلس للسلطة، إذ استضافت القيادة المصرية في القاهرة ثلاثة من أبرز القيادات الفلسطينية آنذاك (محمود عباس، روحي فتوح، وأحمد قريع)، حيث التقوا بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، للتأكيد على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة.

تابع: "كان واضحًا أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس "أبو مازن"، هو المرشح الأوفر حظًا لخلافة أبو عمار، وكانت الرسالة المصرية واضحة: ضرورة الانتقال السلمي للسلطة".

وأكد أن مصر شاركت في مراقبة الانتخابات الرئاسية الفلسطينية عام 2005، والتي فاز بها الرئيس الحالي أبو مازن أمام الدكتور مصطفى البرغوثي.

كما شدّد على أن مصر دعَّمت السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية في تلك المرحلة بشكل قوي، وبنفس القدر من المهنية والجدية التي تعاملت بها مع الرئيس الراحل أبو عمار.


ما بعد ياسر عرفات

وأشار إلى أن القيادة المصرية بدأت العمل فورًا في اليوم التالي لوفاة (أبو عمار)، لضمان انتقال السلطة بسلاسة وهدوء، دون أي اضطرابات أو صدامات.

ولفت إلى أن مرحلة تولي الرئيس أبو مازن شهدت لاحقًا تصاعدًا في التوترات بين حركتي فتح وحماس، موضحًا أن "مصر قامت بدور فاعل في تهدئة الخلافات والعمل على إطفاء الحرائق السياسية بين الطرفين، ونجحت إلى حد كبير في تحقيق تهدئة ولو مؤقتة".

وفي ما يتعلق بموقف حركة حماس من رئاسة أبو مازن، قال الدويري: "حماس لم تكن مقتنعة بالكثير من الأمور، وليس فقط برئاسة أبو مازن.. نفس التوترات كانت قائمة أيضًا خلال فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهذا يوضح أن المسألة لم تكن شخصية، بل متعلقة برؤية حماس".

وتابع: "إذا عدنا إلى انتخابات عام 1996، سنجد أن إسماعيل هنية كان يسعى للترشح للرئاسة، ما يدل على أن فكرة المشاركة في الانتخابات، والحصول على حصة في السلطة، كانت قائمة لديهم منذ ذلك الحين".

الحوار الوطني

كشف الدويري أن مصر استضافت حوارًا وطنيًا شاملًا عام 2005، جمع كل الفصائل الفلسطينية، بهدف توحيد الموقف الفلسطيني وتثبيت مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية كـ"الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".

وأشار إلى أن هذا الحوار كان حساسًا، وكان يهدف إلى حل الخلافات بالوسائل السلمية بدلاً من الاحتكام إلى السلاح.

وتابع: "منظمة التحرير نشأت بدعم مصري، ولا تزال مصر تؤمن بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، هذه الثوابت لا يجب المساس بها يومًا، وأي فصيل يرغب في الانضمام للمنظمة، فعليه أن يلتزم بشروطها واستحقاقاتها، ولا يجوز أن يدخل فصيل ما إلى المنظمة بشروطه الخاصة، من يريد أن يكون جزءًا منها، عليه أن يلتزم بقواعدها، وفي المقابل يحصل على كامل حقوقه داخل هذا الإطار الوطني".

وأكد الدويري أن حوار عام 2005 جاء في توقيت حساس، إذ كانت مصر تستشعر إمكانية تدهور الأوضاع الداخلية الفلسطينية، ولذلك كان التركيز الأساسي على "أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لحل الخلافات وليس الاحتكام إلى السلاح".

وذكر: "أصدرنا بيانًا ختاميًا في نهاية الحوار عام 2005، تم بثه عبر وسائل الإعلام، وأعلنَّا من خلاله انطلاق مرحلة جديدة في تاريخ توحيد العمل الفلسطيني".

واستطرد أن الاجتماعات التي شهدتها القاهرة عام 2005 بين الفصائل الفلسطينية لم تكن سهلة، مؤكدًا أن إصدار أي بيان ختامي كان يتطلب تخطي العديد من الخلافات والمشكلات العميقة.

وأكد الدويري أن مصر تعتمد على منظومة عمل متكاملة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وليست مجرد دولة عابرة تتحرك بشكل فردي، بل هناك قيادة سياسية واضحة ذات موقف ثابت، وجهاز مخابرات مكلف بمتابعة الملف، بالإضافة إلى وفد أمني ينفذ المهام، ما يخلق توازنًا وفعالية في إدارة هذا الملف الحيوي.

وأوضح: "كنا نرى أن منظمة التحرير هي الإطار الوطني المهم، ولكن هناك ضرورة لتفعيلها وتطويرها لتلعب الدور الذي تستحقه، ولذلك في 2005 شكَّلنا لجنة للأمناء العامين تجتمع بشكل دوري بهدف تفعيل المنظمة وتعزيز دورها في قيادة العمل الوطني الفلسطيني".

الإشراف على الانسحاب من غزة

تطرق الدويري إلى قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون بالانسحاب الأحادي من قطاع غزة في عام 2005، وطلبه من مصر الإشراف على العملية.

قال الدويري إن "شارون" قرر في منتصف عام 2005 تنفيذ ما يُعرف بالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، وطلب من مصر الإشراف على هذا الانسحاب بشرطين رئيسيين، الأول البقاء في معبر رفح، والثاني السيطرة على محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين.

وأضاف أن القيادة السياسية المصرية قررت عدم المشاركة في الإشراف على الانسحاب ما لم يتراجع شارون عن هذين الشرطين، موضحًا: "في إطار الاتصالات المكثفة التي جرت خلال فترة قصيرة، وافق شارون في النهاية على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، بما في ذلك محور فيلادلفيا ومعبر رفح، بالإضافة إلى 4 مستوطنات في الضفة الغربية".

وأشار الدويري إلى أن الفكرة الأساسية كانت تطبيق الانسحاب الأحادي الجانب من المناطق الفلسطينية بشكل كامل، لكنه نبه إلى أن إسرائيل استرجعت مؤخرًا السيطرة على المستوطنات الأربع في الضفة الغربية، ما يعكس تعقيدات الوضع على الأرض.

وكشف وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، أن الوفد الأمني المصري كان موجودًا بشكل مستمر في قطاع غزة، ويتنقل بين غزة ورام الله خلال الفترة من 2000 إلى 2004، وذلك في إطار متابعة تطورات الأوضاع الفلسطينية.

وأوضح أن مصر تلقت تعليمات بعد قرار إسرائيل بالانسحاب من غزة بأن يكون هناك وفد أمني مصري مستقر في القطاع، مضيفًا: "بقينا في غزة لمدة سنة ونصف السنة، وأشرفنا على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة دون أن تُطلَق رصاصة واحدة".

وأشار إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية كانت تتوقع أن يؤدي الانسحاب إلى وقوع خسائر بين المستوطنين، حيث كان هناك 14 مستوطنة ومعسكرات، وكانت نسبة الخسائر المتوقعة نحو 1% نتيجة إطلاق الصواريخ أو استهداف المستوطنين، لكنه أكد أن الوفد الأمني المصري عمل على مدار الساعة، والتقى بجميع الفصائل، وركز بشكل خاص على فصائل المقاومة التي كانت تطلق الصواريخ.

وأضاف الدويري: "قابلنا هذه الفصائل في أماكن متنقلة وأخرى مخفية، وأقنعناهم بأن إسرائيل انسحبت بالفعل، وأنه لا مبرر لتعطيل الانسحاب أو تصعيد الوضع".

ولفت إلى أن الانسحاب تم في 15 مارس 2005، بمشاركة جنرال أمريكي مبعوث من الرئيس الأمريكي للمناطق الفلسطينية، كان ممنوعًا من دخول غزة بموجب قرار إسرائيلي لتجنب الاحتكاك مع سكان القطاع، حيث كان مقره في رام الله، مضيفًا: "أقنعناه ورافقنا مع وفدنا عملية الإشراف على الانسحاب بنجاح".

وقال إنّ الأيام التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في 2005 شهدت حالة من الفوضى، حيث اقتحم السكان المستوطنات وأصبح الوضع غير مستقر.

دور عمر سليمان

وأضاف أن رئيس المخابرات المصرية آنذاك اللواء عمر سليمان، أجرى زيارة تاريخية إلى غزة في أغسطس 2005، وهي أول زيارة لرئيس جهاز مخابرات عامة إلى القطاع، التقى خلالها بجميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء، وأقام في قصر الحاكم المصري.

وأوضح أن سليمان التقى أيضًا برجال الأعمال الفلسطينيين سواء في غزة أو رام الله أو حتى في الولايات المتحدة، حاملاً رسالة موحدة من مصر إلى الفلسطينيين: "إسرائيل غادرت من قطاع غزة، فهل يمكن لنا كفلسطينيين أن نرسل للعالم رسالة بأننا قادرون على الحفاظ على أرضنا وتطويرها وتحويلها إلى نموذج يشبه سنغافورة؟ نحن كمصر متحدين نقف معكم وندعمكم بكل ما نملك من مال وقوة".

وأشار الدويري إلى أن "سليمان" كان أول شخصية غير رئاسية تُمنح فرصة إلقاء خطاب في المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو تكريم كبير لمصر، إذ وافق الرئيس محمود عباس (أبو مازن) على ذلك، قائلًا: "كان الخطاب رسالة مهمة تؤكد دعم مصر الثابت للفلسطينيين، مع الدعوة لمساعدتهم في بناء مستقبلهم".

ولكن رغم تلك الجهود، شهدت الفترة التالية للزيارة تصاعدًا في العنف، إذ تم اغتيال اللواء موسى عرفات، رئيس الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، داخل منزله، كما خطفوا ابنه "منهل" ما أثار حالة من الغضب والاضطراب.

وأضاف الدويري: "على الرغم من هذه الأزمة، واصلنا عملنا في غزة، عندما قررت حماس وغيرها تصفية "منهل"، تدخلنا بكل الوسائل، سواء العلنية أو غير العلنية، لإقناع خاطفيه بالإفراج عنه، وتم ذلك بالفعل، حيث خرج من الأسر، والتقى بالرئيس أبو مازن في مقر الحكم بغزة، وكان ذلك لحظة فرح كبيرة".