بعد مرور 16 عامًا على ظهور الطائرات المُسيّرة لأول مرة في استعراض عسكري صيني، يترقب العالم ما سيكشفه الجيش الصيني من أنظمة غير مأهولة خلال العرض العسكري الكبير المقرر في العاصمة بكين، بعد غدٍ الأربعاء، احتفالًا بالذكرى الـ80 لانتصار الصين في الحرب العالمية الثانية.
ويرى محللون أن تنوّع أنظمة الطائرات المسيّرة المتوقع عرضها يعكس التقدم السريع الذي أحرزه الجيش الصيني في دمج التقنيات المستقلة عبر الجو والبر والبحر، في إشارة واضحة إلى تحوّل نحو عمليات متعددة المجالات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
وشهد عرض 2015 تركيزًا على الصواريخ الاستراتيجية مع حضور محدود للمسيّرات، بينما كان عرض 2019 محطة فارقة بظهور تشكيلات مخصصة للطائرات المسيّرة، بينها الطائرة الهجومية GJ-11، وطائرة الاستطلاع الأسرع من الصوت WZ-8، والمركبة غير المأهولة تحت الماء HSU001. أما الروبوتات الكلبية، فستظهر لأول مرة في هذا العرض، بعد أن سبقت الصين الهند والولايات المتحدة في تسليحها، حيث اكتفت الأخيرة بعرض نماذج غير مسلحة في عروضها الأخيرة.
قدرات قتالية تكتيكية
على الرغم من احتمالية الكشف عن نماذج غير مسبوقة، وربما عرضها في تشكيلات مختلطة تحاكي سيناريوهات الحرب الحقيقية، بما في ذلك قدراتها المعززة بالذكاء الاصطناعي، يعتقد الخبراء أن هذه الأنظمة ستظهر على شكل عروض ثابتة بدلًا من الحركة لأسباب أمنية، وفق الصحيفة.
ومنذ مطلع أغسطس، أجرت بكين تدريبات واسعة النطاق خلال ثلاثة عطلات نهاية أسبوع متتالية بالقرب من ساحة تيان آن من، استعدادًا للعرض، فيما انتشرت صور مسرّبة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر معدات غير مألوفة، مما أثار موجة من التكهنات.
وقال وو تشي كه، نائب مدير مكتب قيادة العرض العسكري، إن بعض أنظمة الطائرات المسيّرة وأنظمة مكافحة المسيّرات ستُعرض لأول مرة، مؤكدًا أنها تبرز قدرة الجيش على حماية السيادة والأمن والمصالح التنموية، والحفاظ على السلام العالمي.
طائرات شبحية
من بين الأنظمة غير المأهولة، تحظى الطائرات المسيّرة الهجومية بالاهتمام الأكبر. ورُصدت صور مسرّبة لتصميم يشبه طائرة FH-97، إلى جانب خمسة نماذج جديدة غير مألوفة لطائرات مسيّرة بدون ذيل، من بينها اثنتان ظهرتا مغطّاتين على شاحنات أثناء البروفات.
وتراوحت أحجام هذه الطائرات بين 9 و12 مترًا طولًا، وبجناحين يتراوحان بين 6 و11 مترًا، وتضمنت أربعة نماذج بجناح ماسي-دلتا معدل، تشبه طائرة مسيّرة أُبلغ عنها في يوليو الماضي أثناء تحليقها بجانب طائرات نقل من طراز Y-8 وY-9، إضافة إلى نموذج بجناح تقليدي.
ويُعتقد أن جميعها طائرات UCAV شبحية هجومية، قابلة للمقارنة مع مشروع الطائرات القتالية التعاونية التابع للقوات الجوية الأمريكية في إطار برنامج الهيمنة الجوية للجيل الجديد. وتعمل الصين بالفعل على تطوير نماذج Loyal Wingman، مثل FH-97 وFH-97A، التي يمكن التحكم بها بواسطة مقاتلات J-20S الشبحية ثنائية المقعد.
وتتصدر قائمة المنتظرين النسخة المطوّرة من الطائرة الشبحيةGJ-11 "السيف الحاد"، والتي شوهدت محمولة جوًا في مناسبات متعددة. سبق أن عُرض نموذج ثابت منها في عرض 2019، لكنه لم يكن مخصصًا لحاملات الطائرات.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت مؤشرات على تطوير نسخة بحرية تُعرف باسم GJ-11J، حيث شوهدت مجسمات لها في مايو بالقرب من سفينة الإنزال الهجومية Type 076 "سيتشوان"، وكذلك في منشأة لاختبار حاملات الطائرات بمدينة ووهان في ديسمبر 2023.
وظهرت صور للطائرة أثناء التحليق عقب تدشين السفينة سيتشوان المجهزة بمنجنيق، والتي وصفتها وسائل الإعلام الرسمية بأنها "حاملة طائرات مسيّرة"، مما يعزز الارتباط بين المشروعين. وإذا نجحت الصين في نشر طائرةGJ-11J المسلحة على حاملات الطائرات، فستمتلك قدرة لا مثيل لها عالميًا، بما في ذلك البحرية الأمريكية التي أرجأت أي خطط مماثلة لما بعد عام 2030.
روبوتات قتالية
بالإضافة إلى الطائرات المسيّرة، من المتوقع أن يعرض الجيش الصيني أنظمة برية قتالية غير مأهولة تُعرف باسم المركبات الأرضية رباعية الأرجل (Q-UGVs)، بعد أن سلطت وسائل الإعلام الرسمية الضوء عليها مؤخرًا.
وفي يوليو الماضي، بثت قناة "CCTV" مشاهد لجيش المنطقة الغربية التابع للجيش الصيني، وهو يستخدم عشرات من "الذئاب الروبوتية" المسلحة بوزن 68 كجم، مزودة ببنادق هجومية، في مهام استطلاع وقتال وحمل الذخيرة، خلال مناورات جبلية قرب الحدود الروسية.
وأظهرت هذه المنصات، التي طورتها مجموعة الصناعات الجنوبية الصينية وكُشف عنها في نوفمبر الماضي، قدرات إصابة دقيقة حتى 100 متر، متفوقة على الروبوتات الكلبية التي استُخدمت في تدريبات بكمبوديا منذ عام 2024.
رسالة العرض
يقول الخبير العسكري سونج تشونج بينج إن أهمية العرض لا تكمن في الأسلحة الفردية، بل في تكامل الأنظمة غير المأهولة مع القوات التقليدية ضمن بنية عملياتية شبكية.
وأوضح: "أي سلاح فردي مجرد أداة تكتيكية، أما قوة المعركة فتنبع من شبكة مترابطة تمدّد ساحة القتال وتعزز الاستطلاع وخيارات الضرب. الأنظمة غير المأهولة تُكمل المأهولة، وستحلّ محلها تدريجيًا في المهام العاجلة والخطرة".
وأشار إلى أن التشكيلات هذا العام منظمة وفق مجموعات قتال مشتركة تحاكي الواقع، خلافًا للعروض السابقة التي اكتفت بإدراج الأنظمة ضمن قائمة المعدات، مما يدل على جاهزية عملياتية عابرة للأنظمة.
القتال المستقبلي
يصف الخبير مايكل راشكا، أستاذ مساعد في برنامج التحولات العسكرية بجامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة، هذه الأنظمة بأنها جزء من "حرب ذكية" تقوم على دمج الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات.
وقال: "الأمر لا يقتصر على المنصات الفردية، بل على بناء قوة قائمة على الذكاء الاصطناعي، الطائرات المقاتلة المسيّرة المرافقة، والذخائر التسكّعية الأسرابية، والمركبات الأرضية غير المأهولة، جميعها عناصر لهذه الرؤية".