بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة جديدة من الإقالات تطال حتى المسؤولين الذين اختارهم بنفسه، مما يعيد إحياء أجواء عدم الاستقرار التي كانت سمة مميزة لولايته الأولى.
في هذا الصدد، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن هذه التحركات تأتي بعد أشهر من تطهير الحكومة من المسؤولين الديمقراطيين والموظفين المهنيين القدامى.
إقالات متتالية
أطاح البيت الأبيض بمديرة مراكز مكافحة الأمراض، سوزان موناريز، بعد شهر واحد من حصولها على موافقة مجلس الشيوخ، والسبب المعلن هو "عدم التوافق مع توجهات الرئيس"، وفقًا لما كشفته وول ستريت جورنال.
الحقيقة تبدو أعمق من ذلك، إذ أشارت الصحيفة إلى أن المديرة المُقالة رفضت تنفيذ أوامر بإقالة مسؤولين كبار دون مبررات قانونية واضحة، مما أثار غضب البيت الأبيض.
وفي تطور لافت، استقال عدد من كبار المسؤولين في الوكالة تضامنًا معها، بينما تكشف مصادر مطلعة للصحيفة الأمريكية أن وزير الصحة، روبرت كينيدي الابن، انقلب على موناريز بسبب خلافات جوهرية حول سياسات اللقاحات وتوزيع المنح الحكومية.
وامتدت الإقالات لتشمل رئيس مصلحة الضرائب الداخلية، بيلي لونج، الذي أُقيل بعد أقل من شهرين في المنصب، وأُعيد تعيينه سفيرًا لآيسلندا عقب خلافات مع وزارة الخزانة.
وأفادت مصادر إدارية عليا أن لونج اشتبك مع مسؤولي الخزانة، وأبلغ البيت الأبيض سرًّا بأنه يشعر بالإرهاق من البيروقراطية المعقّدة في مصلحة الضرائب.
تغييرات وزارة العدل
لم تسلم وزارة العدل من رياح التغيير، إذ طُرد مسؤولان رفيعان في قسم مكافحة الاحتكار بعد اتهامهما كبار المسؤولين بالفساد و"التواطؤ مع لوبيات نافذة".
كما أن الأمر تجاوز حدود الخلافات الداخلية، عندما خرج أحد المطرودين ليطعن علنًا في نزاهة زملائه السابقين، مفجّرًا فضيحة تهزّ أركان الوزارة.
أما في وكالة الطوارئ الفيدرالية، فقد دفع كاميرون هاميلتون ثمن صراحته غاليًا، وكانت "جريمته" هي تأكيده أهمية بقاء الوكالة، وهو ما يتعارض مع خطط الإدارة لتفكيكها.
المفارقة الأكبر جاءت عندما أجبرته وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، على الخضوع لجهاز كشف الكذب، في مشهد يشبه أفلام التجسس أكثر من الإدارة الحكومية، وذلك بعد تسريبات صحفية كشفت مساعيها لإغلاق الوكالة نهائيًا.
تحولات المناصب العليا
لم تقتصر التغييرات على الإقالات فحسب، بل امتدت لإعادة ترتيب الأوراق في أعلى هرم السلطة، ففي خطوة مفاجئة، نقل ترامب مايك والتز، من منصب مستشار الأمن القومي إلى مقعد أقل تأثيرًا كسفير لدى الأمم المتحدة، في أول تنحية رفيعة المستوى تشهدها ولايته الثانية.
وفي وزارة الخزانة، مارس ترامب ضغوطًا مباشرة لإخراج مايكل فولكيندر من منصب نائب الوزير، وهو المنصب الذي فقده الأسبوع الماضي بعد أن خلص ترامب إلى "عدم توافقه مع الرؤية العامة للإدارة".
اللافت أن الإعلان عن رحيله جاء على لسان لورا لومر، الناشطة اليمينية المتطرفة وحليفة ترامب المثيرة للجدل، والتي تخصصت في كشف "الخونة" داخل الإدارة.
ردود فعل متباينة
تباينت ردود الفعل حول موجة الإقالات بين منتقد لاذع ومدافع متحمّس.
لم يتردد الخبير في شؤون الإدارة العامة، ماكس ستاير، في وصف الوضع بالكارثي، مؤكدًا أن "إدارة ترامب تتفوق على نفسها في زرع الفوضى بين صفوف القيادة".
وأضاف بسخرية واضحة: "المنطق بسيط: عند ترامب هو دائمًا محق، ومن يجرؤ على مخالفة رؤيته عليه حزم أمتعته".
على جانب آخر، هبّ المحلل الجمهوري براد تود للدفاع عن ترامب، محتجًّا بأن "صندوق الاقتراع منح ترامب تفويضًا شعبيًا لقيادة البلاد، وبالتالي له مطلق الحرية في اختيار فريقه".
واعتبر هذه الإقالات الواسعة "ضريبة لا مفر منها لتطبيق سياسات جذرية وطموحة".
أما البيت الأبيض، فاختار طريق المراوغة الدبلوماسية.
المتحدثة الرسمية، ليز هوستن، تجاهلت تمامًا أسئلة الصحفيين حول حالات الطرد المحددة، ولجأت بدلًا من ذلك إلى خطاب الإنجازات المعتاد:
"رئيسنا العظيم جمع أنبغ العقول لتحقيق حلم جعل أمريكا عظيمة – من إغلاق الحدود، وحماية الطبقة المتوسطة، إلى فرض الأمن في الشوارع".