وسط عالم ملئ بالأزمات، تكتسب قمة منظمة شنجهاي للتعاون (SCO) 2025 في مدينة تيانجين الصينية أهمية استثنائية، فهي ليست مجرد اجتماع دوري، بل محطة مفصلية في مسار المنظمة التي باتت تمثل قوة صاعدة للجنوب العالمي في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية العالمية.
ركيزة للاستقرار والتنمية
يرى البروفيسور سون ده قانج، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، أن انعقاد القمة يتزامن مع الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، في وقت يواجه فيه العالم تصاعد النزاعات الدولية، تراجع الهيمنة الأمريكية، وعجزًا في تقديم السلع العامة العالمية.
وأكد "سون" في حديثه مع موقع "القاهرة الإخبارية" أن المجتمع الدولي، وخاصة دول الجنوب العالمي، يعلّق آمالًا كبيرة على منظمة شنجهاي لتضطلع بدور مهم في حوكمة الأمن العالمي والحوكمة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن توسع المنظمة – التي تضم 10 أعضاء، ودولتين مراقبتين، و14 شريكًا في الحوار – يمثل دليلًا واضحًا على صعود الجنوب العالمي.
وأوضح أن المطلوب من المنظمة اليوم هو الحفاظ على استقرار النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وحل النزاعات الداخلية وبين الأعضاء، وتقديم السلع الأمنية العامة دون الدخول في أحلاف عسكرية.
كما شدّد على ضرورة أن تضخ القمة قوة جديدة في التنمية العالمية في ظل الثورة الصناعية الرابعة، عبر معالجة قضايا الفقر والبطالة وتقليص الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب، والمساهمة في تحديث دول الجنوب.
قوة "روح شنجهاي"
أما وانج شياويو، الباحثة المشاركة في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، فاعتبرت أن قمة 2025 تمثل أكبر تجمع في تاريخ المنظمة، مؤكدة أنها تعكس قوة روح شنغهاي القائمة على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة والتعاون، لتوفر بذلك منصة للدول الأعضاء لمواجهة حالة عدم اليقين المتزايدة.
وخلال حديثها مع موقع "القاهرة الإخبارية"، أشارت إلى أن القمة ستطلق إشارات إيجابية في ثلاثة مسارات رئيسية فعلى الصعيد السياسي سيتم اعتماد "إعلان تيانجين" و"استراتيجية التنمية للعشر سنوات المقبلة" لوضع رؤية طويلة المدى للتعاون، وأمنيًا عن طريق تعزيز الترتيبات المشتركة لمكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار الإقليمي، أما اقتصاديا فسيتم دفع التعاون في الاقتصاد الرقمي، التنمية الخضراء، والمدن الذكية، فضلًا عن تعزيز التجارة والاستثمار.
وأضافت "وانج" أن التبادل الثقافي والتقارب الشعبي يمثلان ركيزة أساسية لتعزيز تماسك "أسرة شنجهاي"، معتبرًا أن القمة ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل خطوة استراتيجية نحو تحسين الحوكمة العالمية وضخ "قوة شنجهاي" في النظام الدولي.
نموذج للتعددية العالمية
من جانبه، قال وانج جوانجدا، أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن المنظمة تواصل التمسك بمبادئ روح شنغهاي القائمة على الاحترام المتبادل، التعاون، والسعي إلى التنمية المشتركة، مؤكّدًا أن القمة تأتي في توقيت حاسم يشهد تصاعد النزاعات الجيوسياسية، وضغوط سلاسل الإمداد، وتراجع الحوكمة العالمية.
وأوضح "وانج" أن المنظمة تسعى إلى ضخ الاستقرار في عالم يفتقر إلى اليقين عبر تقديم منصة حوار متعددة الأطراف، مؤكدًا أن القمة ستؤكد التمسك بالتعددية، وترفض الأحادية، وتطرح "حل شنجهاي" كبديل للاضطرابات التي تهدد النظام الدولي.
وأشار إلى أن القمة ستعمل على إصلاح منظومة الحوكمة العالمية من خلال الدعوة إلى عولمة اقتصادية شاملة وعادلة، وتعزيز دور الأمم المتحدة، ورفض العقوبات الأحادية، وتعزيز الأمن الإقليمي عبر تسريع إنشاء أربعة مراكز أمنية متخصصة وتفعيل اتفاقية مكافحة الإرهاب، وتوسيع التعاون الاقتصادي باستحداث آليات التسوية بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار، وتعزيز مشاريع البنية التحتية ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
كما لفت إلى أن عام 2025 يمثل عام التنمية المستدامة في المنظمة، ومن المتوقع أن يتم خلاله اعتماد إطار للتعاون في مواجهة تغير المناخ، وتوسيع المبادرات الخاصة بنقل التكنولوجيا الخضراء والحد من الفقر.
إلى جانب الملفات الأمنية والاقتصادية، تحتضن القمة فعاليات لتعزيز التبادل الثقافي والتقارب الشعبي، من بينها منتدى الشباب، قمة الإعلام، ومبادرة "عام التبادل الإنساني" التي تشمل برامج تعليمية وثقافية.
كما ستبحث القمة آليات دمج الأعضاء الجدد بعد انضمام بيلاروسيا، ليصل عدد الدول الأعضاء إلى 26 دولة تمثل نحو 40% من سكان العالم و25% من الناتج العالمي.