يجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينج في قمة منظمة شنجهاي للتعاون، التي تبدأ الأحد 31 أغسطس في مدينة تيانجين الساحلية، بهدف تعزيز "مثلث الطاقة" الاستراتيجي الذي أصبح شريان الحياة للاقتصاد الروسي تحت وطأة العقوبات الغربية.
روسيا تعتمد على الشريكين الآسيويين
أصبحت الصين والهند أهم عميلين لروسيا في مجال الطاقة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، إذ كشفت بيانات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف أنهما اشترتا معًا أكثر من نصف صادرات الطاقة الروسية منذ بداية عام 2023.
وبحسب بلومبيرج، وصل متوسط الصادرات الروسية اليومية إلى الصين إلى 2.1 مليون برميل في الأشهر السبعة الأولى من العام، فيما توجهت 1.9 مليون برميل يوميًا إلى الهند.
ويؤكد ألكسندر جابوييف، مدير مركز كارنيجي روسيا أوراسيا، أن "بكين ونيودلهي ستبقيان على الأرجح عميلين رئيسيين لمصدري الطاقة الروس، حيث تصبح هذه العلاقة حاسمة للكرملين، كون صناعة النفط والغاز مصدرًا رئيسيًا لإيرادات التصدير".
الهند تواجه ضغوطًا أمريكية
تسير الهند على حبل مشدود بين علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي استوردت منها بضائع بقيمة 90 مليار دولار العام الماضي، وبين شراء النفط الروسي المخفّض من حليفها طويل الأمد ومورّد الأسلحة، الذي يوفر الآن ثلث واردات النفط الهندية.
وتصاعدت الضغوط الأمريكية مؤخرًا، إذ وصف مستشار التجارة في البيت الأبيض بيتر نافارو الصراع بأنه "حرب مودي"، واستهدفت واشنطن نيودلهي تحديدًا لشرائها النفط المخفض من روسيا وبالتالي تمويل حربها في أوكرانيا. كما ردّت إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على السلع الهندية، دخلت حيز التنفيذ الأربعاء، مما يهدد بتوجيه ضربة مدمرة للاقتصاد الهندي.
ورغم تحدي رئيس الوزراء مودي للضغوط الأمريكية، بدأت الهند تقليل مشترياتها تدريجيًا دون وقفها نهائيًا، حيث تخطط المصافي الهندية لشراء 1.4 - 1.6 مليون برميل يوميًا من أكتوبر، مقارنة بمتوسط 1.8 مليون برميل في الأشهر الستة الأولى من العام. ما يعني، بحسب ما تشير وكالة بلومبيرج، تنازل المصافي عن وفورات بلغت نحو 10 دولارات للبرميل مقارنة بالخام السعودي منذ منتصف 2022، بينما ستضطر روسيا لإيجاد بدائل أخرى لهذه الشحنات الفائضة.
مشروع "قوة سيبيريا 2"
يركز بوتين بشكل خاص على إقناع شي جين بينج بالموافقة على مشروع خط أنابيب "قوة سيبيريا 2" العملاق، الذي سينقل 50 مليار متر مكعب سنويًا عبر 2600 كيلومتر من شبه جزيرة يامال عبر السهوب الروسية إلى الصين.
هذا المشروع الضخم سيمكّن روسيا من استعادة ثلث مبيعات الغاز التي فقدتها في أوروبا، ناقلًا الوقود من نفس الآبار التي كانت تزود دولًا مثل ألمانيا.
لكن رغم سنوات من النقاشات، لم تُبدِ بكين استعدادًا للالتزام بالمشروع، حيث تشير البيانات الرسمية الروسية إلى اتفاقات، بينما تتجاهل النظيرة الصينية ذكره غالبًا.
تُفسّر إيريكا داونز، الباحثة الأولى في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، هذا التردد بعدة عوامل:
أولها تباطؤ الطلب الصيني على واردات الغاز مقارنة بالنمو السريع في العقد الماضي، إذ تمكنت الشركات من زيادة الإنتاج المحلي، بينما يواجه الغاز منافسة من الفحم وقطاع الطاقات المتجددة سريع النمو، لدرجة أن إجمالي واردات الغاز في 2024 كانت أقل من 2021.
ثانيًا، ظهور سوق الغاز المُسال، الذي وفّر للصين خيارات شراء لا تقيدها بعقود طويلة الأمد.
ثالثًا، الموافقة على المشروع ستجعل بكين تعتمد بشدة على دولة واحدة لمعظم إمداداتها، وهو موقف لا ترغب فيه.
الغاز المُسال والسياسة الأمريكية
يسعى بوتين أيضًا لقياس شهية الصين لمزيد من شحنات الغاز المُسال من مرفق القطب الشمالي الروسي الخاضع للعقوبات الأمريكية، خاصة بعد رسو ناقلة تحمل شحنة من المصنع لأول مرة في ميناء صيني، الخميس. كما يُعد هذا المرفق أساسيًا لخطة روسيا لمضاعفة الصادرات البحرية ثلاث مرات بحلول 2030، والوصول إلى أسواق جديدة بعد الانخفاض الحاد في مبيعات الأنابيب للمشترين التقليديين في أوروبا.
وتشير داونز إلى أن العامل الوحيد الذي قد يُغيّر حسابات بكين في الطاقة هو الرئيس ترامب وسياساته، مضيفة:
"لا أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة استعداد الصين للمضي قدمًا في قوة سيبيريا 2، لكن يمكن تصور موقف قد تكون فيه الصين مستعدة لفعل ذلك لضمان أمن الإمدادات، خاصة إذا حصلت على تنازلات سعرية".
في السياق ذاته، يرى جا إيان تشونج، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة سنغافورة الوطنية، أن "الأمر متروك لبكين لكسب نيودلهي، وقد ترغب موسكو في رؤية ما يمكنها فعله لجعل تعاون الهند مع روسيا مفيدًا لدلهي، خاصة أن السبب الظاهر لمواجهة الهند رسومًا أمريكية مرتفعة يتعلق بشرائها الطاقة الروسية".