تقف فرنسا على أعتاب أزمة سياسية حادّة مع السقوط شبه المؤكد لحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، في تصويت الثقة البرلماني المقرّر في 8 سبتمبر، وفقاً لصحيفة "بوليتيكو"، كما تشهد البلاد حالة ذهول في أوساط المسؤولين المنتخبين والمستشارين من مختلف الأحزاب المؤيدة لحكومة الأقلية، إذ وصف مستشار وزاري الوضع قائلاً: "إنها ضربة قاسية للرئيس"، مشيرًا إلى أن أزمة سياسية في 8 سبتمبر تليها أزمة اجتماعية في 10 سبتمبر مع الاحتجاجات الجماهيرية المتوقعة "تشكل أزمة نظام، أليس كذلك؟".
خيارات ماكرون المحدودة
يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون خيارات محدودة وصعبة، إذ تشير الإشارات الأولى من قصر الإليزيه إلى أن الرئيس لا يفكر في حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة.
وبدلًا من ذلك، يُعتقد أن ماكرون يفكر في تكليف وزير القوات المسلحة سيباستيان لوكورنو، البالغ من العمر 39 عامًا، بقيادة الحكومة، كونه أقرب إلى الرئيس وأكثر قابلية للتحكم.
كما يبرز اسم وزير العدل جيرالد دارمانين، الذي طالما تطلع لمنصب رئاسة الوزراء، لكنه لا يرغب في وراثة ما يبدو "مهمة انتحارية"، بحسب مصدر قريب من ماكرون لصحيفة "بوليتيكو".
وكلا المرشحين ينتميان أصلاً لحزب "الجمهوريون" المحافظ، وانضما إلى ماكرون منذ عام 2017.
ويزعم لوكورنو، وفقًا لمصدر مقرّب منه، أنه يتمتع بعلاقة مميزة مع مارين لوبن وحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، بينما يُصرّ في الوقت نفسه على قدرته على قيادة حكومة ائتلافية من اليمين واليسار معًا.
استحالة الحلول
رغم هذه التطلعات، يشكك الوسطيون في قدرة أي مرشح جديد على النجاح، حيث لا شيء يشير إلى أن لوبن أو الاشتراكيين ينوون دعم أي خليفة لبايرو أكثر من دعمهم له.
وأكد المستشار الوزاري لـ"بوليتيكو" أنه "لا يوجد سيناريو أو خيار جديد يمكنه حل هذه الأزمة"، فأي رئيس وزراء جديد سيقع في نفس المستنقع الذي واجهه بايرو وسلفه ميشيل بارنييه، خاصة في الساحة المشتعلة لمناقشات الموازنة.
حتى لو تم تشكيل حكومة تكنوقراطية من الخبراء المختصين لمعالجة أزمة الموازنة، فإنها ستواجه تحديًا صعبًا في التعامل مع برلمان مقسّم ومفكك، حيث ينشغل النواب بالتحضير لانتخابات البلديات المقبلة والانتخابات الرئاسية عام 2027.
قنبلة الديون الموقوتة
تزداد الأوضاع خطورة مع تحذيرات بايرو المستمرة من أن فرنسا قد تتجه نحو أزمة ديون على الطراز اليوناني إذا جلست مكتوفة الأيدي ولم تطبق تدابير التقشف القاسية البالغة 43.8 مليار يورو، في حين أن السياسة الفرنسية تبقى منقسمة داخليًا بحيث لا يمكنها تمرير الإصلاحات الحيوية لخفض العجز، رغم هذه التحذيرات المشؤومة.
وفي الوقت نفسه، تفقد الأسواق المالية صبرها بشأن قدرة فرنسا على ترتيب حساباتها.
مخاطر الانتخابات المبكرة
يحمل إرسال الفرنسيين مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع مجموعة مخاطر خاصة لرئيس قلق بشأن إرثه السياسي، فقد كان التصويت المفاجئ عقب الانتخابات الأوروبية الصيف الماضي هو الذي دفع فرنسا إلى طريقها المسدود الحالي وألحق ضررًا لا رجعة فيه بسمعة ماكرون.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين يمكن أن يسلموا بسهولة برلمانًا معلقًا آخر في أي انتخابات خلال الأسابيع أو الشهور المقبلة.
وحذر مستشار وزاري آخر: "الأسوأ بالنسبة له هو حل لا يعمل، لأنه حينها سيكون هو من يحصل على الضربة".
لكن هذا لا يعني أن الأمر مستحيل، فرغم أن ماكرون استبعد مرارًا الدعوة لانتخابات جديدة قبل انتهاء ولايته، يُصرّ الإليزيه على أنه لن يحرم نفسه من سلطة دستورية.
وكما قال أحد المقرّبين من ماكرون: "الغموض جزء من الاستراتيجية الرئاسية".
معركة طويلة المدى
أمام السقوط الحتمي لحكومته، يحاول بايرو وفريقه السيطرة على السردية السياسية للأزمة، إذ يعيش معسكر رئيس الوزراء حالة من الصدمة بسبب السرعة التي حُسم بها مصيره على يد المعارضة، خاصة من جانب اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن.
ولا يزال فريق بايرو يتمسك بأمل ضعيف في أن يغيّر "التجمع الوطني" موقفه خلال الـ48 ساعة المقبلة.
وتكشف مصادر حكومية لصحيفة "بوليتيكو" أن الهدف كان السماح لفريق بايرو بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الصعبة وإعادة ترتيب الأوضاع المالية للبلاد قبل انتخابات 2027، خاصة في ظل منع لوبن من الترشح بسبب قضايا الفساد المالي المرفوعة ضدها.
وفي مواجهة هذا المأزق، يركز بايرو على كسب معركة الرأي العام من خلال حملة إعلامية مكثفة تتضمن خطابات ومقابلات متتالية، في محاولة واضحة للخروج من منصبه بكرامة سياسية.
هذا التحرك يحمل في طياته بذور حملة انتخابية مبكرة لرئاسيات 2027، حيث يحلم بايرو منذ فترة طويلة بالوصول إلى قصر الإليزيه.
وكما علّق أحد مؤيدي ماكرون قائلاً: "على الأقل سيحصل على الخبرة اللازمة كمرشح رئاسي محتمل".