استضافت مدينة تولون الفرنسية، اليوم الجمعة، المجلس الـ25 للوزراء الفرنسي الألماني، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرز عن إطلاق "زخم جديد" للشراكة الأوروبية في مواجهة التحديات الدولية المتزايدة، وسط أجواء ودية تخللتها الأبواق والابتسامات، كما وصفت صحيفة ليزيكو الفرنسية.
إحياء المحرك الفرنسي الألماني
وصف ماكرون هذا الاجتماع بأنه "نقطة تحول" في العلاقات الثنائية، مؤكدًا أن "فرنسا وألمانيا تريدان معًا إعطاء أوروبا زخمًا جديدًا، وهو أكثر قدرة على المنافسة والإنتاجية والسيادة".
من جهته، أكد ميرز أن باريس وبرلين "تتشاركان نفس النظرة الواضحة للتحديات الداخلية والخارجية الكبرى"، حسبما نقلته صحيفة "سودأويست" الفرنسية.
يأتي هذا التحرك كمحاولة لإعادة إحياء التعاون بعد "فترات جمود عديدة" في عهد المستشار الاشتراكي الديمقراطي السابق أولاف شولتس، إذ شارك في الاجتماع عشرة وزراء من كل جانب، بما في ذلك الوزراء الفرنسيون برونو ريتايو (الداخلية) وإريك لومبار (الاقتصاد) وسيباستيان لوكورني (الدفاع).
خارطة طريق شاملة للتكامل الإستراتيجي
أقر الجانبان ثماني أوراق إستراتيجية ونحو 20 مشروعًا رائدًا تغطي الطاقة والتجارة والصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والقدرة التنافسية والسوق الموحدة.
هذه المبادرات تهدف إلى "تجسيد شكل ملموس من إعادة التشغيل حول المواضيع التي شهدت خلافات، وخاصة إعادة إطلاق العودة للتعاون الفرنسي الألماني"، كما أوضح قصر الإليزيه.
تضمنت الاتفاقيات تعهدًا بتعزيز التعاون الفرنسي الألماني في القضايا التجارية، التي كانت نقطة خلاف رئيسية بين باريس وبرلين في السنوات الأخيرة، مع الوعد بوضع "أجندة تجارية براجماتية للاتحاد الأوروبي"، تتضمن ضمانات للقطاعات الاستراتيجية، وخاصة الزراعة.
انتصار فرنسي في ملف الطاقة النووية
شهد المؤتمر تطورًا مذهلًا في موقف ألمانيا من الطاقة النووية، إذ تستعد برلين لدعم إدراج الطاقة النووية في القواعد التنظيمية للطاقة في الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة ملحوظة من دولة أغلقت مؤخرًا آخر مفاعلاتها النووية.
أقر البلدان مبدأ "عدم التمييز" ضد الطاقة النووية لتتمكن من الاستفادة من التمويل الأوروبي مثلها مثل الطاقات الأخرى، وهي "معركة طويلة المدى لباريس ضد برلين"، كما وصفتها المصادر.
يمثل هذا التغيير انتصارًا طال انتظاره لفرنسا التي تقود مع أكثر من دزينة من العواصم المؤيدة للطاقة النووية حملة لحثِّ بروكسل على الاعتراف بالطاقة النووية كمصدر منخفض الكربون.
جبهة موحدة ضد روسيا وضغوط على ترامب
أظهر القائدان وحدة قوية حول الحرب الأوكرانية، ودعيا لفرض عقوبات ثانوية تستهدف "الشركات من بلدان ثالثة تدعم حرب روسيا"، وفقًا لبيان مشترك نقلته صحيفة ليزيكو الفرنسية، كما تأتي هذه المبادرة بينما يفقد القادة الأوروبيون صبرهم من تردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مواجهة فلاديمير بوتين علنًا.
وقال ماكرون: "جهودنا للحصول على سلام عادل ودائم هي في قلب أجندتنا"، مشددًا على أنه في حالة عدم انعقاد قمة بين بوتين والرئيس الأوكراني بحلول الاثنين، فإن ذلك سيكون دليلًا على أن الرئيس الروسي "خدع" ترامب خلال لقائهما في ألاسكا في 15 أغسطس الماضي، مضيفًا أن هذا "لا يمكن أن يمر هذا دون رد".
من جهته، أعلن ميرز أن بوتين "ليس لديه رغبة واضحة في لقاء الرئيس زيلينسكي، ويضع شروطًا مسبقة غير مقبولة ببساطة"، محذرًا من أن "هذه الحرب قد تستمر لشهور عديدة أخرى".
التزامات مستمرة رغم الأزمة السياسية
تعهد البلدان بمواصلة دعمهما كييف، وأعلنا زيادة التمويل المخصص لإنتاج المعدات العسكرية في أوكرانيا، كما يعملان ضمن "تحالف الراغبين" لتوفير "ضمانات أمنية" لأوكرانيا بعد انتهاء الأعمال العدائية لحمايتها من عدوان روسي جديد، مع اجتماع جديد لهذا التحالف الذي يضم ثلاثين دولة الأسبوع المقبل.
رغم النجاحات المحققة، تواجه الحكومة الفرنسية أزمة سياسية مع تصويت الثقة المقرر في 8 سبتمبر والذي قد يؤدي لسقوط حكومة فرانسوا بايرو.
إلا أن ماكرون أكد أن خارطة الطريق المقدمة في تولون "تلزم فرنسا بالاستمرارية" حتى لو سقطت الحكومة، مؤكدًا أن ولايته الرئاسية "ستُنجز حتى النهاية" ليغلق الباب أمام أي استقالة، بينما تجاهل بعناية لمدة يومين الأزمة السياسية المستعرة في باريس.