بعد مرور أشهر على الضجة التي أثارها الاتهام الأول، تقدمت امرأة ثانية بطلب للتحقيق في مزاعم الاعتداء الجنسي ضد كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إذ زعمت أنه في أثناء عملها مع المحامي البريطاني البارز في وقت سابق من حياته المهنية، تصرف بشكل غير لائق.
ووفق الاتهام "عرّض خان المرأة لمواقف جنسية غير مرغوب فيها، وأساء استخدام سلطته عليها، وسعى مرارًا وتكرارًا للضغط عليها لممارسة نشاط جنسي"، كما ذكرت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية.
وتنحى خان، الذي ينفي ارتكاب أي نوع من سوء السلوك الجنسي، مؤقتًا عن منصبه كرئيس لقسم الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية في انتظار نتائج التحقيق في مزاعم إساءة معاملة منفصلة رفعتها إحدى موظفيه بالمحكمة.
وتلقى الادعاءات الجديدة من المرأة الثانية، الصيف الجاري، هيئة رقابية تابعة للأمم المتحدة، التي أُطلقت التحقيق مع خان العام الماضي. وأشارت الصحيفة إلى أن المحققين أجروا عدة مقابلات لفحص ادعاءاتها، التي يعود تاريخها إلى عام 2009.
طمع وتعاسة
حسب "ذا جارديان"، كانت المرأة الثانية صاحبة الادعاء في العشرينيات من عمرها، وتعمل متدربة غير مدفوعة الأجر لدى خان، خلال الفترة التي جرت فيها مزاعم الإساءة. وقتها، كان خان محامي دفاع بارزًا في المحكمة الجنائية الدولية ومحاكم جرائم الحرب الأخرى في لاهاي، ومثّل بشكل بارز الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور.
في حديثها للصحيفة البريطانية، قالت المرأة إن خان أساء استخدام سلطته ونفوذه عليها، ووصفت سلوكه بأنه "هجوم متواصل" من التحرشات. وأضافت: "ما كان ينبغي له أن يفعل ذلك. لقد كان صاحب عملي".
وتتضمن رواية المرأة عن سوء معاملة خان المزعومة أوجه تشابه عديدة مع مزاعم الموظفة التي تقدمت بالادعاء الأول. إذ زعمت المرأتان أن خان كان يطلب منهما الحضور إلى منزله للعمل. وهناك، كما زعمتا، كان يجلس بجانبهما على أريكة، يلمسهما ويقبلهما، ويحاول إقناعهما بالتجاوب معه.
وقالت إن العمل مع خان "جاء بثمن لا ينبغي أن يكون عليه، والثمن الذي جاء به أزعجني وأحزنني لبعض الوقت بعد ذلك".
وأشارت إلى أنه خلال هذه الفترة، طلب خان منها ست مرات على الأقل العمل داخل منزله في لاهاي، إذ كانا سيقضيان وقتًا منفردًا معًا.وقالت إنها عندما كانت تعمل في شقته، كان عليها أن تتفاوض مع تحرشاته أثناء محاولتها إنجاز العمل.
وأضافت: "كنت أحاول إيجاد طريقة للحفاظ على رضاه واكتساب الخبرة العملية دون الخضوع له. كان هذا صعبًا لأنه عندما كنا في منزله، كان الأمر أشبه بهجوم مستمر".
وأوضحت أنها "رغم معاناتها من التعاسة والاكتئاب" في أثناء عملها مع خان، إلا أنها قررت البقاء. وبعد انتهاء فترة التدريب، تلقت خطاب توصية مُشجعًا منه. قالت إن الأمر "بدا وكأنه صفقة مع الشيطان".
ولم يتطرق محامو خان إلى تفاصيل محددة بشأن اتهامات أي من المرأتين، لكنهم قالوا: "من غير الصحيح على الإطلاق أنه انخرط في سوء سلوك جنسي من أي نوع".
وقالوا إن خان "ينفي بشكل قاطع" أن يكون "تسبب في ضيق أو أساء معاملة أي فرد، أو أساء استخدام منصبه أو سلطته، أو انخرط في أي سلوك يمكن تفسيره على أنه قسري أو استغلالي أو غير لائق مهنيا". وزعموا أن خان قدم أدلة مفصلة للتحقيق "تتعارض تمامًا مع الاتهامات التي وجهت إليه" و"تظهر في عدد من الجوانب المادية أن هذه الاتهامات غير صحيحة بشكل واضح".
تحقيقات ومحاسبة
انتُخب خان، البالغ من العمر 55 عامًا، عام 2021 ليشغل منصب المدعي العام الرئيسي لولاية مدتها تسع سنوات. وهو في الواقع الوجه العلني للمحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة دائمة تُعتبر الملاذ الأخير للتحقيق في جرائم الفظائع ومحاكمتها.
ومنذ توليه منصبه، عمل خان على تعزيز مكانة المحكمة ودفعها إلى مرمى نيران القوى الكبرى، مع إصدار أوامر اعتقال بحق المشتبه بهم، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وشهد عمل خان حالة من الاضطراب العام الماضي، بعد ادعاءات موظفة المحكمة الجنائية الدولية، وهي محامية في الثلاثينات من عمرها عملت معه مباشرةً، وتزعم أن سوء السلوك استمر لفترة طويلة بين عامي 2023 و2024.
وسعى خان وممثلوه إلى تصوير ظهور هذه الاتهامات على أنه جزء من حملة تشنها جهات خارجية معادية لتشويه سمعته والضغط عليه، ردًا على الإجراءات التي اتخذها ضد نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت.
وبمجرد انتهاء تحقيق هيئة الرقابة التابعة للأمم المتحدة، سيتم مراجعة نتائجه من قبل لجنة من الخبراء القضائيين الذين سيقدمون المشورة للهيئة الحاكمة للمحكمة الجنائية الدولية إذا كان ينبغي اتخاذ أي إجراء ضد خان.
وإذا ثبت ارتكابه "سوء سلوك خطير" أو انتهاكًا خطيرًا لواجباته، فقد يواجه المدعي العام محاسبة غير مسبوقة، واقتراعًا سريًا تصوّت فيه الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 125 دولة على ما إذا كانت ستعزله من منصبه.