في خطوة غير مسبوقة منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، أعلنت عشرات الفصائل المحلية والقوى العسكرية في محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، اندماجها الكامل تحت مسمّى "الجيش الوطني الموحَّد"، الذي أُعلن رسميًا أنه سيكون المظلة العسكرية لأبناء الطائفة الدرزية، ويتبع هيكليًا لما يُعرف بـ"الحرس الوطني".
وقد أصدرت تلك الفصائل بيانًا مشتركًا قالت فيه إن ميلاد الجيش جاء تتويجًا لمشاورات موسعة استمرت شهورًا بين مختلف القوى المحلية، وعبّر عن التزام تام بتوجيهات الرئاسة الروحية للطائفة، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، الذي اعتُبر الممثل الشرعي والوحيد لموقف أبناء الجبل، بحسب شبكة "السويداء 24" المحلية.
ووفق البيان، فإن القوات الجديدة تضم آلاف المقاتلين الذين شاركوا في المعارك السابقة ضد تنظيم "داعش" والفصائل المتشددة، في معارك وُصفت بـ"الوجودية" بالنسبة لأهالي المنطقة.
وأكد البيان: "نجدد العهد على بذل الغالي والنفيس في سبيل حماية جبل العرب وصون كرامتنا المعروفية التوحيدية، متمسكين بالثوابت حتى آخر قطرة دم"، ما يعكس شعورًا متزايدًا بتهديد الهوية والانتماء، في ظل تراجع دور الدولة المركزية في تأمين الحماية أو تقديم الخدمات.
وقالت الفصائل إن هذا الاندماج يعكس استجابة عملية للواقع الأمني الجديد في المحافظة، الذي تميز بفراغ أمني كبير بعد سقوط النظام السابق، وانتشار واسع للسلاح العشوائي، وتصاعد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى فوضى شاملة أو استهداف من قبل التنظيمات المتطرفة المتناثرة في البوادي المحيطة. وتتمحور المهام الرئيسية للحرس الوطني حول عدة محاور استراتيجية، يأتي في مقدمتها ضبط الأمن الداخلي وحفظ الاستقرار في المدن والقرى، ومنع الفلتان الأمني، والتصدي لأي عمليات إجرامية، كما يضاف إلى ذلك مهمة حماية الحدود والمناطق البرية مع البادية، لمنع تسلل العناصر المسلحة أو عمليات تهريب السلاح والمخدرات، في تعاون محتمل مع أطراف إقليمية ودولية.
كما سيعمل الحرس الوطني على إضفاء طابع مؤسسي ومنظم على العمل العسكري والأمني في المحافظة، تمهيدًا لدمجه في أي هيكل أمني لدولة مستقبلية.
قطيعة متواترة
تعيش السويداء منذ سنوات حالة من التململ الشعبي والقطيعة المتواترة مع السلطة المركزية في دمشق. ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية وغياب الأمن، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات الشعبية، التي طالبت ليس فقط بتحسين الأوضاع المعيشية، بل أيضًا بوضع حد لما وُصف بـ"الانتهاكات الممنهجة" ضد أبناء المحافظة، بما في ذلك الاعتقالات العشوائية، والاقتحامات، بل وحرق المقامات الدينية، كما حدث أخيرًا في قرية السويمرة.
في هذا السياق، يُنظر إلى إعلان الجيش الوطني الموحّد كاستجابة مباشرة لحالة "اللا دولة" التي يعيشها الجبل، ومحاولة محلية لفرض توازن ردعي يحمي الأهالي من أي اختراق أمني محتمل أو استهداف طائفي.
تأجيل الانتخابات
تزامن هذا التطور مع إعلان اللجنة العليا للانتخابات في سوريا تأجيل الانتخابات البرلمانية في ثلاث محافظات، هي: السويداء، والرقة، والحسكة، بسبب "التحديات الأمنية". وبينما قال المتحدث الرسمي باسم اللجنة العليا للانتخابات في سوريا نوار نجمة، إن القرار اتُخذ حرصًا على "نزاهة العملية الانتخابية وسلامة الناخبين"، فإن مراقبين اعتبروا أن التأجيل بمثابة تكريس لواقع سياسي جديد يعترف ضمنيًا بخروج هذه المناطق عن السيطرة الفعلية للدولة.
ويُقرأ استبعاد السويداء من الانتخابات البرلمانية كخطوة إضافية نحو التهميش، خاصة أن المحافظة لم تشهد عمليات عسكرية واسعة كما في الرقة أو الحسكة، بل تعيش حالة من الحياد السياسي النسبي، مدفوعة بعوامل دينية واجتماعية وتاريخية. ومع ذلك، لم تتلقَ مطالب سكانها استجابة جادة من الحكومة السورية، مما دفعهم إلى تطوير نموذجهم الأمني الخاص.
ويعد تشكيل "الجيش الوطني الموحّد" توجهًا لدى دروز السويداء للابتعاد عن صراعات المحاور، والسعي نحو ما يُعرف بـ"الحياد المسلح"، أي حماية المجتمع محليًا دون الدخول في تحالفات إقليمية أو الانخراط في مشاريع انفصالية. ومع ذلك، تشير تقارير إعلامية إلى وجود اتصالات غير رسمية مع أطراف إقليمية، من بينها إسرائيل، التي يُعتقد أنها تراقب الوضع في الجنوب السوري باهتمام متزايد.
رسائل متبادلة
تأتي خطوة إعلان الجيش الموحد في ظل تأجيل الانتخابات البرلمانية في المحافظة، كنوع من الرسائل المتبادلة بين السويداء وطائفة الدروز والنظام السوري بقيادة الرئيس أحمد الشرع، ففي حين ترفض الطائفة الامتثال ولو شكليًا، وتعلن الخروج من خريطة الطاعة السياسية، إلا في حالة احترام إرادة إدارتها، فالنظام يتجاهل الطائفة على المستوى السياسي تحت غطاء الانفلات الأمني.