الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الاتجاه نحو الشرق.. قراءة تحليلية في الجولة الآسيوية للرئيس "السيسي"

  • مشاركة :
post-title
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس أذربيجان إلهام عليف

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

اختتم الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، في 29 يناير 2023، جولته الآسيوية التي تضمنت ثلاث دول، هي "الهند وأذربيجان وأرمينيا". وتأتي هذه الجولة الخارجية التي استهلها الرئيس المصري بزيارة الهند في 24 يناير 2023، في إطار اتجاه السياسة الخارجية المصرية منذ تولي "السيسي" مقاليد الحكم في 2014، نحو استراتيجية "الاستدارة نحو الشرق"، بتعزيز العلاقات كافة مع دول آسيا ضمن سياسة "الحياد الإيجابي وعدم الانحياز"، وهو ما أثبتته حفاوة الاستقبال التي حظي بها الرئيس في هذه الدول الآسيوية الثلاث؛ ما يعكس المكانة التي تتمتع بها مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي، ودورها في حلحلة أزمات عدة بمنطقة الشرق الأوسط.

ملامح الجولة الآسيوية

وُصفت هذه الجولة بكونها نادرة في سياقها وتوقيتها ومحطاتها، إذ إنها تأتي في ظل تحديات جمة، يشهدها المجتمع الدولي خاصة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في أواخر فبراير من العام الماضي، وما تركته من تداعيات على الاقتصاد العالمي، بل وإحداثها تغييرات جيوسياسية بالخريطة الدولية، هذا فضلًا عن وجود بعض الخلافات التي تشهدها دول منطقة القوقاز خاصة أرمينيا وأذربيجان، وبناءً عليه يمكن رصد أبرز ملامح هذه الجولة، كما يلي:

(*) المحطة الثالثة للرئيس المصري إلى الهند: إن اختيار "نيودلهي" في الفترة من (24- 26 يناير 2023) لتكون المحطة الأول ضمن الجولة الآسيوية للرئيس "السيسي"، بل والثالثة منذ وصوله إلى سدة الرئاسة المصرية، إذ كانت الأولى في أكتوبر 2015، والثانية في سبتمبر 2016؛ يعكس متانة العلاقات الهندية المصرية، ووصولها إلى مستويات عليا من التعاون والشراكة على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي دفع برئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" لاختيار الرئيس المصري تحديدًا للمشاركة كضيف شرف رئيسي في احتفالات الهند بيوم الجمهورية الـ74، بل وتزامنت تلك الزيارة مع مرور 75 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والهند، وبجانب ما تقدم، فإن تلك الزيارة تمخض عنها عدة لقاءات بين الجانبين المصري والهندي، نجم عنها توقيع عدد من مذكرات التفاهم والتعاون بين البلدين في مجالات تكنولوجيا المعلومات، والأمن السيبراني، والشباب والرياضة، والإذاعة، والثقافة، هذا بجانب المؤتمر الصحفي لـ"السيسي" و"مودي"، والذي تم خلاله الاتفاق على تعظيم المصالح المشتركة بين البلدين في جميع المجالات، والارتقاء بالعلاقات إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية"، وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وأيضًا العسكري. وفقًا لبيان الرئاسة المصرية.

الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ورئيس الوزراء الهندي " ناريندرا مودي"

(*) الحضور المصري في الأراضي الأذربيجانية: كانت مدينة باكو عاصمة أذربيجان، المحطة الثانية لـ"السيسي" في جولته الآسيوية (27-28 يناير 2023) بل إنها تعد أول زيارة لرئيس مصري إلى الأراضي الأذربيجانية، رغم أن مصر كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أذربيجان في ديسمبر 1991، وبعدها بعام تبادل البلدان التمثيل الدبلوماسي في عام 1992، وفقًا لما أكدته وسائل إعلام أذربيجانية، وخلال هذه الزيارة الرسمية، عقد "السيسي" سلسلة من المباحثات مع نظيره الأذري "إلهام علييف" بجانب عدد من اللقاءات مع رجال الأعمال الأذربيجانيين والرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى، إلى جانب وزراء من البلدين، وخلال هذه المباحثات واللقاءات تم الاتفاق على تعزيز وتطوير العلاقات بين مصر وأذربيجان في جميع المجالات السياسية، الاقتصادية، والتجارية، وتم الاتفاق على تشكيل مجلس رجال أعمال مشترك يتم بموجبه تدشين استثمارات جديدة وتوسيع مشروعات الجانب الأذري القائمة في مصر، وتمخض عن هذه الزيارة أيضًا، التوقيع على مذكرات التفاهم بين البلدين في مجالات الثقافة، والموارد المائية والتجارة.

الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ونظيره الأذري "إلهام علييف"

(*) زيارة تاريخية للقيادة المصرية إلى أرمينيا: جاءت يريفان عاصمة جمهورية أرمينيا، لتكون المحطة الثالثة في جولة "السيسي" الآسيوية (28-29 يناير 2023) إلا أنها الزيارة الأولى من نوعها لرئيس مصري منذ استقلال أرمينيا عام 1991، وافتتاح السفارة الأرمينية بالقاهرة في مارس 1992 والسفارة المصرية في يريفان في مايو 1993، ولهذا وصف كل من رئيس أرمينيا "فاهاكن خاتشاتوريان" ورئيس الوزراء "نيكول باشينيان" زيارة الرئيس المصري إلى بلادهم بأنها "تاريخية"، وتعكس مدي اهتمام القيادة المصرية بالدولة الواقعة جنوبي غرب قارة آسيا، إذ قال، "خاتشاتوريان"، "يسعدنا استضافتكم في مقر الرئاسة. هذا حدث تاريخي، إن هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس جمهورية مصر العربية أرمينيا، وأشكركم على ذلك"، وفقًا لوكالة الأنباء الأرمينية "أرمنبريس"، كما أن رئيس دائرة العلاقات العامة في مكتب الرئيس الأرميني، "أغاسي مرغريان"، أشار إلى أن هذه الزيارة "طال انتظارها"، خاصة أنها تأتي بعد زيارة الرئيس الأرمني إلى مصر لحضور قمة المناخ بشرم الشيخ في نوفمبر الماضي، مبينًا أن خلالها تم الاتفاق على زيارة الرئيس المصري إلى أرمينيا.

وعليه، فإن هذه الزيارة الإقليمية تعد "نقطة انطلاق للتفاهم المشترك وتعزيز العلاقات المصرية الأرمينية في جميع المجالات السياسية، الاقتصادية، والاستثمارية"، على حد قول الرئيس "السيسي"، وخلال هذه الزيارة أجريت مباحثات حول تعزيز العلاقات المشتركة، وتم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين البلدين في المجال العلمي والتكنولوجي، بجانب مناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية، كالهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب.

الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ونظيره الأرميني "فاهاكن خاتشاتوريان"
انعكاسات متعددة

وفي إطار ما تقدم، يبدو أن ثمة أهداف استراتيجية مصرية تعكس جولة "السيسي" إلى دول آسيا في هذا التوقيت، والتي ضمت وفدًا رفيع المستوى يضم خمسة وزراء وعدد من كبار مسؤولي الحكومة المصرية، منهم، وزير الخارجية "سامح شكري"، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات "عمرو طلعت"، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، "هالة السعيد"، ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة "محمد شاكر"، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

(&) إعادة التأكيد على الحضور المصري في آسيا: تدرك القيادة المصرية أن آسيا هي المستقبل على الأصعدة كافة (سياسية، عسكرية، اقتصادية، وأيضًا ثقافية)، خاصة في ظل انشغال الغرب بالحرب الروسية الأوكرانية والحرب الدائرة بين اقتصاديات الدول الكبرى خاصة (أمريكا، روسيا، الصين) والصراع على الثروات النفطية، وأزمة الأمن الغذائي العالمية، والأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم أجمع؛ لذلك فإن الهدف من تلك الجولة إعادة التأكيد على أن مصر لا يزال لها حضور قوي في دول القارة الآسيوية، وعلى رغبة القيادة المصرية الحاكمة في إعادة استراتيجية "الاستدارة نحو الشرق الآسيوي"؛ خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها "السيسي" بزيارة دول آسيوية، فقد سبق وزار على مدار سنوات حكمه منذ 2014، كلاً من "الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام"، وعليه، فإن نجاح مصر في ظل حالة التنافس الحادة التي يشهدها المجتمع الدولي، في إثبات حضورها في مختلف أنحاء آسيا وتنويع مصادر تحالفاتها مع هذه البلدان، سيسهم بالتأكيد في تعزيز الدور المصري الرائد على الصعيدين الإقليمي والدولي، وخاصة في مناطق محل الاهتمام العالمي، وهما، جنوب ووسط آسيا ومنطقة القوقاز .

(&) بناء شراكة تنموية لتعزيز الروابط الاقتصادية الأفروآسيوية: الجولة الآسيوية للقيادة المصرية التي شملت وفقًا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، انعقاد 8 لقاءات قمة و4 مؤتمرات صحفية وتوقيع 11 مذكرة تفاهم مع الهند وأذربيجان وأرمينيا بكافة المجالات، و11 لقاء للرئيس السيسي مع المسؤولين في الهند، و4 لقاءات مع رجال الأعمال في الهند وأذربيجان، سينجم عنها خلال الفترة المقبلة وفقًا لما تم الاتفاق عليه بين الرئيس المصري ونظرائه في البلدان الثلاثة، بناء "شراكة تنموية واقتصادية" بين مصر وهذه الدول بل ستتسع لتشمل شراكة بين دول القارة الآسيوية والإفريقية "شراكة أفروآسيوية"(هناك رغبة لدى الهند للتوسع في إفريقيا لذلك تعول على مصر للولوج لبلدان القارة الإفريقية) في القطاعات كافة كـ (النفط، الغذاء، السياحة، التعليم، الرعاية الصحية، وغيرها)، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لمصر والدول الآسيوية الثلاث الذين أبدوا رغبتهم في توسيع الاستثمار بالأراضي المصرية، ومضاعفة حجم التجارة المشتركة بين مصر والدول الثلاث، فعلى سبيل المثال، فإن رئيس الوزراء الهندي أعلن "رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 12 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو الأمر الذي سيمنح الفرصة للدولة المصرية لفتح أسواق جديدة بهذه البلدان والترويج للسياحة المصرية بجذب المزيد من سياح دول آسيا إلى مصر.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى في اجتماع مع رؤساء كبرى الشركات الهندية ورجال الأعمال في نيودلهي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى في اجتماع مع ورجال الأعمال ورؤساء كبرى الشركات في أذربيجان

(&) تنوع مسار السياسة الخارجية المصرية: إن هذه الجولة تعكس مدى انفتاح السياسة الخارجية المصرية على جميع بلدان العالم الخارجي، وحفاوة الاستقبال التي حظي بها الرئيس "السيسي" في الدول الآسيوية الثلاث الذين أعلنوا جميعهم عن رغبتهم في تعزيز علاقاتهم مع مصر؛ تدل على التطور غير المسبوق الذي تشهده السياسة المصرية منذ 2014، على كافة المستويات والزيارات الخارجية المتنوعة للقيادة المصرية إلى مختلف دول العالم من الشمال والجنوب حتى الشرق والغرب، وهو ما سيؤدي إلى تطوير الشراكات الاقتصادية والعسكرية والتجارية والسياسية بين مصر ومختلف دول العالم، مما سيمنح الدولة المصرية مكانة مرتفعة بين حلفائها الإقليميين والدوليين.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه الجولة سينجم عنها خلال الفترة المقبلة وضع "مجال مكافحة الإرهاب" على رأس اهتمامات العلاقة المصرية الآسيوية، إذ إن هذا الجزء كان حاضرًا خلال مباحثات الرئيس المصري في الهند وأذربيجان، ونظرًا لنجاح مصر في مكافحة الإرهاب، فإنه متوقع أن يتم تنسيق العمل بين القاهرة والدول الآسيوية الثلاث لوضع استراتيجيات للقضاء على الإرهاب بجميع صوره وأشكاله بما في ذلك الإرهاب العابر للحدود.

عرض عسكري بالهند بمشاركة القوات المسلحة المصرية بجانب الكتائب الهندية بحضور الرئيس "السيسي"

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الجولة الآسيوية التي قام بها الرئيس المصري إلى كل من الهند، أذربيجان، وأرمينيا، ستنعكس بشكل إيجابي خلال الفترة المقبلة على جميع الأطراف، وفي مجالات متنوعة، ولكن من الجدير بالذكر أن هذه الجولة في التوقيت الحالي تعكس بعد الرؤية المصرية لما يجري في العالم، وأهمية التواصل مع مختلف الأطراف وتعزيز العلاقات معهم، حتى يلقي ذلك في نهاية الأمر بظلاله على الاقتصاد والسياسة الخارجية للدولة المصرية في عهد "السيسي".