تواجه بريطانيا خريفًا مليئًا بالسخط مع الإضرابات التي من المقرَّر أن تؤدي إلى تعطيل الخدمات الحيوية في جميع أنحاء البلاد، وفق ما حذَّرت صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية.
أعلن اتحاد عمال مترو لندن، أمس الخميس، أن الركاب سيتحمَّلون أسبوعًا من الإضراب الصناعي في مترو لندن في بداية سبتمبر، بالتزامن مع عودة المدارس وتوقُّع ارتفاع أعداد الركاب.
ويبدو أن هذه الإضرابات ستتبعها أشهرٌ من الإضرابات في مختلف أنحاء القطاع العام. فمن المحتمل أن يضرب الأطباء الممارسون، والأطباء المساعدون، والممرضات خلال فصل الشتاء، وهو أكثر أوقات السنة ازدحامًا في الخدمات الصحية، بسبب المطالبات بالأجور والتمويل.
في هذه الأثناء، بدأت الإضرابات بالفعل في التأثير على سكان برمنجهام، حيث يستعد عمال جمع القمامة لمواصلة الإضراب لمدة خمسة أشهر حتى عيد الميلاد، بسبب خفض الأجور.
كان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، يأمل في الحفاظ على دعم النقابات من خلال توزيع زيادات بأثرٍ رجعي على رواتب القطاع العام بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني بعد تولِّيه منصبه، لكن هذه الزيادات لم تردع المزيد من الإضرابات، حيث خسرت بريطانيا أكثر من 280 ألف يوم عمل بسبب الإضرابات في النصف الأول من هذا العام وحده.
وتهدِّد هذه الإضرابات بحجب خطط كير ستارمر المعلَنة لإعادة ضبط الاقتصاد الشهر المقبل، لإثبات أن بريطانيا لم تفلح، كما أنها تزيد الضغط على وزيرة المالية، راشيل ريفز، التي تسعى جاهدَة لسدّ ثغرةٍ في المالية العامة تصل إلى 50 مليار جنيه إسترليني.
وطالب وزير الصحة البريطاني، ويس ستريتنج، أمس الخميس، الوزراء بتحمُّل "مسؤولية" مواجهة مطالب رواتب القطاع العام لدعم رئيس الوزراء ووزير المالية. وقال ستريتنج: "عندما ننظر إلى الضغوط التي نواجهها محليًّا ودوليًّا واقتصاديًّا، ونواجه الخدمات العامة، وتوقعات البلاد، والمعاناة التي تعانيها الأسر، فإنني أدرك دائمًا أن كير وراشيل، فوق الجميع، يتحمَّلان كل هذه الضغوط معًا. لذا أعتقد أن من مسؤوليتنا أن نقول لإداراتنا، أو جمهورنا، أو الأشخاص المسؤولين عنَّا، والخدمات التي نتحمَّل مسؤوليتها: عليكم أن تفهموا أننا لا نستطيع تقديم كل شيء للجميع، في كل مكان، دفعةً واحدة".
ولفتت "ذا تليجراف" إلى أن إضراب مترو الأنفاق سيستمر لمدة أسبوع ابتداءً من 5 سبتمبر، حيث سيتوقف موظفو المكاتب الخلفية، بمن فيهم عمال الإشارات والمهندسون وموظفو مراقبة الخدمة، عن العمل في أيامٍ مختلفة لشلّ حركة العاصمة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر في هيئة النقل في لندن أن الإضرابات ستتسبَّب في تعطُّل العديد من خطوط مترو الأنفاق، على الرغم من عدم مشاركة السائقين في الإضراب.
وأعلن اتحاد عمال مترو الأنفاق إضرابه بعد رفض أعضائه عرضًا بزيادة الرواتب بنسبة 3.4%، على الرغم من مطالبتهم بزياداتٍ تتماشى مع تضخُّم مؤشر أسعار التجزئة في فبراير من العام السابق، والذي بلغ 3.4%.
ومع ذلك، علمت "ذا تليجراف" أن المطالبات بدفع أجورٍ خاصة للعمل في يوم الصناديق "بوكسينج داي"، وتقليص أسبوع العمل من 35 ساعة إلى 34.5 ساعة، كانت أيضًا وراء قرار زعماء النقابات بالدعوة إلى التصويت على الإضراب، فضلًا عن الفشل المزعوم لمسؤولي مترو الأنفاق في الدخول في مفاوضات.
وقال سيمون فرينش، كبير الاقتصاديين في بنك بانمور جوردون الاستثماري، إن الإضراب قد يكلف ما يصل إلى 90 مليون جنيه إسترليني يوميًّا، في حين قال مارتن بيك، كبير الاقتصاديين في شركة "دبليو بي آي ستراتيجي": "نقدِّر أن الإضراب قد يكلف اقتصاد لندن ما يصل إلى ربع مليار جنيه إسترليني في شكل خسارةٍ في الإيرادات لشركة النقل في لندن وشركات لندن، والمزيد من الازدحام على الطرق ووقت سفرٍ إضافي للمسافرين".
أصرَّ إيدي ديمبسي، الأمين العام لنقابة عمال مترو الأنفاق في لندن، على أن أعضاءه، بمن فيهم سائقو مترو الأنفاق الذين يتقاضَون أكثر من 70 ألف جنيه إسترليني سنويًّا، لا يسعون إلى "فديةٍ ضخمة"، ولكن "الإرهاق والتناوب الشديد في المناوبات يشكِّلان قضيتين خطيرتين تؤثران على صحة أعضائنا ورفاهيتهم ــ وكل هذه القضايا لم تُعالَج بشكلٍ كافٍ لسنوات من قِبَل إدارة مترو أنفاق لندن".
وأدان صادق خان، عمدة لندن العمالي والمسؤول عن هيئة النقل في لندن، الإضرابات. وقال متحدثٌ باسمه: "لا أحد يرغب في رؤية إضراب أو إخلال بالنظام العام لسكان لندن. يحثّ العمدة نقابة النقل في لندن وهيئة النقل في لندن على التكاتف لحلّ هذه المسألة وتجنُّب الإضرابات العمالية".
من المقرَّر أن تكون إضرابات مترو الأنفاق هي الأولى في سلسلة إضراباتٍ في القطاع العام هذا الشتاء. وهدَّد الأطباء العامون بجولةٍ من الإضرابات الشتوية احتجاجًا على تمويل عياداتهم، بالإضافة إلى مطالبتهم بتكليفهم بإدارة "المراكز المجتمعية" التي تشكِّل جزءًا من إصلاحات ستريتنج للرعاية الصحية.
في غضون ذلك، أضرب الأطباء المبتدئون في مستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية، على الرغم من حصولهم على اتفاقٍ بشأن زيادة رواتبهم بنسبة 22% للسنوات المالية 2024 و2025. ولديهم تفويضٌ بالإضراب مرةً أخرى حتى يناير.
قد تنضم الممرضات إلى صفوفهن في الإضراب بعد رفضهن "بأغلبية ساحقة" عرضًا بزيادة الرواتب بنسبة 3.6%، في حين رفض جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية، من المسعفين إلى عمال النظافة، عُروضًا للرواتب في الأشهر الأخيرة.
هذا يثير احتمال تصويت هؤلاء الموظفين على إضراباتٍ جديدة ما لم تُلبَّ مطالبهم. وقد عطَّلت إضرابات هيئة الخدمات الصحية الوطنية 1.5 مليون موعد وعمليات منذ عام 2022. كما حذَّرت الحكومة من أن القمامة قد تستمر في التراكم في شوارع برمنجهام حتى ديسمبر، في ظلّ استمرار خلاف نقابة "يونايت" مع المجلس المحلي.
وتهدِّد نقابة "يونايت"، أكبر داعمٍ مالي لحزب العمال، بقطع تمويلها السياسي عن الحزب بسبب هذا النزاع. كما علَّقت عضوية أنجيلا راينر، نائبة رئيس الوزراء، لرفضها دعم الإضرابات و"تشويه سمعة النقابة".
واتَّهم المحافظون حزب العمال بالاسترضاء لأباطرة النقابات بعد أن بدأ الحزب في التقرُّب من النقابات فورًا تقريبًا بعد الانتخابات العامة لعام 2024. وبعد أيامٍ من تولِّي كير رئاسة الوزراء في "10 داونينج ستريت"، التقى زعيم نقابة سائقي قطارات "أسليف" بوزير النقل الجديد لإجراء محادثاتٍ حول الأجور.
وبعد شهر، أعلنت الحكومة عن زياداتٍ في رواتب جميع عمال السكك الحديدية بنسبة 15%، كجزءٍ من مكافآتٍ لموظفي القطاع العام بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني ممولةٍ من دافعي الضرائب العام الماضي.
وقال ريتشارد هولدن، النائب في البرلمان ووزير النقل في حكومة الظلّ المحافظة: "لطالما فضَّل حزب العمال رؤساء النقابات على العمال.
وأهدرت المستشارة راشيل ريفز 10 مليارات جنيه إسترليني من خلال إغداقها زياداتٍ هائلة في رواتب النقابات على أصحابها ــ 15% لسائقي القطارات، و22% للأطباء المبتدئين ــ ومنذ ذلك الحين، استشعرت النقابات ضعفًا في الأجور. ومن المتوقَّع الآن أن تنمو فاتورة رواتب القطاع العام بما يصل إلى 6.9 مليار جنيه إسترليني العام المقبل، أي أكثر بثلاثة مليارات جنيه إسترليني مما توقَّعه الاقتصاديون".