صاحبا المشروع: دعم وزارة الثقافة المصرية تقدير عظيم.. نُعيد صياغة الهوية البصرية للمدن المصرية
في مدينة أسوان، حيث يتعانق التاريخ مع التراث، ويجري النيل حاملاً معه سحر النوبة وعبق الحضارة، وُلد حلم صغير لفنانين تشكيليين، سرعان ما تحوّل إلى مشروع وطني يحمل اسم «ذهب أسوان». لم يعد الأمر مجرد جداريات ملوّنة على الحوائط، بل أصبح مبادرة قومية تستعد للانتشار في محافظات الجمهورية كافة، بعدما لفتت التجربة أنظار وزارة الثقافة المصرية وحظيت بدعم رسمي لتعميمها.
لفتت جدارية إسراء مصطفى، الأنظار بعد أن اختارها الفنانان مها جميل وزوجها علي عبد الفتاح لرسم صورتها التي تعكس ملامحها هوية وطيبة بلاد الدهب على إحدى المباني في قلب أسوان، ليعلن بعدها د. أحمد هنو وزير الثقافة المصرية دعمه لهذا المشروع الذي يقدم صورة نابضة للهوية المصرية، من خلال نسج حكايات مصرية تُروى بريشة فنانين، ورسالة جمالية تفتح أفقًا جديداً للسياحة، وتؤكد أن الفن قادر على أن يكون جسرًا بين الماضي والحاضر، وبين الهوية المحلية والحلم القومي.
البدايات الأولى
انطلقت الفكرة من سؤال بسيط طرحه الفنانان مها جميل وزوجها علي عبد الفتاح: لماذا تبقى جدران أسوان صامتة رغم تاريخها الغني؟، ففي عام 2011 نفّذا أول جدارية، فاستقبلها الأهالي بحفاوة وأمل، لتتوالى بعدها عشرات الجداريات التي جسّدت التراث النوبي والحضارة المصرية على مدار خمسة عشر عامًا، ومع تراكم التجارب، وُلد مشروع «ذهب أسوان» الذي قدّم أربع جداريات عملاقة على طريق السادات، لتصبح أيقونة بصرية لمدينة الشمس والسحر.
دعم رسمي يفتح آفاقًا جديدة
أكّد القائمان على المشروع مها وعلي في حوارهما مع «القاهرة الإخبارية» أن لحظة اتصال وزير الثقافة بهما كانت بمثابة نقطة تحول فارقة، إذ وصفاها بأنها «مكالمة مفعمة بالطاقة الإيجابية» فتحت باب النقاش حول آليات التنفيذ في محافظات أخرى. ومنذ ذلك الحين، لم يعد المشروع مبادرة محلية فحسب، بل رؤية قومية في طريقها للانتشار والعالمية.
نحو تعميم التجربة
وحول الخطوات المقبلة، أوضح الفنانان: «المرحلة القادمة أكبر بكثير، فبعد الدعم الرسمي أصبحنا نتحدث عن خريطة لتعميم الفكرة في مختلف المحافظات، لا سيما تلك التي تحمل قيمة تاريخية وسياحية، أسوان كانت الشرارة الأولى، لكن الهدف أن تنتقل التجربة إلى كل مدن مصر، مع تدريب شباب من كل محافظة ليكونوا شركاء في المشروع».
الفن يحاكي الناس
عن آلية اختيار الجداريات، أوضح الفنانان أنهما لا يتعاملان مع الجدار كمساحة فارغة للرسم، بل كصفحة جديدة تروي قصة. قبل البدء في أي عمل، يقومان ببحث ميداني يشمل لقاء الأهالي والاستماع إلى حكاياتهم، ودراسة التراث والعادات والتاريخ المحلي، ثم ترجمة ذلك إلى تصميم بصري معاصر يحافظ على الهوية ويخاطب الزوار والأجيال الجديدة.
مشاركة مجتمعية
يرى صاحبا «ذهب أسوان» أن الفن العام لا يكتمل إلا بمشاركة المجتمع، مؤكدين أن أحد أبرز أهداف المشروع هو إشراك الفنانين الشباب من كل محافظة، بحيث تحمل كل جدارية بصمة أبناء المكان نفسه. وهو ما شدّد عليه وزير الثقافة في توجيهاته، بأن يكون التدريب أساسًا للتوسّع.
احتضان الدولة
عن الدعم المادي، أوضح القائمان على المشروع أن البداية كانت بجهد شخصي تطوعي، حيث اعتمدا على وقتهما وطاقتهما الخاصة، ثم جاء تشجيع المجتمع المحلي، وتبعه دعم رسمي من محافظة أسوان، وصولاً إلى تبنّي وزارة الثقافة للمشروع، وهو ما اعتبراه «أسمى تقدير يمكن أن يناله فنان، أن تحتضن الدولة حلمه».
جداريات تعيش طويلاً
حرص فريق العمل على استخدام خامات عالية الجودة مقاومة للحرارة والأمطار والعوامل الطبيعية. وأكد الفنانان أن بعض الجداريات التي نُفذت منذ خمسة عشر عامًا لا تزال تحتفظ برونقها وألوانها حتى اليوم، مما يثبت أن المشروع قائم على أسس مدروسة لضمان الاستمرارية.
الخطوة القادمة
يتركّز العمل حالياً على استكمال مشروع «ذهب أسوان» داخل المحافظة، بالتوازي مع التحضير لمرحلة الانتشار في محافظات أخرى، والغاية – كما يقول القائمان عليه – «أن يتحول المشروع من مجرد جداريات ملوّنة إلى حركة فنية متكاملة تُعيد صياغة الهوية البصرية للمدن المصرية».