وسط الاحتجاجات الحاشدة للإسرائيليين، للمطالبة بوقف الحرب على غزة لإعادة المحتجزين، وضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا الاتجاه، مدفوعًا برغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، هل يتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن موقفه الرافض لصفقة جزئية مع حماس، ويقبل مقترح التهدئة الجديد الذي طرحه الوسيطان مصر وقطر، وقبلته الحركة؟
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن موافقة حماس على مقترح التهدئة الجديد جاءت بعد أن كتب ترامب على منصته "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي: "لن نرى عودة المحتجزين المتبقين إلا بعد مواجهة حماس وتدميرها، كلما أسرعنا في ذلك، زادت فرص النجاح". ثم تباهى ترامب بنجاحه في "تحرير مئات المحتجزين وإعادتهم إلى إسرائيل وأمريكا". في الواقع، أُطلق سراح 30 محتجزًا أحياء، وفقًا لخطة وقف إطلاق النار.
يدعو مقترح التهدئة الجديد إلى إطلاق سراح 10 محتجزين أحياء ورفات عدد من القتلى، في صفقة جزئية، مقابل إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيلي تدريجي من قطاع غزة.
ووصفت "هآرتس" رد حماس بالصادق، مشيرة إلى أن ما يربط بين تغريدة ترامب ورد حماس هو التهديد الإسرائيلي بإرسال قوات للسيطرة على مدينة غزة.
وذكرت الصحيفة أن ترامب يواصل دعمه الكامل لنتنياهو، وتساءلت: هل يمثل دعم الرئيس الأمريكي للعملية العسكرية المخطط لها جزءًا من مناورة تهدف إلى تضييق الخناق على حماس، بما يسمح أخيرًا بإحراز تقدم جديد نحو التوصل إلى اتفاق؟
وبالنسبة لعائلات المحتجزين، كل هذا يعني شيئًا واحدًا فقط، وهو أن الزخم الذي أحدثته المظاهرات الحاشدة، يوم الأحد، ينبغي أن تتبعه أيام إضافية من الاحتجاجات. آخر مرة سُجل فيها مثل هذا التعبير العلني عن الدعم للاتفاق كانت في نهاية أغسطس، بعد مقتل 6 من المحتجزين في رفح الفلسطينية.
في ذلك الوقت، سعى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، من وجهة نظره، إلى تحييد الخطر الكامن في القضية المعقدة المحيطة بتسريب معلومات استخباراتية لصحيفة "بيلد" الألمانية، بهدف إقناع الإسرائيليين بأن حماس وحدها، وليس تباطؤ نتنياهو، هي المسؤولة عن إفشال الاتفاق.
هذه المرة، تقول "هآرتس": "لا داعي للانفعال الشديد من حيلة رئيس الوزراء ووكلائه، بإطلاق ادعاءات متناقضة بأن المظاهرات فشلت بسبب قلة المشاركين، وفي الوقت نفسه تساعد حماس بطريقة ما. فبدون ضغط مستمر ومتزايد، لا أمل للتوصل إلى اتفاق".
وتشير ردود الفعل الغاضبة من الجناح اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو، كما عبّر عنها إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إلى خشيتهم من أن تسوء الأمور هذه المرة. وهم يهددون نتنياهو مجددًا بحل الحكومة إذا وافق على اتفاق جزئي. قبل أسبوعين فقط، غيّر نتنياهو موقفه وانتقل من الإصرار على اتفاق جزئي إلى المطالبة الشديدة باتفاق شامل.
لكن كالعادة، كل شيء متقلّب ومرن، سيغيّر نتنياهو حججه وتفسيراته، بل وقد يشجع سرًا معارضة داخلية، ما دام قادرًا على تجنب توقيع اتفاق. لكن إذا استحالت عليه الظروف، إما بسبب طلب من ترامب، أو احتجاج شعبي مستمر وشديد، فسيتم توقيع الاتفاق رغم المخاطر التي يشكّلها عليه.
ولفتت "هآرتس" إلى تطورين آخرين جديرين بالاهتمام. يتعلق الأول بجهود ترامب شبه اليائسة لنيل جائزة نوبل للسلام لهذا العام. وقالت الصحيفة إن القرار سيتخذ في 10 أكتوبر، أي بعد أقل من شهرين. ولا تبدو آفاق السلام على الجانب الروسي الأوكراني مبشرة. هدد ترامب فلاديمير بوتين قليلًا، لكنه سارع إلى الرضوخ للرئيس الروسي في قمة الجمعة في ألاسكا. إذا لم يُحرز أي تقدم في هذا الاتجاه، فقد يعود إلى الرهان على انتهاء الحرب على غزة كخيار بديل لنيل جائزة نوبل.
أما التطور الثاني، وفق "هآرتس"، فيتعلق باستعدادات الجيش الإسرائيلي للسيطرة على غزة. ويصدر رئيس الوزراء ووزير الدفاع والجيش تصريحات متكررة حول التقدم المُحرز في إنجاز هذه الخطة. ولم يسبق أن حظيت مناورة هجومية في تاريخ الجيش الإسرائيلي بهذا القدر من الدعاية حتى قبل أن تبدأ. وهذا، كالعادة، يثير الشكوك في أن القرار لم يُتخذ بعد. وفي نهاية المطاف، أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير علنًا عن عدم ارتياحه للخطة.