بينما وبّخ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، وسمح للبنتاجون مرتين بوقف الشحنات العسكرية المرتبة مسبقًا إلى أوكرانيا، وكذلك خفّض أو هدّد بقطع الأموال الأمريكية التي كانت تدعم سابقًا وسائل الإعلام المعارضة الناطقة بالروسية، تعمل إدارته ببطء وهدوء على تخفيف العقوبات على روسيا، واحتفى كثيرًا بالرئيس الروسي.
هكذا تنهي إدارة ترامب ما قيل إنه "العقوبات الأساسية وإجراءات مراقبة الصادرات التي حافظت على الضغط الأمريكي وزادته"، وفقًا لتقرير الأقلية في مجلس الشيوخ، حتى إن السيناتورين جين شاهين وإليزابيث وارن كتبا في بيان مشترك: "كل شهر قضاه في منصبه (ترامب) دون اتخاذ إجراء، عزز يد بوتين وأضعف يدنا، وقوّض جهود أوكرانيا لإنهاء الحرب".
وفيما مرّ العديد من هذه التغييرات مرور الكرام في الولايات المتحدة، فإنها لاقت صدى على نطاق واسع في روسيا، حيث لاقت هجمات الإدارة الأمريكية على زيلينسكي والأوروبيين وإذاعة "صوت أمريكا" استحسانًا واسعًا على التلفزيون الروسي.
وتلفت مجلة "ذا أتلانتيك" إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين لديه رؤية بأن ترامب، على حد التعبير الذي استخدمه الرئيس الأمريكي سابقًا ضد زيلينسكي، "لا يملك أي أوراق".
بدون ضغوط
رغم تأكيدات ترامب، الذي يضع جائزة نوبل للسلام نصب عينيه، أنه يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا، ويعرب أحيانًا عن غضبه لعدم رغبة بوتين في ذلك، لكن في الواقع، لم تكن الولايات المتحدة - منذ عودته إلى البيت الأبيض - مستعدة لاستخدام أي أدوات اقتصادية أو عسكرية أو سياسية لمساعدة أوكرانيا.
وتشير المجلة الأمريكية إلى أنه "إذا لم يُمارس ترامب أي ضغط دبلوماسي على بوتين، أو أي عقوبات جديدة على الموارد الروسية، فيمكن تجاهل رغبة الرئيس الأمريكي الجامحة في الظهور بمظهر صانع السلام، فلا عجب أن جميع مواعيد ترامب التفاوضية مع روسيا قد انقضت دون جدوى، ولا عجب أن الدعوة إلى أنكوريج (قمة ألاسكا) لم تُسفر عن أي نتيجة".
وعبّرت الكاتبة آن أبلباوم، زميلة معهد SNF Agora بجامعة جونز هوبكنز وكلية الدراسات الدولية المتقدمة، عن إحباط الكثير من المراقبين في الولايات المتحدة من لقاء الزعيمين: "لا يوجد الكثير مما يمكن قوله عن اجتماع ترامب وبوتين أمس في ألاسكا، بخلاف ملاحظة العناصر المتشابكة للمأساة والمهزلة".
تضيف: "إنه لأمر مؤلم أن نتخيل مدى سوء فهم المبعوث الدبلوماسي لترامب، ستيف ويتكوف، وهو هاوٍ (سياسيًا)، لاجتماعه الأخير مع بوتين في موسكو، إذا كان قد اعتقد أن قمة ألاسكا ستنجح. من المشؤوم أن يقول ترامب الآن إنه لا يريد الضغط من أجل وقف إطلاق النار، ولكن بدلًا من ذلك من أجل مفاوضات السلام، لأن الصيغة الأخيرة تمنح بوتين الوقت لمواصلة قتل الأوكرانيين".
في المقابل، ركّزت التقارير الروسية عن الاجتماع على التعاون التجاري، وإشارة بوتين إلى أن "شراكة الأعمال والاستثمار الروسية الأمريكية لديها إمكانات هائلة".
استعادة الأوراق
الأمر الوحيد الذي أثار ارتياح العديد من الأوكرانيين والأوروبيين، هو عدم إعلان ترامب عن أمرٍ أسوأ من عدم التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب في أوكرانيا، وأنه لم يدعُ إلى استسلام أوكرانيا، أو إلى تنازلها عن أراضٍ، كما أشارت عدة تقارير قبل القمة.
تقول أبلباوم: "ما لم تكن هناك بروتوكولات سرية، وربما بعض الصفقات التجارية، لم نطّلع عليها بعد، فلن تُذكر أنكوريج على الأرجح كمؤتمر ميونيخ جديد، أو كاتفاقية مولوتوف - ريبنتروب".
تضيف: "إن أفضل طريقة لفهم أنكوريج ليست باعتبارها بدايةً لشيء جديد، بل تتويج لعملية أطول. فبينما تُفكّك الولايات المتحدة أدوات سياستها الخارجية، وتُقيل هذه الإدارة مَن يجيدون استخدامها، ستتضاءل قدرتنا على التصرف برشاقة، من وزارة الخزانة إلى الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، ومن وزارة الخارجية إلى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، تُقوّض وكالة تلو الأخرى، عمدًا أو سهوًا، من قِبل مُعيّنين سياسيين غير مؤهلين، أو جبناء، أو مُعادين لمهمتهم".
وأكدت أن "الولايات المتحدة لم تعد تملك أوراق ضغط حقيقية، لأنها كشفت عن أدواتها وفقدت عنصر التأثير. وإذا أرادت أن تستعيد قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث، فعليها أن تسترجع هذه الأوراق، من خلال: تسليح أوكرانيا بشكل فعّال، وتوسيع العقوبات المفروضة على روسيا، والتصدي للطائرات المسيّرة الفتاكة، والعمل على إضعاف الاقتصاد الروسي، وتحقيق النصر في الحرب. فقط حينها، يمكن أن يتحقق السلام".