خلال ولاية دونالد ترامب الأولى، حاول كبار مستشاريه اتباع نهج تقليدي في صياغة السياسة الخارجية، من خلال الاستعانة بخبراء من مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، ومناقشة توصيات مختلف دوائر الحكومة، لتوجيه الرئيس بعيدًا عن القرارات التي يخشوا أن تضر بمصالح أمريكا.
وخلال تلك الفترة، كان ترامب متشككًا بشدة في مجلس الأمن القومي، وهو ما دفعه، إلى استبعاد الخبراء في ولايته الجديدة، وأصبحت القرارات الرئيسية، كالتعامل مع حرب غزة والمفاوضات بشأن أوكرانيا، تُتخذ الآن من قِبل مجموعة صغيرة من المستشارين، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ورئيسة الأركان سوزي ويلز، وشخص أو اثنان آخران.
وتنقل مجلة "ذا أتلانتيك"، عن مسؤول سابق لا يزال على اتصال وثيق بالبيت الأبيض، إن ترامب "أصبح الآن قائدًا كاملًا، ولا يريد عددًا كبيرًا من الرجال. وعلى الحاضرين أن يُديروا الخطة التي يُقررها، دون أي نقاش".
مفاتيح السلطة
في ولايته الجديدة، أصبح لدى ترامب فهمٌ أفضل لمفاتيح السلطة، وثقةٌ أكبر بحدسه، فهو لا يريد أن تُبطئه الآراء المُخالفة، ومن خلال تقليص عدد الأشخاص المشاركين في القرارات الرئيسية، وجعل الولاء سمةً أساسيةً في اختيار المساعدين، دفع الرئيس الأمريكي النظامَ نحو اتجاهٍ أكثر تخصيصًا ومركزية، يسمح لدوافعه بتوجيه سياسة واشنطن.
وتلفت "ذا أتلانتيك" إلى أنه "بتجاهله عمليةً مُصمّمةً لكشف وجهات نظر مُختلفة وتحليل التحركات من جميع الأطراف، زاد من خطر العواقب غير المقصودة".
وتجلت مخاطر النهج الجديد في ألاسكا، حيث أجرى ترامب محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مانحًا خصمه فوزًا دون الحصول على مقابل يُذكر، بالمقابل، في ولايته الأولى، كان مستشارو ترامب لينصحوا بعدم عقد القمة المُرتّبة على عجل.
وأدى هذا الوضع الموحد إلى تقلبات سياسية حادة، كما حدث مع تعليق وزير الدفاع بيت هيجسيث المتقطع للمساعدات العسكرية لأوكرانيا في يوليو، مما أربك المسؤولين في وقت كان ترامب يحاول فيه زيادة الضغط على موسكو.
كما يمكن أن يعيق هذا الوضع حل المشكلات والابتكار في السياسات "غالبًا ما تواجه الدول المتحالفة صعوبة في التعامل مع نظام لا يستطيع فيه حتى كبار المسؤولين توفير الوضوح، لأن مجموعة واسعة من القرارات يجب أن تُتخذ في المكتب البيضاوي، حيث يظل ترامب غامضًا ومتقلبًا في كثير من الأحيان".
أخطاء ودروس
في يناير الماضي، عاد ترامب إلى البيت الأبيض مُنتشيًا بفوزه، وحسب "ذا أتلانتيك"، فإن الرئيس ورجاله جاؤوا مُسلّحين بدروسٍ حول ما حدث من أخطاء في المرة الأولى، عندما غيّر ترامب أربعة مستشارين للأمن القومي.
ظلّ ترامب نادمًا على رحيل مايكل فلين، الذي وثق به أكثر من غيره، وتنحّى بعد أقل من شهر من ولايته الأولى بسبب علاقاته غير المعلنة مع روسيا.
في السنوات التي تلت ذلك، شعر الرئيس بأنه مُدار من قِبَل إتش آر ماكماستر، ثم جون بولتون.
الرجل الذي اختاره مستشارًا للأمن القومي بعد إعادة انتخابه، مايكل والتز، كان غير مناسب له منذ البداية. حيث رأى بعض مساعدي ترامب المخضرمين الجندي السابق في القوات الخاصة، والذي كان سابقًا مساعدًا لنائب الرئيس ديك تشيني، أنه "متشدد تجاه روسيا وإيران، ومفرط في التبعية للشركاء الأجانب التقليديين".
وقد استمر والتز في اتباع النهج التقليدي، حيث يعقد موظفو مجلس الأمن القومي سلسلة من المناقشات رفيعة المستوى مع مسؤولين من مختلف الوكالات الحكومية لتحضير خيارات سياسية للرئيس، لكنه واجه صعوبة في التعامل مع انعدام الثقة العميق في الجناح الغربي للبيت الأبيض تجاه موظفيه.
فرصة روبيو
في أوائل أبريل الماضي، أقالت الإدارة الأمريكية فجأةً ستة مسؤولين في مجلس الأمن القومي بعد أن اتهمتهم الناشطة اليمينية المتطرفة لورا لومر بعدم دعمهم الكافي لأجندة الرئيس. وكان من بين المفصولين موظفون مقربون من والتز، ما يُظهر عجزه عن حمايتهم.
ربما كان رحيل والتز أمرًا لا مفر منه، لكنه تسارع عندما أضاف مستشار الأمن القومي عن طريق الخطأ رئيس تحرير "ذا أتلانتيك "، جيفري جولدبرج، إلى محادثة نصية على تطبيق "سيجنال"، حيث شارك والتز ومسؤولون آخرون خططًا حساسة لقصف اليمن في 15 مارس الماضي.
وحصل وزير الخارجية روبيو على وظيفة إضافية. بل وحظي أسلوبه كمستشار مؤقت للأمن القومي بقبول واسع لدى الرئيس والمحيطين به.
أعاد روبيو هيكلة مجلس الأمن القومي بسرعة، الذي توسع ليضم أكثر من 300 موظف في السنوات الأخيرة، وبحلول أواخر مايو الماضي، كان قد فُصل 100 موظف، وأُغلقت أو دُمجت العديد من مكاتب المجلس.
وإضافة إلى فريق القرار الأساسي المكون من ترامب، وفانس، وروبيو، وويلز، يلعب ستيفن ميلر دورًا محوريًا في قضايا الأمن الداخلي.
وفي القرارات المتعلقة بروسيا وإسرائيل، يشارك المبعوث ستيف ويتكوف، فيما يستعين ترامب في الشؤون العسكرية، بوزير الدفاع هيجسيث والجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة.