الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قتل الصحفيين والمراسلين.. إسرائيل تحارب من أجل "احتكار السرد"

  • مشاركة :
post-title
صورة الشهيد أنس الشريف

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تخوض إسرائيل في غزة حربين متوازيتين، الأولى عسكرية بمفهومها الاعتيادي، والثانية إعلامية للسيطرة على السردية حول ما يحدث في القطاع، وفي إطار هذه الحرب الخفية، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 180 صحفيًا فلسطينيًا خلال 22 شهرًا، بينما تواصل منع الصحفيين الدوليين من التغطية المستقلة، حسبما أرقام أبرزتها صحيفة "ذا جارديان" البريطانية.

الاغتيالات المستهدفة

كشفت لجنة حماية الصحفيين أن 26 إعلاميًا فلسطينيًا تعرضوا لعمليات اغتيال مستهدفة وصفتها بـ"جرائم القتل"، رغم حماية القانون الدولي للصحفيين باعتبارهم مدنيين.

وكان آخر هذه الاغتيالات مقتل المراسل أنس الشريف، البالغ من العمر 28 عامًا، الذي استشهد يوم الأحد الماضي مع أربعة من زملائه في خيمتهم خارج أحد المستشفيات.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن أنس الشريف، الذي أصبح أحد أبرز الأصوات الإعلامية في غزة، انتشر مقطع له على وسائل التواصل وهو ينهار على الهواء أثناء تغطيته للمجاعة في يوليو الماضي، حيث حثه المارة على الاستمرار قائلين إنه "يمنح غزة صوتًا". 

وقد توقع "الشريف" اغتياله في بيان نشره قائلًا: "إذا وصلتكم هذه الكلمات، فاعلموا أن إسرائيل نجحت في قتلي وإسكات صوتي".

تؤكد منظمات حرية الصحافة أن هذه العمليات تشكل حملة ترهيب منهجية، حيث تقول جودي جينسبرج، الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين: "ليس لديّ شك في أن منع الوصول الدولي، وقتل الصحفيين، واستهداف المنشآت الإعلامية جزء من استراتيجية متعمدة لإخفاء ما يحدث داخل غزة".

انهيار أنس الشريف على الهواء أثناء تغطيته للمجاعة في يوليو الماضي
تبرير القتل

تعتمد إسرائيل على حملات التشويه والاتهامات الباطلة لتبرير استهداف الصحفيين دوليًا، زاعمة أنهم مقاتلون سريون من حماس.

وبعد انتشار مقطع الشريف المؤثر حول المجاعة، أعادت المتحدثة باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إحياء اتهامات بأنه مسلح، وأنه يزيف "المجاعة الجماعية في حملة حماس الكاذبة حول المجاعة".

وردت لجنة حماية الصحفيين بتحذير على لسان مديرتها الإقليمية سارة قدح: "هذه الاتهامات الباطلة تمثل جهدًا لتصنيع الموافقة على قتل الشريف، وهذا يشكل تهديدًا بالقتل".

وتشير "ذا جارديان" إلى أن الجمع بين دور أحد أبرز الصحفيين في أحد أكثر الأماكن مراقبة على وجه الأرض وقيادة وحدة من حماس أثناء حرب شاملة يبدو أمرًا صعبًا للغاية، في تشكيك واضح في مزاعم إسرائيل حول ذلك.

وقد نشرت إسرائيل العام الماضي وثائق مماثلة عن المراسل الإعلامي إسماعيل الغول، تزعم أنه حصل على رتبة عسكرية وهو في العاشرة من عمره.

الحصار الإعلامي

وتواصل إسرائيل فرض حصار إعلامي شامل على غزة، إذ تمنع الصحفيين الدوليين من دخول القطاع للتغطية المستقلة.

وحسب الصحيفة، سُمح لعدد محدود فقط بالدخول تحت حراسة جيش الاحتلال، دون السماح لهم بالحركة بحرية أو التحدث مع الفلسطينيين، مما يجعل عمل الصحفيين المحليين أكثر أهمية وحيوية.

وتشير جينسبرج إلى حادثة أخرى، وتحديدًا عندما سُمح لطاقم "بي بي سي" بالتصوير من طائرة عسكرية تلقي مساعدات إنسانية في غزة، لكن إسرائيل منعتهم من تصوير الدمار أدناه عندما فُتحت الأبواب، قائلة: "هذا مثال على السماح لطواقم الأخبار الدولية بتصوير إلقاء المساعدات وليس الدمار".

شهادات دولية

حصل المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو على إذن نادر لدخول غزة لأغراض البحث الأكاديمي، وأكد أن شهرًا من البحث هناك أقنعه بأن إسرائيل تحاول إسكات التقارير من غزة.

وقال في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "الآن أفهم لماذا تنكر إسرائيل وصول الصحافة الدولية إلى مثل هذا المشهد المروع، رغم وجودي في عدد من مناطق الحرب من أوكرانيا إلى أفغانستان، مرورًا بسوريا والعراق والصومال، لم أختبر أبدًا مثل هذا".

تصاعد الوقاحة

ما يثير قلق منظمات حرية الصحافة أكثر هو عدم تقديم إسرائيل أي تفسير لمقتل زملاء الشريف الأربعة، وهم مدنيون محميون قُتلوا في مكان عملهم.

تقول جينسبرج: "ما يدهشني أنهم لم يحاولوا حتى تبرير عمليات القتل الأخرى، إذن فهم يعترفون بقتل أولئك الصحفيين مع علمهم أنهم صحفيون".

وتضيف: "أعتقد أن هذا مقصود عمدًا ليكون له تأثير مخيف، لإظهار أن إسرائيل يمكنها أن تفعل ما تشاء، ولن يتخذ أحد أي إجراء. إذا كنا في مرحلة يمكن فيها لإسرائيل استهداف طاقم إخباري بأكمله بهذه الوقاحة، فماذا يعني ذلك لسلامة الصحفيين الآخرين؟ من التالي؟".

وبذلك تتحول غزة، وفقًا للجنة حماية الصحفيين، إلى أخطر مكان في العالم لممارسة مهنة الصحافة، في إطار حرب إسرائيلية شاملة لاحتكار السرد وإخفاء جرائم الحرب عن أعين العالم.