عمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير شبكات الكهرباء وقطع الاتصالات عن شمال غزة، لإخفاء أهوال الحصار وجرائم الحرب التي يرتكبها هناك.
وكشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية، في تقرير لها، عن مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال في شمال غزة، حين أصابت غاراته الجوية عدة منازل بشارع الحواجة في جباليا، ما أسفر عن استشهاد وإصابة ما يقدر بنحو 150 مدنيًا.
وذكرت الصحيفة أن الحصار الإسرائيلي المشدد على جباليا وعدة أجزاء أخرى من شمال غزة، والذي فرضته دبابات وقوات الاحتلال البرية، منع فرق الدفاع المدني والمسعفين من الوصول للمنطقة لإنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض، كما لم يتمكن أي صحفي من الوصول إلى هناك.
ولفتت الصحيفة إلى أن الغارات الإسرائيلية على الحواجة، هي الوضع الذي تكرر في مختلف أنحاء شمال غزة، حيث أصبحت الحركة والاتصالات صعبة على نحو متزايد بعد أربعة أسابيع من الهجوم الإسرائيلي المتجدد على المنطقة.
وأوضحت "الجارديان" أن جيش الاحتلال تعمد تدمير شبكات الهاتف والإنترنت في غزة، منذ بدء العدوان على القطاع في 7 أكتوبر 2023. وأشارت إلى أن الشبكات غير متصلة بالإنترنت بشكل روتيني؛ بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية أو نقص الكهرباء أو الوقود للمولدات.
ونقلت الصحيفة عن المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والمسعفين والإعلاميين على الأرض في شمال غزة، أن المشكلة تزداد سوءًا، مما يؤثر على جهود إنقاذ الأرواح التي يبذلها عمال الإنقاذ والمسعفون، فضلًا عن عدم قدرة الصحفيين على تغطية الأخبار.
وقد أصبح التواصل بين المستشفيات والعاملين الصحيين ووكالات الإغاثة متقطعًا، كما أدى الاجتياح البري إلى جعل السفر أكثر خطورة، مما يجعل من الصعب تنسيق الرعاية والعلاج وجمع بيانات الضحايا بدقة.
وأوقفت خدمة الدفاع المدني أعمالها، الأربعاء الماضي، بعد أن تعرضت طواقمها لاعتداء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتدمير آخر سيارة إطفاء لديهم جراء القصف من دبابات الاحتلال.
وبذلت "رجاء"، وهي صيدلانية تبلغ من العمر 28 عامًا، مع اثنين من أصدقائها، قصارى جهدها لمساعدة الجرحى بعد الغارات الجوية على بيت لاهيا، السبت الماضي، والتي أسفرت عن استشهاد 40 شخصًا على الأقل.
قالت رجاء: "لم تكن هناك وسيلة للاتصال بالمستشفيات الثلاثة التي لا تزال تعمل في المنطقة، ولم تأت سيارات الإسعاف على الإطلاق؛ ويعتقد أن عددًا غير معروف من الأشخاص دفنوا تحت المباني المنهارة".
وأضافت "كنا نساعد في نقل المصابين أو نقلهم على عربات تجرها الحمير إلى منزلنا. كان لدينا بعض الأدوات، لذا كان بوسعنا تقديم بعض الإسعافات الأولية، لكننا شاهدناهم جميعًا يلفظون أنفاسهم الأخيرة. كان هناك طفل صغير بجمجمة مفتوحة لا يزال على قيد الحياة، لا أعرف كيف. هذا هو أكثر ما يؤلمني، الشعور بالعجز. لو كانت هناك سيارات إسعاف، لكان معظمهم على قيد الحياة الآن."
وأسفر العدوان الجوي والبري الجديد الذي شنه جيش الاحتلال إسرائيل في شمال قطاع غزة عن استشهاد 800 شخص على الأقل، بحسب السلطات الصحية في القطاع.
ويقول ما يقدر بنحو 400 ألف شخص متشبثين بالمنطقة، إن الظروف هناك هي الأسوأ منذ بدء الحرب حتى الآن. فقد هاجم جيش الاحتلال المستشفيات والملاجئ، كما ينفد الغذاء والمياه بسبب الحصار المفروض على إيصال المساعدات، والذي يركز على جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، ويقيد الحركة بشكل مطرد.
ونقلت "الجارديان" عن العديد من الأشخاص، إن المياه النظيفة نفدت منذ أكثر من أسبوع، وأنهم يشربون كميات صغيرة من مياه الصرف الصحي يوميًا للبقاء على قيد الحياة.
كما تسهم عمليات انقطاع الاتصالات والقيود المفروضة على الحركة في عدم الإبلاغ أو تأخير الإبلاغ عن إراقة الدماء والمعاناة الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي الجديد في شمال القطاع.
وإلى جانب هذه الصعوبات، يبدو أن جيش الاحتلال صعد من حملته ضد الصحفيين المحاصرين في القطاع، حيث استشهد 5 صحفيين في غارات جوية إسرائيلية، يوم الجمعة الماضي، وفي الأسبوع الماضي، زعم الاحتلال أن 6 آخرين ما زالوا يعملون في شمال غزة، هم أعضاء في حماس أو الجهاد الإسلامي الفلسطيني، مما قد يحولهم إلى أهداف.
وقتل جيش الاحتلال حتى الآن ما لا يقل عن 170 صحفيًا ودمرت 86 منشأة إعلامية في غزة، وفقًا لتقرير جديد صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وقالت فيونا أوبراين، مديرة منظمة "مراسلون بلا حدود" في المملكة المتحدة: "إننا نشعر بالفزع الشديد إزاء الاتهامات المستمرة التي لا أساس لها، وتربط الصحفيين في غزة بجماعات إرهابية. إن قيام إسرائيل بنشر وثائق تزعم أن هذا ليس دليلًا كافيًا أو ترخيصًا بالقتل ويعرضهم لخطر أكبر".
وأضافت: "كانت هناك محاولة منهجية من جانب جيش الاحتلال لإغلاق التغطية الإعلامية للحرب على غزة ومنع نشر القصة، وكان أبرزها قتل الصحفيين".
وتابعت أوبراين: "تظهر تحقيقاتنا أن 32 صحفيًا على الأقل كانوا مستهدفين؛ بسبب عملهم، ولكن حتى الآن كان هناك إفلات تام من العقاب."