يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى استخدام قوة شخصيته للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في أوكرانيا، معتقدًا أنه يمكن التغلب على المعوقات بلقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين وجهًا لوجه، وفق ما ذكرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.
وقالت الشبكة الأمريكية إن بوتين يريد كسب الوقت، بعد أن رفض بالفعل اقتراحًا أوروبيًا وأمريكيًا وأوكرانيًا لوقف إطلاق النار غير المشروط في مايو، وتتقدم قواته بوضوح على خطوط المواجهة في هجوم صيفي قد يقربه من أهدافه بما يكفي لإجراء مفاوضات في الخريف حول وضع راهن مختلف تمامًا في الحرب.
وإذا التقى الرئيسان، فمن الواضح أن أحد الأهداف الأمريكية هو عقد قمة ثلاثية تشمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمناقشة إنهاء الحرب، وهو الشكل الذي رفضته روسيا في إسطنبول في مايو، لكن هذه المرة من المقرر أن تنعقد القمة بين ترامب وبوتين في ألاسكا منتصف الشهر الجاري، وفق إعلان البيت الأبيض، ما يثير تساؤلات حول كيفية انتهاء الحرب، والتي طرحت لها "سي إن إن" 5 سيناريوهات محتملة، وهي:
1- موافقة بوتين على وقف إطلاق نار غير مشروط
من المستبعد أن يوافق بوتين على وقف إطلاق نار تبقى فيه خطوط المواجهة على حالها، إذ طالبت الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا بالفعل بمثل هذا الهدنة في مايو، تحت تهديد العقوبات، ورفضتها روسيا.
وتراجع ترامب عن العقوبات، مفضِّلًا محادثات على مستوى منخفض في إسطنبول لم تسفر عن أي نتيجة، ولم يحقق وقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا في وقت سابق من هذا العام ضد البنية التحتية للطاقة سوى التزام محدود أو نجاح محدود.
يحوِّل الكرملين حاليًا المكاسب المتزايدة على خط المواجهة إلى مزايا إستراتيجية، ولن يرى جدوى من إيقاف هذا التقدم الآن، وهو يبلغ ذروته، وحتى التهديد بفرض عقوبات ثانوية على الصين والهند -اللتين تبدوان مقاومتين للضغوط الأمريكية- لن يغير هذه الحسابات العسكرية المباشرة لما تبقى من الصيف، وحتى أكتوبر على الأقل، سيرغب بوتين في القتال لأنه منتصر.
2- البراجماتية ومزيد من المحادثات
قد تتفق المحادثات على المزيد منها لاحقًا، ما يرسخ المكاسب الروسية مع حلول فصل الشتاء، ويجمد خطوط المواجهة عسكريًا، ويتوقع أنه بحلول شهر أكتوبر، ربما يكون بوتين قد استولى على مدن بوكروفسك وكوستيانتينيفكا وكوبيانسك الشرقية، ما يمنحه موقعًا قويًا للانتظار خلال فصل الشتاء، وإعادة تنظيم صفوفه، عندها يمكن لروسيا أن تعاود القتال في عام 2026، أو أن تستخدم الدبلوماسية لجعل هذه المكاسب دائمة.
وقد يثير بوتين أيضًا احتمال إجراء انتخابات في أوكرانيا، التي أُجِّلت بسبب الحرب، ونقطة نقاش قصيرة لترامب، للتشكيك في شرعية زيلينسكي، بل وحتى إزاحته لصالح مرشح أكثر تأييدًا لروسيا.
3- أوكرانيا تصمد بطريقة ما العامين المقبلين
في هذا السيناريو، تساعد المساعدات العسكرية الأمريكية والأوروبية لأوكرانيا على تقليص التنازلات على خط المواجهة في الأشهر المقبلة، وتدفع بوتين إلى السعي للتفاوض، بعد أن فشل جيشه مجددًا في الوفاء بالتزاماته.
وبينما تسقط بوكروفسك، مع توقعات بتهديد روسيا معاقل أخرى في شرق البلاد، قد تشهد أوكرانيا تباطؤًا في التقدم الروسي كما حدث سابقًا، وقد يشعر الكرملين حتى بوطأة العقوبات وتضخم الاقتصاد.
ووضعت القوى الأوروبية بالفعل خططًا متقدمة لنشر "قوة طمأنة" في أوكرانيا كجزء من الضمانات الأمنية، ويمكن لعشرات الآلاف من قوات الناتو الأوروبية أن توجد حول كييف والمدن الرئيسية الأخرى، لتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لأوكرانيا في عملية إعادة الإعمار، وتشكيل رادع كافٍ يدفع موسكو إلى ترك خطوط المواجهة كما هي، وهذا هو أقصى ما يمكن لأوكرانيا أن تأمل فيه.
4- كارثة على أوكرانيا وحلف الناتو
ربما أدرك بوتين التصدعات في الوحدة الغربية بعد قمة مع ترامب، حسَّنت العلاقات الأمريكية الروسية، لكنها تركت أوكرانيا لتدافع عن نفسها، وقد تبذل أوروبا قصارى جهدها لدعم كييف، لكنها تفشل في قلب الموازين دون دعم أمريكي.
قد يرى بوتين المكاسب الصغيرة في شرق أوكرانيا تتحول إلى هزيمة بطيئة للقوات الأوكرانية في التضاريس المنبسطة والمفتوحة بين دونباس والمدن المركزية دنيبرو وزابوريجيا والعاصمة، وقد تثبت الدفاعات الأوكرانية ضعفها، وتتحول أزمة القوى العاملة العسكرية في كييف إلى كارثة سياسية عندما يطالب زيلينسكي بتعبئة أوسع لدعم دفاع البلاد.
يبدو أمن كييف في خطر مرة أخرى مع تقدم قوات بوتين، وترى القوى الأوروبية أنه من الأفضل محاربة روسيا في أوكرانيا بدلًا من خوضها لاحقًا داخل أراضي الاتحاد الأوروبي، لكن قادة أوروبا يفتقرون في النهاية إلى التفويض السياسي للانضمام إلى حرب برية داخل أوكرانيا، ولا يزال حلف الناتو يفشل في تقديم رد موحد، وهذا هو كابوس أوروبا، ولكنه بالفعل يمثل نهاية أوكرانيا ذات السيادة.
5- كارثة على بوتين.. تكرار تجربة السوفييت في أفغانستان
قد تتخبط روسيا، مضحية بأرواح آلاف الجنود أسبوعيًا، مقابل مكاسب ضئيلة نسبيًا، وترى العقوبات تقوض تحالفها مع الصين، وإيراداتها من الهند، بما يعني انحسار الاحتياطيات المالية لصندوق الثروة السيادية الروسي وانخفاض إيراداتهن الأمر الذي قد يتسبب بتصاعد الانشقاق بين النخبة في موسكو بسبب رفض الكرملين للمخارج الدبلوماسية في حربه الاختيارية، مفضلًا الإصرار العسكري وصراعًا بالوكالة غير مستدام مع حلف الناتو، فيما قد يصبح ترامب بطة عرجاء، ويعود تركيز الولايات المتحدة بعد انتخابات منتصف المدة إلى معايير السياسة الخارجية التقليدية المتمثلة في معارضة موسكو وداعمتها بكين.
في هذا السيناريو، قد يواجه الكرملين لحظة تصبح فيها مقاومته مضرة لمصاعب الواقع المبتذلة، وللصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها شعبه، وسابقًا ساهمت حسابات سياسية مشابهة في دعم احتلال السوفييت غير المثمر لأفغانستان في حرب اختيارية أخرى، وبرزت بالفعل لحظات ضعف غير متوقعة للكرملين في حرب أوكرانيا، كما حدث عندما تعثر يفجيني بريجوجين (مؤسس قوات فاجنر شبه العسكرية)، المقرب من بوتين، في قيادة ثورة قصيرة الأمد على العاصمة.
وتستبعد "سي إن إن" أن أي من هذه الخيارات يجدي نفعًا لأوكرانيا، مشيرة إلى أن واحدًا منها فقط ينذر بهزيمة روسيا كقوة عسكرية تشكل تهديدًا للأمن الأوروبي، كما لا يمكن لأي منها أن ينشأ من اجتماع ترامب وبوتين وحدهما، دون أن تصبح أوكرانيا طرفًا في أي اتفاق لاحق.