يشهد الشارع السياسي الفرنسي تحوُّلًا جذريًا قد يعيد تشكيل خريطة القوى في البرلمان، إذ يدفع مؤيدو الرئيس إيمانويل ماكرون لمنح نواب اليمين المتطرف مناصب قيادية في الجمعية الوطنية، في خطوة تهدد بكسر "الجدار الناري" الذي كان يحول دون وصول الأحزاب المتطرفة للمناصب المؤسسية في أوروبا.
مواجهة هيمنة اليسار
كشفت مصادر في مجموعة "معًا من أجل الجمهورية"، أكبر الكتل البرلمانية المؤيدة لماكرون، لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، أن المجموعة تسعى لمعالجة ما تراه "مشكلة وجود عدد كبير جدًا" من نواب اليسار في مناصب القيادة البرلمانية، فيما يهدف هذا التوجه لاستبدال بعض النواب اليساريين بآخرين من حزب "التجمع الوطني" اليميني بقيادة مارين لوبان في المناصب القيادية.
تأتي هذه الخطوة وسط انقسام داخل صفوف الوسطيين المؤيدين لماكرون حول كيفية التعامل مع اليمين المتطرف، الذي يحظى بأفضل فرصة حتى الآن للفوز بالرئاسة في انتخابات 2027.
ويُنظر لهذا التحرك كمحاولة لنزع فتيل حجج اليمين المتطرف بأن أصوات ناخبيه لا تُسمع، إذ أوضح نائب مؤيد لماكرون أن استبعاد نواب "التجمع الوطني" من الوظائف البرلمانية يغذي رواية الحزب بأنه ضحية للنظام السياسي.
انهيار الجدار الناري
يُضعف هذا التطور ما يُسمى بـ"الجدار الناري" أو "الحاجز الصحي"، وهو المفهوم المطبق في العديد من دول أوروبا الغربية والبرلمان الأوروبي لإبعاد اليمين المتطرف عن الأدوار المؤسسية الرئيسية رغم نموه الانتخابي المتزايد.
وتواجه ألمانيا تحديات مماثلة، إذ أثار إدماج حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف جدلًا داخليًا في صفوف الديمقراطيين المسيحيين الوسطيين بعد حصول الحزب على المركز الثاني في الانتخابات الوطنية، رغم أن "الجدار الناري" صمد في النهاية.
خلل في التوزيع
حسب التقاليد البرلمانية الفرنسية، يُفترض أن يعكس توزيع المناصب القيادية -بما في ذلك نواب الرئيس والخزنة والسكرتارية- التركيبة الفعلية للمجلس النيابي التي تشكِّل "مكتب الجمعية الوطنية" المسؤول عنإدارة الانضباط الداخلي ومعاقبة النواب المشاغبين والإشراف على تعديلات قواعد المجلس.
وفقاً للمسؤول الموالي لماكرون، يشغل اليسار حاليًا عددًا غير متناسب من مقاعد المكتب مقارنة بقوته الانتخابية، بينما لا يحتل "التجمع الوطني" أي منصب، وهذا الخلل يعود لقرار تم اتخاذه بعد أن حل ماكرون البرلمان فورًا عقب الهزيمة الساحقة في الانتخابات الأوروبية يونيو الماضي، إذ رفض الوسطيون دعم مرشحي اليمين المتطرف وحصل اليسار على أغلبية مناصب المكتب.
تأييد رسمي من القمة
سبق أن انتقد ماكرون استبعاد نواب "التجمع الوطني" من القيادة البرلمانية، واصفًا ذلك بأنه "ليس أمرًا جيدًا" وأكد أن نواب الحزب "شرعيون"، مضيفًا: "لا يوجد شيء اسمه نائب من الدرجة الثانية"، كما تبنى رئيس الوزراء الحالي فرانسوا بايرو موقفًا مماثلًا، منتقدًا هذا الاستبعاد ووصفه بأنه "غير مقبول".
يُذكر أنه في عام 2022، عندما فقد ماكرون أغلبيته لأول مرة وحصل حزب لوبان على عدد قياسي من المقاعد، تمكن اليمين المتطرف من الحصول على منصبين من أصل ستة مناصب نواب رئيس، بفضل أصوات نواب الوسط والمحافظين، رغم الاحتجاجات الشديدة من المعارضة اليسارية.