بعد أكثر من أربعة عقود على فرض سياسة الطفل الواحد، التي حدت بشدة من النمو السكاني، تسعى الصين اليوم إلى قلب المعادلة عبر تشجيع مواطنيها على الإنجاب، في محاولة لوقف التراجع الحاد بمعدلات المواليد.
وفي أواخر يوليو، أعلنت السلطات مبادرة وطنية جديدة لدعم الأسر، تدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير 2025، تقضي بتقديم إعانة سنوية تبلغ 3600 يوان "نحو 514 دولارًا أمريكيًا" لكل طفل تحت سن الثالثة، بما يصل إلى أكثر من 10 آلاف يوان على مدى ثلاث سنوات.
ووصف التلفزيون المركزي الصيني، الخطة بأنها "سياسة كبرى لتحسين رفاهية الشعب".
أزمة ديموجرافية متفاقمة
ورغم إلغاء سياسة الطفل الواحد قبل نحو عشر سنوات، لا تزال معدلات الولادة تتراجع. وفي عام 2023، لم تتجاوز الولادات 9.54 مليون طفل، أي نصف العدد المسجل عام 2016 عند رفع القيود. كما شهد العام ذاته انخفاضًا في عدد السكان بمقدار 1.39 مليون شخص، بينما تجاوزت الهند، الصين كأكبر دول العالم سكانًا.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، ارتفع عدد المسنين في الصين إلى نحو 310 ملايين شخص فوق سن الستين عام 2024، ما يزيد الضغط على نظام الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي.
تكاليف التربية
لكن الدعم الجديد لم يلق ترحيبًا واسعًا، إذ يرى كثيرون أنه غير كافٍ لتغطية تكاليف تربية الأطفال. وقال أحد أولياء الأمور، لشبكة CNN الأمريكية: "تكلفة تربية طفل هائلة، و3.600 يوان سنويًا مجرد قطرة في بحر".
وتشير دراسة صادرة عن معهد "يوا" لأبحاث السكان إلى أن تكلفة تربية طفل حتى سن 18 تبلغ نحو 538 ألف يوان (76 ألف دولار أمريكي)، أي أكثر من ستة أضعاف نصيب الفرد من الناتج المحلي. وفي مدن كبرى مثل بكين وشنجهاي، تتجاوز التكلفة 900 ألف يوان، وتصل في بعض الحالات إلى مليون يوان.
وتواجه جهود الحكومة تحديات معقدة، في ظل تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات بطالة الشباب. ورغم رفع الحد الأقصى للإنجاب إلى طفلين عام 2016 ثم إلى ثلاثة عام 2021، استمر معدل الخصوبة في الانخفاض، فيما شهدت البلاد انكماشًا سكانيًا للعام الثالث على التوالي.
ويرى خبراء أن تكاليف السكن المرتفعة، وساعات العمل الطويلة، وانعدام الأمان الوظيفي تشكل عوائق أساسية أمام الزواج والإنجاب. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، نشر كثير من جيل الألفية وجيل "زد" صورًا لغرامات دفعها آباؤهم في حقبة سياسة الطفل الواحد، مشيرين إلى المفارقة في التحول الحالي.
ورغم أن الحكومة الصينية تأمل أن يسهم الدعم الجديد في تحفيز الأسر، إلا أن خبراء يشككون في قدرة هذه الخطوة وحدها على وقف التراجع، خاصة في ظل فشل محاولات مماثلة في اليابان وكوريا الجنوبية.