تخطط الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، لاحتلال قطاع غزة بالكامل، رغم المعارضة الواسعة في الداخل الإسرائيلي لتلك الخطوة المزمعة المحفوفة بالمخاطر، وفق ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
ولفتت الصحيفة إلى تقارير إسرائيلية أفادت بأن نتنياهو قرر بالفعل السيطرة على غزة بالكامل، رغم معارضة رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير.
وأوضحت الصحيفة أن التوقع المتزايد لتدخل أكبر في غزة، جاء في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لإيجاد مخرج، في ظل تعثر محادثات وقف إطلاق النار، وتطلع اليمين المتطرف بإسرائيل إلى احتلال القطاع.
وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير، في منشور على منصة "إكس"، أمس الثلاثاء: "يجب على رئيس الأركان أن يعلن بوضوح أنه سيلتزم بشكل كامل بتوجيهات القيادة السياسية، حتى لو تم اتخاذ قرار بالغزو والعمل الحاسم".
وأشار رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال زامير، إلى أنه يُفضل جهدًا أكثر محدودية يُبقي الضغط على حماس من خلال "القوة النارية الدقيقة"، التي قال إنها ستسمح لإسرائيل بتقليص وجود قواتها في غزة، ومنحها الراحة بعد ما يقرب من عامين من الحرب. قال زامير: "سنعمل على تخفيف العبء عن قواتنا، وتجنب الوقوع في فخاخ حماس".
ويقول رافضو خطة حكومة نتنياهو لاحتلال غزة، ومعظمهم من اليسار والوسط في إسرائيل، إن تل أبيب يجب أن تركز طاقتها على تأمين وقف إطلاق النار لإعادة المحتجزين المتبقين وتخفيف التكلفة الإنسانية المتزايدة للحرب، التي تركت إسرائيل معزولة على الصعيد الدولي بشكل متزايد.
وعسكريًا، لن يكون من الصعب على جيش الاحتلال الإسرائيلي غزو غزة، وفقًا لمحللين أمنيين إسرائيليين، إذ تسيطر إسرائيل بالفعل على نحو 75% من القطاع، ولم يعد لدى حماس أي قوة عسكرية منظمة تمنعها من ذلك.
لكن إسرائيل ستواجه تحديًا بعد سيطرتها الكاملة على غزة، التي دمرت مساحات كبيرة منها جراء القصف على مدار الـ22 شهرًا الماضية.
وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن إسرائيل باحتلالها القطاع ستكون مسؤولة عن الحياة اليومية لسكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الصحية وجميع جوانب الحياة المدنية الأخرى. كما ستحتاج إسرائيل إلى قوة عسكرية كبيرة داخل غزة للحفاظ على الأمن وسط شعب مُعادٍ إلى حد كبير.
وذكرت الصحيفة أن تكلفة احتلال غزة ستكون باهظة، نحو 35 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 10 مليارات دولار، لدفع رواتب الجنود وتمويل الخدمات المدنية في غزة، وفقًا لدراسة أجراها البروفيسور إستيبان كلور، أستاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة.
وتمثل هذه التكلفة المقدرة نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي الذي لم يرصد له ميزانية. كما لا يشمل هذا تكلفة إعادة بناء البنية التحتية في غزة، وهي تكلفة قد تضطر إسرائيل إلى تحملها إذا رفضت الدول المانحة المحتملة التعاون معها.
وسبق أن مولت إسرائيل حكومة عسكرية في غزة بين عامي 1967 و2005، في الغالب باستخدام عائدات الضرائب المحصلة بالقطاع، قبل أن تُخلي مستوطناتها هناك. وصرّح كلور بأن هذا الخيار غير مُجدٍ على الأرجح نظرًا لحالة اقتصاد غزة بعد قرابة عامين من الحرب.
وحسب وول ستريت جورنال، يقول محللون أمنيون إسرائيليون إنه ليس من الواضح ما إذا كان الاحتلال العسكري من شأنه أن يهزم حماس أو يشجعها. وأضاف المحللون أن مقاتلي حماس، الذين خاضوا الحرب بأكملها بملابس مدنية ومن داخل مناطق مأهولة بالسكان، سيواصلون تكتيكات حرب العصابات. ويعزز احتلال القطاع صفوفهم، ويمنحهم قدرة أكبر على استهداف القوات الإسرائيلية المتمركزة بشكل دائم داخل غزة لإدارة الحكم العسكري.
ومن المرجح أيضًا أن تؤدي الخطوة الإسرائيلية إلى إحداث ردود فعل دولية غاضبة، إذ طالبت أغلب دول العالم بإنهاء الحرب على الفور.
كما يخشى منتقدو خطة الاحتلال من تعريض حياة المحتجزين في غزة للخطر، إلى جانب الخسائر في الأرواح والمعاناة، سواء لسكان القطاع المدنيين أو للجنود الإسرائيليين.
ويخشى بعض المنتقدين من أن يؤدي الاحتلال العسكري إلى إبعاد إسرائيل أكثر عن أهداف حربها من خلال التسبب في مقتل المحتجزين المتبقين، وتعزيز موقف حماس في غزة وعلى الساحة العالمية.
وقال أفنير جولوف، المدير الأول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي: "نرى ما يحدث الآن، وسيزيد الأمر سوءًا. لست متأكدًا إلى أي مدى سيدعم المجتمع الإسرائيلي احتلال غزة بأكملها".
وأضاف محللون آخرون أن نتنياهو ربما يستغل التهديد للضغط على حماس لقبول شروط إسرائيل لوقف إطلاق النار. وفي استطلاع رأي نشره معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، قال 27% من المشاركين إنهم سيؤيدون تشكيل حكومة عسكرية في غزة، مقارنة بـ50% أيدوا تشكيل حكومة تكنوقراط. وقال 12% آخرون إنهم يؤيدون سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على غزة، وهي الخطوة التي رفضتها القيادة الإسرائيلية رفضًا قاطعًا.
وكشف مؤيدو السيطرة العسكرية الكاملة على غزة، ومنهم أمير أفيف، المسؤول الدفاعي الإسرائيلي السابق والمقرب من الحكومة الحالية، أن أحد المكونات الأساسية للاحتلال العسكري الناجح تنفيذ خطة إسرائيلية لنقل سكان غزة الذين يرغبون في الانتقال إلى دولة ثالثة.
وفي حين يزعم المسؤولون الإسرائيليون أن إعادة توطينهم ستكون طوعية، يقول المنتقدون إن الدمار الذي أحدثته إسرائيل في مختلف أنحاء غزة يُشكل إجراءات قسرية لطردهم من القطاع. وأضاف أفيفي "إذا قرر معظمهم الانتقال إلى مكان آخر، فسيكون ذلك بمثابة تغيير كبير".