الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع الانسحاب الأمريكي من منظمة اليونسكو

  • مشاركة :
post-title
منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب مجددًا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، 22 يوليو 2025، معتبرًا أن أيديولوجيتها لا تخدم المصالح الوطنية الأمريكية، التي سبق وأن قرر الانسحاب منها عام 2017 لتتماشي مع سياساته الانعزالية والانسحابية من العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية، التي تُشكل ركائز النظام العالمي متعدد الأطراف، ويعتبرها لا تخدم المصالح الأمريكية وتستنزف القدرات الاقتصادية الأمريكية وشعاره الرئيسي أمريكا أولًا كان من أبرز تلك الانسحابات: الانسحاب من كل من منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاقية باريس للتغيرات المناخية، ووكالة غوث وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). الأمر الذي يثير تساؤلًا مركزيًا حول دوافع الانسحاب من تلك المنظمات الدولية خاصة الأنروا، وتأثير ذلك على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي.

دوافع متعددة

تتنوع دوافع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اليونسكو، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

- تأكيد توجهات ترامب: يأتي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالانسحاب من منظمة اليونسكو ليتماشى مع توجهاته التي تبناها منذ ولايته الأولى واستمرت خلال الولاية الثانية وهي الانسحاب من العديد من المنظمات والاتفاقات الدولية كان من أهمها: الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للتغيرات المناخية التي يعتبرها تضر بالاقتصاد الأمريكي وتقوض فرص التوظف في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك وقف مشاركة الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يعتبره مناهضًا لإسرائيل، والانسحاب من اتفاقية الأجواء المفتوحة والمبرمة مع روسيا و32 دولة أغلبها منضوية في حلف الناتو، وأرجع ترامب ذلك الانسحاب إلى عدم التزام روسيا ببنود المعاهدة.

- ترجمة وعود ترامب الانتخابية: يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن المنظمات والاتفاقات الدولية تُشكل عبئًا على الولايات المتحدة الأمريكية وشعاره الرئيسي أمريكا أولًا الذي يلقى رواجًا كبيرًا داخل قاعدته الانتخابية ومنها قاعدة اليمين الشعبوي المؤيد لتلك القرارات ويعتبرها تنفيذًا لوعود ترامب وترجمة شعاره الرئيس أمريكا أولًا والاتجاه نحو تعزيز المصالح الوطنية الأمريكية، التي تتنافى وفق تصوره مع قيود تلك المنظمات.

- تبني القضايا الاجتماعية والثقافية الانقسامية: وفقًا للرؤية الأمريكية يمثل ترويج منظمة اليونسكو للقضايا الاجتماعية والثقافية الانقسامية تهديدًا للمصالح الوطنية الأمريكية، إذ اعتبرت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، أن اليونسكو تعمل على الترويج لقضايا اجتماعية وثقافية مثيرة للانقسام، وتركز بشكل مبالغ فيه على أهداف الأمم المتحدة المتعلقة بالاستدامة في إطار ما قالت إنها أجندة فكرية قائمة على العولمة.

- انحياز اليونسكو للقضية الفلسطينية: يشكل انحياز اليونسكو للقضية الفلسطينية من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة عضو تتمتع بعضوية اليونسكو أحد الدوافع للانسحاب الأمريكي من المنظمة، وهو ما أشارت إليه الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، إذ رأت أن موقف المنظمة مناهض لإسرائيل عبر الاعتراف بدولة فلسطينية، وأوضحت أن قرار اليونسكو الاعتراف بدولة فلسطين كدولة عضو يمثل مشكلة كبيرة ويعارض سياسة الولايات المتحدة وأسهم في انتشار خطاب معاد لإسرائيل داخل المنظمة.

- تنامي النفوذ الصيني داخل المنظمة: تشير بعض التحليلات إلى أن المنظمة تشهد دورًا متناميًا لنفوذ خصوم واشنطن وفى مقدمتهم الصين التي تعد ثاني أكبر ممول لأنشطة المنظمة، وهو ما يُشكل أحد دوافع واشنطن للانسحاب من المنظمة، التي تعتبر وفق ذلك أن أنشطتها تخدم التصور الصيني للتنمية العالمية بما يعزز حضورها لخدمة أجندة الصين الدولية. وتتمثل أبرز الانتقادات التي يمكن أن تكتنف ذلك التصور بأن المنافسة الأمريكية لتصاعد دور الصين داخل المنظمة يفترض وجوًدا أمريكيًا وليس انسحابًا.

تداعيات محتملة

هناك العديد من التداعيات المحتملة للانسحاب الأمريكي من منظمة اليونسكو، التي يمكن الإشارة إلى بعدين رئيسيين هما:

الأول.. أنشطة منظمة اليونسكو: إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسهم بنسبة 14% من تمويل أنشطة منظمة اليونسكو، إذ بلغت مساهمتها خلال عام 2024 ما يقرب من 156 مليون دولار، فإن انسحابها ربما يكون له تأثير على تنفيذ المنظمة لأنشطتها وأهدافها في دول العالم المختلفة، يضاف إلى ذلك أن القضايا العالمية التي تتبناها المنظمة لا يمكن أن تقوم بها دول منفردة، وإنما تحتاج إلى تضافر الجهود العالمية ومنها تبني اليونسكو لعمليات تعليمية وثقافية في دول العالم النامية والأقل نموًا وكذلك برامجها المعنية بإنقاذ الآثار وحمايتها.

والثاني.. تراجع النفوذ الأمريكي: يُشكل مبدأ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المنظمات والاتفاقات الدولية تراجعًا للنفوذ الأمريكي وللقوة الناعمة وتعزيز النهج الانعزالي للسياسة الأمريكية، بما يجعل واشنطن خارج صناعة القرار في مجالات مؤثرة مثل الثقافة والتراث والتعليم، التي تشكل مجالات عمل منظمة اليونسكو على سبيل المثال، وهي مجالات لطالما تباهت واشنطن بأنها تمثل تجسيدًا للعولمة أو "الأمركة" باعتبارها أحد مصادر الهيمنة الأمريكية، من خلال تنميط العالم وترجمة لمرحلة القطبية الأحادية.

مجمل القول، يشكل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالانسحاب من منظمة اليونسكو تقويضًا للنظام أحادي القطبية، وتراجعًا لدور القوة الناعمة الأمريكية في مجال التعليم والثقافة، وهي المجالات التي تُسهم في تشكيل قيم النظام الدولي، ويبدو أن توجهات ترامب نحو الانسحاب من تلك المنظمات الدولية تمثل بداية لإرهاصات التحول نحو نظام دولي جديد متعدد الاقطاب ولا يزال قيد التشكيل، وأنه يجسد أيضًا أزمة الهيمنة الأمريكية.