الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محاكاة الجوع القاتل.. بماذا يشعر الحالمون بالطعام في غزة؟

  • مشاركة :
post-title
الجوع في غزة

القاهرة الإخبارية - أحمد أنور

لم تكن المساعدات الغذائية الشحيحة، التي يُفرج عنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلا مذبحة بطيئة الحركة، تحصد أرواح الغزيين الجوعى في شتى القطاع، بوجوه شاحبة، وأجساد هزيلة، وأحلام الصمود الكبيرة، تدفعهم إلى محاولات النجاة من الموت جوعًا وهم شامخون كالنخل، غير أن الناجين منهم لم يسلموا من أهوال المخاطر الصحية جراء المجاعة. 

يواجه أكثر من مليوني شخص في غزة، بمن فيهم نحو مليون طفل، في ظل حصار إسرائيلي شبه كامل، جوعًا متفاقمًا. ووفقًا للأمم المتحدة، يقضي ما يقرب من ثلث سكان القطاع أيامًا عديدة دون طعام، وتُبلّغ مستشفيات غزة القليلة المتبقية عن تزايد الوفيات بسبب سوء التغذية والجوع، بحسب "واشنطن بوست" الامريكية.

كما حذّرت منظمات الإغاثة من خطر المجاعة الوشيك، إذ فرضت إسرائيل قيودًا مشددة على تدفق إمدادات الأمم المتحدة إلى غزة، وأصدرت أكثر من 100 منظمة إنسانية بيانًا، الأربعاء الماضي، وصفت فيه الأوضاع في القطاع بـ"المجاعة الجماعية"، وتُظهر الصور ومقاطع الفيديو من القطاع أطفالًا نِحاف، جلدهم مشدود بشدة على عظامهم وبطونهم منتفخة.

جسد بلا طعام

وقال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس في مؤتمر صحفي، الأربعاء الماضي: "لا أعرف ما يمكن أن نسميه بخلاف المجاعة الجماعية، وهي من صنع الإنسان، وهذا واضح للغاية، وقد توفي أكثر من 100 شخص جوعًا منذ بداية الحرب. ويتم إحصاء الوفيات الجديدة يوميًا".

وجراء نقص التغذية لا يحصل الناس على سعرات حرارية كافية لتلبية احتياجات الجسم من الطاقة، وعلى مدى أسابيع وأشهر، يمكن أن يؤدي سوء التغذية إلى أمراض معينة، مثل فقر الدم عندما لا يحصل الأشخاص على ما يكفي من الحديد أو مرض البري بري إذا لم يحصلوا على الثيامين بشكل كافٍ.

كما أن النقص الحاد في الطعام لفترة طويلة، وعدم وجود سعرات حرارية كافية لتلبية احتياجات الجسم من الطاقة، يؤدي إلى إنفاد الجسم لاحتياطياته من الطاقة، ما يؤدي إلى فقدان كبير في الوزن، وهزال في أنسجة الجسم، والموت في النهاية.

الجوع في غزة
مخاطرة للحصول على الطعام

وعلى الرغم من أن سكان غزة عانوا الجوع أغلب فترة الحرب الدائرة منذ أكثر من عام ونصف العام، فإن الظروف ساءت أكثر وبشكل خاص منذ شهر مارس الماضي، بعدما أنهت إسرائيل هدنة وقف إطلاق النار التي استمرت ستة أسابيع، وسُمح خلالها بدخول المزيد من المساعدات إلى القطاع، ثم أعادت فرض الحصار.

ابتداءً من أواخر مايو الماضي، استُبدلت جهود الأمم المتحدة الإنسانية بمؤسسة غزة الإنسانية، وهي نظام توزيع مساعدات مدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة، وقد حذّر المنتقدون من أن المؤسسة -المسجلة كمنظمة غير ربحية، والمدعومة من جهات تسعى إلى الاستفادة من جهود الإغاثة- تنقل مساعدات غير كافية إلى الفلسطينيين في ظل نظام معيب يُجبرهم على المخاطرة بحياتهم للحصول على المؤن.

 وتندلع حالات تدافع بين الفلسطينيين الذين يتدافعون للحصول على المساعدات، وقد أطلقت القوات الإسرائيلية النار مرارًا وتكرارًا بالقرب من مستودعات توزيع المؤسسة، ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من ألف شخص كانوا يتدافعون للحصول على المساعدات من المؤسسة.

الجوع في غزة
موت الأطفال جوعًا

كما عانت مؤسسة الإغاثة الإنسانية العالمية من صعوبات مالية، ما حدّ من عدد الإمدادات التي كانت تُدخلها إلى القطاع، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، يدخل إلى غزة يوميًا ما معدله 28شاحنة مساعدات، بانخفاض عن 500 شاحنة قبل الحرب، وبحسب منظمة "اليونيسيف" فإن نحو 80% من الذين ماتوا جوعًا منذ بداية الحرب كانوا أطفالًا.

تلقّى 5 آلاف طفل علاجًا من سوء التغذية خلال أسبوعين في يوليو الجاري، وفقًا لما ذكره إدوارد بيجبيدر، المسؤول في اليونيسف في بيان الخميس الماضي، وبحلول منتصف أغسطس المقبل قد ينفد مخزون غزة من الأدوية المتخصصة لعلاج الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد، وفقًا لما أوردته "رويترز".

يقول الأطباء وخبراء التغذية إن الأطفال الذين ينجون من نقص التغذية والقصف المستمر والأمراض المعدية والصدمات النفسية، غالبًا ما يُحكم عليهم بمواجهة مشكلات صحية مدى الحيا، ويمكن أن يحرمهم سوء التغذية من القدرة على النمو الكامل لأدمغتهم وأجسامهم؛ ونتيجة لذلك سيصبح الكثير منهم أقصر قامةً وأضعف جسديًا.

الجوع في غزة
مذبحة بطيئة الحركة

من جانبه قال ذو الفقار بوتا، طبيب ورئيس قسم صحة الطفل العالمية في مستشفى الأطفال المرضى في تورنتو: "على أبسط مستوى، إذا كنت تعاني من ضعف التغذية والنمو، فإن دماغك يتوقف عن النمو".

ويواجه الأطفال الناجون مخاطر شديدة مرتبطة بسوء التغذية، إلى جانب التدهور الاجتماعي، عندما يتخذ الآباء خيارات بشأن من يطعمونه أو ما يبيعونه من أجل البقاء، بحسب أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة تافتس ومؤلف كتاب "المجاعة الجماعية: تاريخ ومستقبل المجاعة".

وقال: "على عكس إطلاق النار أو القصف، إذا توقف القتل، فلن يتوقف الموت، وسيستمر لبعض الوقت، والتجويع في حرب كهذه أشبه بمذبحة بطيئة الحركة".