كشف المفتش العام لوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أن رسائل وزير الدفاع بيت هيجسيث على تطبيق "سيجنال" حول حملة القصف الأمريكية في اليمن مستمدة من بريد إلكتروني مصنف كـ"سري/ممنوع على الأجانب"، وفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لصحيفة "واشنطن بوست"، ما يدحض ادعاءات إدارة ترامب المستمرة بأنه لم يتم تداول معلومات سرية في فضيحة "سيجنال جيت" التي هزَّت أركان الإدارة الأمريكية.
وثيقة سرية
أرسل الجنرال مايكل "إريك" كوريلا، القائد الأعلى للعمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، بريدًا إلكترونيًا مصنفًا بدرجة "سري/ممنوع على الأجانب" إلى أكثر من مسؤول دفاعي، حسبما أكدت أربعة مصادر مطلعة على الأمر لـ"واشنطن بوست".
البريد الإلكتروني، الذي أُرسل عبر شبكة الإنترنت البروتوكولية السرية (SIPRNet)، وفقًا للوائح الحكومية، تضمن ملخصًا شاملًا لخطط الضربات اليومية، بما في ذلك التوقيت المتوقع لبدء القصف ونوع الطائرات والأسلحة المقرر استخدامها ضد الحوثيين.
تصنيف "سري" يعني أن الكشف غير المصرح به يمكن أن يتسبب في ضرر جسيم للأمن القومي، بينما تسمية "ممنوع على الأجانب" تعني عدم السماح لأي رعايا أجانب بالاطلاع عليها، بما في ذلك كبار المسؤولين في الدول الحليفة الوثيقة للولايات المتحدة.
ونُشِرت هذه المعلومات الحساسة في مجموعتين على الأقل عبر تطبيق "سيجنال" غير المصنف من حساب مرتبط بهيجسيث في 15 مارس، قبل وقت قصير من بدء الهجمات الأمريكية.
إدارة ترامب تنكر
رغم الأدلة الدامغة، تمسكت إدارة ترامب بموقفها المنكر لتداول معلومات سرية، إذ قال شون بارنيل، المتحدث باسم البنتاجون، في بيانٍ لـ"واشنطن بوست": "تقف الوزارة خلف بياناتها السابقة.. لم يتم تداول معلومات سرية عبر سيجنال.. كما قلنا مرارًا، لم يكن أحد يرسل خطط الحرب عبر الرسائل النصية، ونجاح العمليات الأخيرة للوزارة من عملية (الفارس الخشن) إلى عملية (المطرقة منتصف الليل) دليل على أن أمننا التشغيلي وانضباطنا من الدرجة الأولى".
من جهتها، أشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي، إلى أن الحوثيين وافقوا منذ ذلك الحين على وقف إطلاق النار، وانتقدت "واشنطن بوست" لاستمرارها في تدقيق ما حدث في قضية "سيجنال جيت"، حتى بينما يواصل المفتش العام للدفاع فعل الشيء نفسه بناءً على طلب المشرعين.
وأضافت كيلي: "أثبتت هذه الإدارة أنها قادرة على تنفيذ المهام بدقة ويقين، كما يتضح من العمليات الناجحة التي محت المنشآت النووية الإيرانية وقتلت الإرهابيين".
المتورطون في الفضيحة
أشارت التحقيقات إلى أن المحادثة الجماعية الرئيسية تضمنت شخصيات بارزة في الإدارة الأمريكية، منها نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، بحسب تقارير سابقة لشبكة "إن بي سي نيوز" وصحيفة "وول ستريت جورنال".
كما أن مايكل والتز، مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض والمرشح الحالي لمنصب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، كان منشئ المجموعة الرئيسية، وأُقيل من منصبه بعد أقل من شهرين من كشف الحادثة في مارس.
وما زاد من حدة الفضيحة أن المحادثة تضمنت عن طريق الخطأ صحفيًا من مجلة "ذي أتلانتيك"، معروف بانتقاده للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما أثار الانتقادات والحيرة، كما شملت مجموعة أخرى زوجة هيجسيث جينيفر وشقيقه فيل ومحاميه الشخصي تيم بارلاتوري، رغم عدم وجود دور رسمي لجينيفر في البنتاجون.
دور "بوريا"
يركز التحقيق الذي يجريه مكتب المفتش العام للدفاع، بناء على طلب من أعضاء جمهوريين وديمقراطيين في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ في أبريل، على تحديد من نشر الرسائل التي قد تكون سرية تحت اسم هيجسيث.
وفقًا لمصادر مطلعة، فإن الكولونيل في مشاة البحرية ريكي بوريا، الذي كان مساعدًا عسكريًا لهيجسيث آنذاك، كان له حق الوصول إلى هاتف هيجسيث الشخصي، وأحيانًا ينشر معلومات نيابة عنه، كما أن "بوريا" أخبر زملاءه أنه كتب النصوص المثيرة للجدل حول اليمن في هاتف هيجسيث، حسب أشخاص مطلعين على الأمر.
قدم بوريا أوراق التقاعد فجأة في أبريل، وأصبح منذ ذلك الحين رئيس أركان فعلي لـ"هيجسيث"، وهو منصب سياسي.
وصرح ترامب وهيجسيث مؤخرًا لبوريا بالتقاعد من مشاة البحرية برتبة كولونيل، متجاوزين القانون الفيدرالي الذي ينص على أن الضابط العسكري من مكانته يجب أن يخدم ثلاث سنوات في الرتبة للتقاعد بها، باستثناء حالات "المشقة الشديدة أو الظروف الاستثنائية أو غير العادية".
وتؤكد الصحيفة أن هذه المراجعة، المتوقع الإعلان عن نتائجها خلال أشهر قليلة، تشكل تهديدًا إضافيًا لهيجسيث الذي شهدت فترة ولايته التي امتدت ستة أشهر صراعات داخلية وخللًا وظيفيًا، بما في ذلك إقالة العديد من كبار المسؤولين العسكريين والمعينين السياسيين في فريقه ومغادرة مفاجئة لآخرين.